استمع إلى الملخص
- تلعب قناة بنما دورًا حيويًا في التجارة الأميركية منذ 1914، حيث تسهل مرور السفن بين المحيطين الأطلسي والهادئ، مما يقلل تكاليف الشحن ويزيد كفاءة التجارة.
- تواجه القناة تحديات مثل الجفاف وزيادة الرسوم، مما يساهم في ضغوط سلسلة التوريد والتضخم، وأكد ترامب على ضرورة ضمان تشغيلها الآمن والفعال.
هدد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، بإعادة قناة بنما إلى الولايات المتحدة. وقال أمس السبت، إن قناة بنما تفرض "أسعارًا ومعدلات مرور باهظة" على السفن البحرية والتجارية الأميركية، وطالب بتخفيض الرسوم و"إلا فيتعين على بنما إعادة القناة إلى الولايات المتحدة". ولكن ما هو الدور الذي تلعبه القناة في الاقتصاد والتجارة الأميركية؟ ولماذا حذر ترامب بهذه اللهجة القاسية؟
ويرى محللون أن ترامب يتخوف من الدور الذي تلعبه الرسوم في ارتفاع معدل التضخم الأميركي، ثم في تراجع الاحتياط الفيدرالي عن خفض معدلات الفائدة، مما يكون له انعكاس سلبي مباشر على النمو الاقتصادي الأميركي، وكذلك الدور الذي تلعبه في ارتفاع أسعار الصادرات الأميركية، وتبعاً لذلك تقلّ تنافسية البضائع الأميركية التي يعول عليها الرئيس المنتخب في خفض العجز التجاري الأميركي مع دول العالم.
وقناة بنما هي ممر مائي يصل ما بين المحيطين الأطلسي والهادئ. وتُعد القناة من أعظم الإنجازات الهندسية في العالم. وعملت القناة بعد الانتهاء من شقها على تقصير مسافة رحلة السفن ما بين مدينة نيويورك وسان فرانسيسكو إلى أقل من 8.370 ألف كم. وكانت قناة بنما، التي أنشأتها الولايات المتحدة في عام 1914، قد أعيدت إلى السيطرة البنمية بموجب معاهدة وقّعها الرئيس الأميركي جيمي كارتر عام 1977، وانتقلت إدارة القناة بالكامل إلى بنما، الواقعة في أميركا الوسطى، عام 1999.
وقال مصرف مورغان ستانلي الاستثماري الأميركي، يوم الجمعة، إن شحنات السلع لها تأثير مباشر على سلاسل التوريد العالمية، والولايات المتحدة هي أكبر عميل للقناة، فهي مسؤولة عن حوالي ثلاثة أرباع البضائع التي تمر عبر القناة كل عام. لكن الجفاف الذي طال أمده أعاق قدرة القناة على نقل السفن بين المحيطين الأطلسي والهادئ. وقال مدير المجلس الاقتصادي الوطني الأميركي ليل برينارد، الأسبوع الماضي، إن الاضطرابات ساهمت في ضغوط سلسلة التوريد التي أدت إلى زيادة التضخم، وفق بلومبيرغ.
من جانبه، قال جي بي مورغان تشيس، في تعليق في 10 ديسمبر الجاري، إن زيادة رسوم المرور في قناة بنما يمكن أن تؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع المستوردة في الولايات المتحدة، مما يؤثر على معدلات التضخم. وعلى الصعيد الجيوسياسي، يتخوف ترامب من تطور الاستثمارات الصينية في القناة، مما يسمح بمرور السفن الحربية. ويضع الرئيس المنتخب ترامب الصين في دائرة العدو الأول، وينوي ضربها تجارياً عبر التعريفات الجمركية المرتفعة.
الدور التاريخي
لعبت قناة بنما دوراً محورياً في تسهيل التجارة للولايات المتحدة منذ افتتاحها في عام 1914. ومن خلال توفير طريق مختصر بين المحيطين الأطلسي والهادئ، خفضت بشكل كبير وقت سفر السفن، مما أدى بدوره إلى خفض تكاليف الشحن وزيادة كفاءة التجارة. وجرى افتتاح قناة بنما رسميًّا في 15 أغسطس 1914.
