استمع إلى الملخص
- التحديات الإدارية والاجتماعية: استمرار تراجع الإنتاج رغم عدم وجود إضرابات يثير تساؤلات حول الإدارة. عدم تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في مناطق الإنتاج مثل قفصة ساهم في الأزمة.
- غياب الإرادة السياسية ورؤية اقتصادية متكاملة: غياب الإرادة السياسية لحل الأزمة واعتبار الشركة غير استراتيجية. الحاجة إلى رؤية اقتصادية متكاملة لتحسين البيئة والماء والتعليم والصحة في منطقة الحوض المنجمي.
في عام 1885 اكتشف الفرنسي فيليب توماس الفوسفات في تونس، وتحديدا في منطقة المتلوي بولاية قفصة جنوب غربي البلاد، وبعد 12 عاما أنشأت السلطات الاستعمارية الفرنسية شركة فوسفات قفصة. وهذه المؤسسة العمومية (حكومية) يعمل فيها 7 آلاف و412 بين عمال وكوادر، وفق إحصاء يعود لعام 2019 نشرته الشركة التي كانت تنتج ملايين الأطنان من الفوسفات. لكن حاليا تجمع أرقام رسمية وآراء نقابيين وخبراء على استمرار تراجع إنتاج الفوسفات في تونس، وذلك رغم تقلص مطالب العمال وانحسار الاحتجاجات النقابية. ومنتصف نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، أكدت وزيرة الصناعة والمناجم والطاقة فاطمة ثابت شيبوب تراجع إنتاج الفوسفات إلى أقل من 50% مما كان عليه في عام 2011.
حديث الوزيرة جاء خلال مناقشة مهمّة وزارتها، ضمن مشروع ميزانية تونس لعام 2025، في جلسة عامة مشتركة بين مجلسي نواب الشعب والجهات والأقاليم في قصر باردو. ومنتصف أغسطس/ آب الماضي، أفاد رئيس دائرة المتابعة والتوثيق بشركة فوسفات قفصة مراد السليمي، في تصريح صحافي، بإنتاج 1.8 مليون طن من الفوسفات في تونس خلال النصف الأول من 2024.
ووفق أرقام رسمية للشركة، على موقعها الإلكتروني، فإن إنتاجها في 2010 بلغ 8.1 ملايين طن، بينما تراجع في 2022 إلى 3.5 ملايين طن ونحو 2.9 مليون في 2023. وتقول الشركة في بيانات إن "انخفاض الأرقام عن عام 2011 يعود إلى الاضطرابات الاجتماعية والسياسية التي شهدتها مدن الحوض المنجمي (ولاية قفصة) بعد ثورة 14 يناير/ كانون الثاني من العام نفسه". وترى أن "هذا الوضع المتوتر أثر باستمرارية العمل في الشركة وتسبب في عدة انقطاعات، ما ولد تأثيرا سلبيا بجميع المؤشرات التجارية والفنية للشركة". وأطاحت ثورة 2011 بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي (1987-2011)؛ تحت وطأة احتجاجات شعبية تعددت بواعثها، لا سيما على المستويين الاقتصادي والاجتماعي.
هل هي مشكلة إدارة وراء تراجع الإنتاج؟
وحول أسباب تراجع إنتاج الفوسفات في تونس، قالت ريم هلال، سكرتيرة الجامعة العامة للمناجم التابعة للاتحاد العام للشغل (أكبر منظمة نقابية): "كطرف اجتماعي في شركة فوسفات لم نقم بأي إضراب وليس لنا اعتصامات حتى يتراجع الإنتاج". وأضافت ريم لوكالة الأناضول: "كطرف اجتماعي عندما كانت أم العرايس (منطقة للإنتاج بقفصة) مغلقة كنا مع المعتصمين والعمال حتى يعودوا لعملهم، والتمشي (الأمر) نفسه في الرديف (منطقة إنتاج بقفصة)، لا ذنب للعامل المنجمي في تراجع الإنتاج". وتابعت: "إذاً أنا في موقعي أعمل ولا أطالب بأي مطالب جديدة، أما وزير الطاقة والمناجم فيقول هناك تراجع، فأنا أسأل عن المسؤول (هل) هو التسيير (الإدارة) أم شيء آخر؟ نحن لا نعرف!". وتساءلت: "أنا لم أقم بأي إضراب وأعمل بالمعدات الموجودة والسلطات تتحدث عن تراجع الإنتاج لمن يعود هذا (مَن السبب)؟". ويرى خبراء وناشطون أن استمرار الأزمة يعود لعدم انعكاس إنتاج الفوسفات في الحوض المنجمي على تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في مواقع الإنتاج. وهو ما اتفقت معه ريم بقولها: "هذا صحيح.. شركة فوسفات قفصة كان يجب أن تكون منارة لقفصة كاملة وتساهم في نموها، لا أن تكون (الولاية) في الوضع المعروف اليوم بتدهور الصحة والطرقات والماء الصالح للشراب". واستطردت: "قفصة تعاني اليوم في الوقت الذي كان لا بد أن تكون في وضع أفضل، خاصة أن فيها أكبر شركة وطنية (إنتاج الفوسفات)".
