تدوير البلاستيك مصدر رزق للجزائريين... ومخاوف من المخاطر الصحية

30 سبتمبر 2024
تحذير من مخاطر صحية على العاملين في مجال النفايات (العربي الجديد)
+ الخط -

سواء كان تحت أشعة الشمس الحارقة أو تساقط الأمطار، تجدهم يتنقلون بين مكبات النفايات يجمعون مخلفات البلاستيك من قوارير العصائر والمياه المعدنية الفارغة، هم مواطنون ينتمون إلى مختلف الفئات العمرية، فضّل بعضهم وأجبر آخرون على كسب قوتهم من النفايات.

بعيداً عن الأهداف ذات العلاقة بالبيئة أو المساهمة في الاقتصاد الوطني، لم تجد فئة من المواطنين إلا مكبات النفايات للهروب من البطالة وغلاء العيش.
بوعلام. س (رب عائلة من منطقة الدويرة في الجزائر العاصمة يبلغ من العمر 51 سنة) هو أحد المواطنين الجزائريين الذي ينشطون في مجال جمع النفايات البلاستيكية، فقد قال في تصريح لـ"العربي الجديد" إنه أجبر على العمل في هذا المجال لتوفير دخل إضافي يعول به أسرته.

وذكر بوعلام، الذي رفض ذكر اسمه كاملاً، أنه يعمل منذ عشر سنوات كعون حراسة في البلدية، إلّا أنّ الراتب الشهري الذي يتقاضاه يبلغ 20 ألف دينار (الدولار = نحو 132 ديناراً) لا يغطي المصاريف العائلية لأكثر من 10 أيام، الأمر الذي دفعه للبحث عن مصادر دخل إضافية، خاصة في ظل ارتفاع أسعار معظم المواد واسعة الاستهلاك.

وذكر المتحدث أنه يتنقل كل مساء بعد الدوام وخلال أيام الإجازات الأسبوعية بين مكبات النفايات المنتشرة في أحياء مقاطعته لجمع القوارير البلاستيكية، والتوجّه بها في نهاية الأسبوع إلى محطات تجميع والشركات الناشطة في مجال "الرسكلة" وإعادة التدوير. 

دخل جيد ومخاطر صحية

كشف بوعلام أنه يحقق شهرياً دخلاً يساوي ويفوق في العديد من المرات الراتب الوظيفي، مشيراً إلى أنّ سعر الكيلوغرام الواحد من البلاستيك يقدّر بـ30 ديناراً، لكنّه قال إنّ هذه المكاسب توازيها العديد من المشاكل الصحية في المقام الأول، خاصة أنّ الفرز في مكبات النفايات يتطلب البحث بين مختلف القاذورات والمخلفات، التي قد تكون خطيرة على الصحة، إذ لا تفرز في النفايات البلاستيكية عن بقية النفايات الأخرى.

من دون استعمال أدنى وسائل الحماية كالكمامات أو القفازات، التقت "العربي الجديد" في ولاية البليدة المجاورة للعاصمة برفيق، وهو شاب يبلغ من العمر 22 عاما، وجد من جمع المخلفات البلاستيكية لإعادة بيعها لشركات إعادة التدوير مصدر رزق، بعد أن انقطعت به السبل في الحصول على عمل، وألقت به الظروف في أحضان البطالة سنتين إثر التوقف عن الدراسة.

ويستعمل رفيق في جمع هذه المخلفات شاحنة صغيرة يملكها والده يطلق عليها عرفياً في الجزائر اسم "هاربيل"؛ إذ يجمع كميات كبير من القوارير والمخلفات البلاستيكية، وبعد تحفّظ كشف لـ"العربي الجديد" أنّ دخله من هذا النشاط يتراوح ما بين 60 ألف دينار و80 ألف دينار في الشهر.

وعلى الرغم من ذلك، لم يخفِ الشاب رفيق أنّه يقوم بهذا النشاط بشكل مؤقت، إلى حين الظفر بشغل دائم، يكون فيه مستقرا من ناحية التغطية الاجتماعية، بعيداً عن المخاطر الصحية المترتبة على التعامل مع مكبات النفايات. وذكر أن بعض أصدقائه أصيبوا بأمراض الحساسية الجلدية ومشاكل في الجهاز التنفسي بسبب ذلك.

1.5 مليون طن مخلفات البلاستيك سنوياً

على الرغم من عدم توفر إحصائيات رسمية دقيقة حول حجم المخلفات البلاستيكية القابلة لإعادة التدوير في الجزائر، إلّا أنّ الأرقام التقريبية تشير إلى أنّ الجزائر تُنتج كمية كبيرة من النفايات البلاستيكية سنوياً. ووفقا لهذه التقديرات، فإنّ حجم هذه النفايات يقدر بـ 1.5 مليون طن سنوياً في الجزائر، وهو رقم يعكس الزيادة في الاستهلاك نتيجة للنمو السكاني والتحضر، والاستعمال الكبير للمعلبات البلاستيكية والتغليف، والتطور الملاحظ في الصناعات التحويلية.

بعض الدراسات المنجزة في هذا المجال تؤكد أنّ البلاستيك يشكل جزءاً كبيراً من النفايات الصلبة الحضرية في الجزائر، إذ يمثل ما نسبته من 10% إلى 12% من إجمالي النفايات الصلبة، ومع ذلك فإنّ معدل إعادة تدوير هذا النوع من النفايات في الجزائر ما زال منخفضاً نسبياً، إذ لا تتجاوز نسبة البلاستيك الذي يُعاد تدويره 7%، ما يعني أنّ هناك إمكانيات كبيرة غير مستغلة في هذا القطاع. 