وقبل بنائها، كان على السفن المسافرة بين السواحل الشرقية والغربية للولايات المتحدة الإبحار حول أميركا الجنوبية عبر مضيق ماجلان الغادر، الأمر الذي قد يستغرق أسابيع. وقد اختصرت القناة هذه الرحلة كثيرًا إلى بضع ساعات فقط، مما سمح بحركة أكثر كفاءة للبضائع. وجرى تخفيض تكاليف الشحن كثيرًا بسبب تشغيل القناة. وعلى سبيل المثال، قبل افتتاح القناة، كانت الرحلة من نيويورك إلى سان فرانسيسكو قد تكلف حوالي 1200 دولار لكل سفينة؛ وبعد افتتاح القناة انخفضت هذه التكلفة إلى حوالي 450 دولارًا. بالإضافة إلى ذلك، انخفضت مدة العبور من حوالي 30 يومًا إلى 8-10 ساعات فقط عبر القناة.
أهمية قناة بنما لأميركا
من حيث حجم التجارة، توضح بيانات السنوات الأخيرة أهمية القناة للولايات المتحدة. في عام 2019، حدث ما يقرب من 12 ألف عملية عبور عبر قناة بنما، وبلغ إجمالي حمولة البضائع المارة حوالي 300 مليون طن، وتمثل البضائع المنقولة بالحاويات جزءًا كبيرًا. وبحلول عام 2020، على الرغم من التحديات التي تفرضها الأحداث العالمية مثل كوفيد-19، عبرت حوالي 11 ألف سفينة عبر القناة تحمل ما يقرب من 280 مليون طن من البضائع.
ويمتد التأثير الاقتصادي لقناة بنما إلى ما هو أبعد من فوائد الشحن المباشرة، حيث يستفيد الاقتصاد الأميركي من انخفاض تكاليف النقل للواردات. وفي عام 2016، تشير التقديرات إلى أن البضائع المتجهة إلى الولايات المتحدة التي تمر عبر القناة قد حققت وفورات تزيد عن مليار دولار سنويًّا بسبب انخفاض أوقات الشحن وتكاليفه. ووفق وكالة بلومبيرغ، سمح مشروع التوسعة الذي اكتمل في عام 2016، والمعروف باسم مشروع المجموعة الثالثة من الأقفال، للسفن الأكبر حجمًا (نيو باناماكس) بالعبور. وقد أدى هذا التوسع إلى زيادة القدرة والكفاءة. ويمر ما يقرب من 14% من التجارة الدولية للولايات المتحدة من حيث القيمة عبر هذا الممر المائي، مما يسلط الضوء على أهميته المستمرة.
وأشار ترامب إلى أن القناة "معرضة لخطر الوقوع في الأيدي الخطأ"، قائلًا إنه ليس من اختصاص الصين إدارة القناة. والصين هي ثاني أكبر عميل للقناة. وتسيطر شركة صينية مقرها في هونغ كونغ على اثنين من الموانئ الخمسة المجاورة للقناة، واحد على كل جانب. وكتب ترامب على منصته "تروث سوشال": "يجري التعامل مع قواتنا البحرية وتجارتنا بطريقة غير عادلة (...) الرسوم التي تفرضها بنما سخيفة".
وأضاف: "هذا النهب لبلدنا سيتوقف فوراً". وتابع ترامب أن "إدارة القناة تركت لبنما وحدها، وليس للصين أو لأي جهة أخرى. لم ولن ندعها تقع في الأيدي الخطأ أبداً!". وقال إنه إذا كان ليس بإمكان بنما ضمان "التشغيل الآمن والفعال والموثوق" للقناة، "فسنطالب بإعادة قناة بنما إلينا بالكامل". ولم ترد السلطات في بنما على الفور على منشور ترامب.