غياب الإرادة السياسية لحل الأزمة
"المشكلة في الحوض المنجمي بقفصة هي دائما متعلقة بالإرادة السياسية". هكذا يرى رمضان بن عمر متحدث باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (أبرز منظمة مدنية مهتمة بالحراك الاجتماعي). وقال بن عمر إنه "لا توجد إرادة سياسية تعتبر أن قطاع الفوسفات استراتيجيا للاقتصاد في تونس". وأضاف أن "الرؤية الاستراتيجية تنطلق من تدعيم دور الشركة وتأهيلها باعتبارها مؤسسة مثل العديد من المؤسسات الأخرى كان ينخرها الفساد والمحسوبية".
وأردف: "ورغم ذلك هذه المؤسسة لم تشملها رياح التغيير، ولم يحدث تدقيق وإعادة نظر في هيكلتها وطرق تسييرها". و"كان هناك خوف سياسي من إيجاد حل، خوفا من التبعات الاجتماعية لأي حل بالقوة، وكأن السلطة السياسية فضلت تعليق شماعة الفشل الاقتصادي والاجتماعي على الفوسفات، وبالتالي ساهمت في وصم أهالي المنطقة"، حسب بن عمر.
ورأى أن "الشركة بعد فترات تعطيل صار فيها تراجع كبير على مستوى تأهيلها والآليات ووسائل العمل، وهذه التعطيلات أثرت سلبا بالعمال الذين تراجعت أجورهم بشكل كبير مقارنة بما قبل الثورة". وقال بن عمر: "هناك قطاعات أخرى تصاعدت فيها المطلبية الاجتماعية تحصلت على بعض الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بينما قطاع الفوسفات في تونس واصل التراجع، فكل مطالب العمال تجري مواجهتها بتراجع الإنتاج". وتابع: "ما يحدث حاليا هو استمرارية للأزمة، الدولة لا تريد اعتماد قانون أساسي خاص بالعمال، وهو مطلب نقابي منذ سنوات، وليست هناك مرونة لمعالجة الوضع".
رؤية اقتصادية متكاملة لرفع إنتاج الفوسفات في تونس
وحسب بن عمر، فإنه "في السنوات السابقة كانت هناك مرونة (من السلطة تجاه العمال)، بينما حاليا هناك تصلب كبير". وتساءل: "لماذا هناك نجاح منقطع النظير للإضراب الذي حدث (في 25 و26 ديسمبر/ كانون الماضي للمطالبة بزيادة الأجور)؟ ليس لأن العمل النقابي قوي، بالعكس هو في تراجع الآن، بل لأن العمال متضررون". وشدد على أن "تعطل الإنتاج لسنوات أضر بالمنح والجرايات والامتيازات التي كان يتحصل عليها العمال". واستدرك: "للأسف ليست هناك إرادة سياسية للدولة لحل أزمة الفوسفات في تونس بما ينقل القطاع من أزمة إلى منقذ للاقتصاد". وبخصوص الدعوات لتوجيه نسبة معينة من إنتاج الشركة إلى منطقة الإنتاج، قال بن عمر: "بعيدا عن الحلول التي فيها شعبوية، الحل أن تكون هناك رؤية متكاملة لإدماج المنطقة ككل في المنوال الاقتصادي التونسي".
وأضاف المتحدث باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن "المنطقة بقيت مهمّشة والصناعات الاستخراجية تخلّف أضرارا بيئية على مستوى المائدة (الموارد) المائية وغيرها". و"كأن الحلول التي تطرحها الدولة هدفها فقط ضمان إخراج الفوسفات مهما كانت التضحيات، ولا تبذل جهدا كافيا على مستوى البيئة والماء والتعليم والصحة. هذه حلول مبتورة". وختم بأن "الحلول لا يمكن أن تكون إلا في إطار رؤية متكاملة لمنوال اقتصادي جهوي ضمن منوال وطني بديل، وهذا بعيد المنال لأن المشهد السياسي الحالي لا يملك هذه الرؤية المتكاملة".
(الأناضول)