قالت صحيفة "وول ستريت جورنال" إن شركة "بيبسكو"، المصنعة لمشروب المياه الغازية "بيبسي"، ورقائق البطاطس "ليز"، تخطط لخفض مئات الوظائف في مقرها الرئيسي في أميركا الشمالية، في أحدث إشارة إلى توقعات تباطؤ الاقتصاد الأميركي، بعد عام رفع فيه بنك الاحتياط الفيدرالي معدلات الفائدة بأسرع وتيرة تشهدها البلاد منذ مطلع الثمانينيات في القرن الماضي.
واتجه البنك المركزي الأكبر في العالم إلى رفع معدلات الفائدة على هذا النحو، في محاولة لكبح جماح أعلى معدل تضخم تشهده البلاد في أكثر من أربعين عاماً، حيث يكون تراجع الاستهلاك عادة من أهم نتائج رفع الفائدة، لكن حتى هذه اللحظة، ظل سوق الوظائف الأميركية قوياً، وتركزت أغلب عمليات التسريح في قطاعي التكنولوجيا والإعلام.
وأعلنت شركات "أمازون"، و"اتش بي"، و"ميتا" (فيسبوك)، وغيرها من عمالقة شركات التكنولوجيا تخفيضات كبيرة في الوظائف، بعد التوسع الكبير ابتداءً من الربع الأخير من عام 2020، مع إعادة فتح الاقتصاد. كذلك أعلنت شركة شبكات "إيه أم سي" وضع خطط لخفض الوظائف على نطاق واسع الأسبوع الماضي، حيث تكافح أنشطة البث الخاصة بها للتنافس مع شركتي "نتفليكس" و"ديزني".
وفي الوقت نفسه، لا يزال الاقتصاد الأميركي يعاني بشكل عام من نقص في العمالة، وأظهر تقرير وزارة العمل يوم الجمعة الماضي أن المعروض من العمالة لا يزال أقل من مستويات ما قبل الوباء.
ويرى بعض المحللين أنّ هذا الأمر يُعَدّ إشارة إلى بنك الاحتياط الفيدرالي بأن تكاليف الاقتراض يجب أن تستمر في الارتفاع، حتى يمكن السيطرة على التضخم.
ووفقاً لصحيفة "وول ستريت جورنال"، ستخفض شركة "بيبسكو" الوظائف في مكاتبها في ولاية نيويورك، وفي أعمال الوجبات الخفيفة والأطعمة المعلبة في أميركا الشمالية، وفي مقرها في ولايتي شيكاغو وتكساس.
وسيفقد جانب المشروبات الأشهر المزيد من تخفيض الوظائف، لأن جانب الوجبات الخفيفة خفض قوته العاملة من خلال برنامج التقاعد الطوعي، وفقاً للصحيفة الأميركية.
وفي نهاية العام الماضي، وظفت شركة "بيبسكو" حوالى 309 آلاف عامل في مختلف بلدان العالم، وكان نحو 129 ألفاً منهم في الولايات المتحدة. لكنّ مسؤولين تنفيذيين قالوا في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي إنهم سيبدأون "خفض التكاليف، للحفاظ على هوامش الربح، بعد تسارع التضخم إلى أسرع وتيرة في أربعة عقود هذا العام".
والشهر الماضي، أعلنت شركة "دورداش"، المتخصصة بتوصيل الوجبات الغذائية، الاستغناء عن 6% من العمالة لديها، رغم ازدهار هذه النوعية من الشركات، وتوسعها في التعيينات، خلال العامين الماضيين.
وتشير تحركات "بيبسكو" و"دورداش" لخفض العمالة إلى تغير هام في سوق العمل الأميركي شديد الاشتعال، حيث توضح بدء تسلل التسريحات إلى قطاعات كان يفترض أنها قادرة على التصدي لتباطؤ الاقتصاد.
وفي أكثر من مناسبة، أكد جيروم باول، رئيس البنك الفيدرالي، أنّ أكبر عقبة أمام نجاحه ورفاقه في كبح جماح التضخم يمكن تلخيصها في مشكلة الأرقام: "ببساطة لا يوجد عدد كافٍ من العمال في الولايات المتحدة، ويحتاج العرض والطلب على العمالة إلى العودة إلى التوازن لاحتواء نمو الأجور وتضخم الخدمات، الآخذين في الارتفاع".
ورغم التوظيفات التي جرت خلال العامين الماضيين، لا يزال المعروض من العمالة يأبى الوصول إلى مستويات ما قبل الوباء، بل يستمر في الانكماش، حسبما أظهر تقرير وزارة العمل لشهر نوفمبر/ تشرين الثاني يوم الجمعة الماضي.
وانخفضت نسبة الأشخاص الذين يعملون أو يبحثون عن وظيفة في كل من الأشهر الثلاثة الماضية، وعاد الحجم الإجمالي للقوى العاملة إلى ما دون المستوى الذي كان عليه في فبراير/ شباط 2020، على الرغم من النمو السكاني والاقتصادي منذ ذلك الحين.
وتقول التقارير الحكومية إن ما يقرب من 200 ألف شخص غادروا القوى العاملة الأميركية في نوفمبر/تشرين الثاني وحده.
واعتبرت ميغان كاسيللا، المحللة الاقتصادية السابقة في وكالة "رويترز"، أن الخطر يكمن في ارتفاع معدل الفائدة على الأموال الفيدرالية أعلى من 5٪ المتوقعة حالياً، مضيفةً أن هذا "هو ما يدفع الشركات حالياً إلى تسريح العمال على نطاق أوسع، ومن ثم يزيد من فرص حدوث ركود أعمق".
ورغم أن قوة سوق العمل كانت تاريخياً تدعم ازدهار الاقتصاد، إلا أن حرص البنك الفيدرالي على خفض مستويات التضخم يجعله غير مرحب بزيادات الوظائف والأجور.
وكانت إضافة 263 ألف وظيفة للشركات الأميركية الشهر الماضي أكبر بكثير مما يطلبه البنك، الذي قال رئيسه قبل أسبوعين إن التضخم لن يعود إلى مستوياته المنشودة قبل تهدئة سوق العمل.
وتقول كاسيللا، في مقال حديث نشرته صحيفة "بارونز"، إن "الضعف في سوق العمل يعد خطوة ضرورية لاستعادة استقرار الأسعار، بغض النظر عن المدة التي يستغرقها تحقيقه. وستزداد الأضرار الجانبية التي تلحق بالاقتصاد سوءاً، كلما استغرق الأمر وقتاً أطول لتصدع سوق العمل".
بدورها، أكدت ديان سوونك، كبيرة الاقتصاديين في KPMG أنها بدأت تدرك صعوبة المدى الذي يتعين أن يذهب إليه البنك الفيدرالي في الضغط على الفرامل، مضيفة أن "هذا يزيد من خطر سقوطك من خلال الجليد اللزج".