إنتاج وتصدير الألياف

في سياق استكمال حلقات سلسلة تدوير المواد البلاستيكية، التقت "العربي الجديد" بالمدير العام لمجمع (يضم وحدات جمع النفايات البلاستيكية ومصانع إنتاج الألياف البلاستيكية)، شوقي بن دكيس، الذي تحدث عن تفاصيل جمع وتدوير البلاستيك إلى غاية الإنتاج وحتى التصدير نحو الأسواق الأجنبية.

وقال إنّ فكرة جمع وتحويل المخلفات البلاستيكية أتت من حاجة المجمّع لتغطية احتياجاته من الألياف البلاستيكية، كونها تعتبر مادة أولية ضرورية في إنتاج البطانيات والرواتب. وبالتالي، فإنّ جمع البلاستيك وتدويره يندرج ضمن سلسلة الإنتاج، فالمجمع "يرغب في تحقيق استثمار حقيقي في الجزائر، وتطوير قدراته الإنتاجية".

وفي سياق شرحه، ذكر أنّ المجمع يملك وحدة كبيرة لتدوير البلاستيك، تموّنها وحدات التجميع، موزعة على كل من ولاية وهران منطقة الأربعاء في ولاية عنابة، ومنطقة بريكة في ولاية باتنة، فضلاً عن وحدة التجميع في العاصمة، وأضافت وحدة الإنتاج في بريكة التي تتربع على مساحة قدرها 78 ألف متر مربع تشغل 400 عامل بنظام الفرق المتناوبة لضمان مواصلة العجلة الإنتاجية.

وأوضح بن دكيس أنّ مجمع الفتح يعتبر أول مصدر للألياف البلاستيكية في الجزائر وأكبر منتج في القارة الأفريقية بقدرة 75 طنا في اليوم، تحوّل مما يجمعه المجمع من 140 طناً في اليوم من المخلفات البلاستيكية، تصل من وحدات التجميع الخاصة بالمجمع، وأخرى ضمن اتفاقيات موقعة مع مراكز الردم التقنية، في العديد من المناطق على مستوى الوطن، على غرار حاسي بونيف، تقرت، الوادي، أم البواقي، والجلفة.

ويصدّر مجمع الفتح ـ حسب المتحدث ـ الألياف البلاستيكية إلى 25 بلداً حول العالم بقدرة 60 حاوية شهرياً، ما يعادل 25 ألف يورو للحاوية الواحدة، وتوجه إلى كلّ من فرنسا وبلجيكا والبرتغال وتركيا في أوروبا، فضلاً عن تونس وبنين والسنغال وموريتانيا في القارة الأفريقية، ولبنان في آسيا، ومجموعة أخرى من البلدان التي تعتبر زبائن للجزائر في هذه المادة المستعملة في العديد من القطاعات الصناعية وعلى رأسها النسيج. إلا أنّه استدرك بالقول إنّ "الأولوية لتغطية الاحتياجات المحلية وتزويد المصانع الجزائرية بهذه المادة".

الاعتماد على الجمع المقنن

قال مسؤول مجمع الفتح إنّ "وحداتنا الصناعية تعتمد بالدرجة الأولى على طرق الجمع المقنن بالتنسيق مع المراكز المتخصصة، حيث تقدّر قدرة جمع مركز الردم التقني الواحد بحوالي 30 طناً يومياً، شريطة استغلاله بالطريقة المثلى، خاصة في فترة فصل الصيف؛ إذ يرتبط ارتفاع كميات هذا النوع من النفايات البلاستيكية بالاستهلاك الكبير للمياه المعدنية والعصائر، باعتبارها من المعلبات الأكثر استعمالا".

وأضاف المتحدث، في سياق متصل، أنّه يوجد العديد من القنوات لجمع هذه المخلفات، من خلال إشراك البلديات والفنادق وكذا المؤسسات العمومية المتخصصة في جمع النفايات، من خلال تجهيز مناطق معينة كالشواطئ والحدائق العامة بصناديق مخصصة لجمع القوارير البلاستيكية، لتسهيل جمعها بعد ذلك، وهي العملية التي انطلقت في الجزائر العاصمة. 

استنزاف الثروة

على الرغم من أنّ المتحدث أكد على وجود إمكانيات يتطلب استغلالها في مجال المادة الأولية، إلّا أنه قال في سياق التحذير من أنّ كميات كبيرة منها توجّه إلى خارج الوطن عبر تصديرها من طرف بعض المتعاملين الاقتصاديين، ما وصفه بـ "استنزاف للثروة الوطنية".

وذكر أنه خلال العملية يكتفي هؤلاء المتعاملون (غالبيتهم أجانب) بفرز النفايات البلاستيكية وطحنها لإنتاج حبيبات TPE وتصديرها على هذا الشكل الذي يقترب من الخام، بينما ينبغي تثمين قيمتها عبر إنتاج الألياف المستعملة في العديد من الصناعات وقطاع النسيج في المقام الأول.

وأشار إلى أنّ مجمع "الفتح"، في المقابل، يساهم في تقليص وطأة البطالة؛ إذ يشغل في عملية التدوير الأولية 300 عامل، وحوالي 350 عاملاً في وحدات إنتاج الألياف البلاستيكية أيضاً، بصرف النظر عن مناصب العمل غير المباشرة أيضاً.

المساهمون