تصوّر مبكر لما يمكن أن تفعله حكومة عمّالية لإنقاذ اقتصاد بريطانيا

31 مايو 2024
زعيم حزب العمال كير ستارمر، 29 مايو 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- بريطانيا تواجه أزمة اقتصادية قبل الانتخابات، مع تقدم حزب العمال الذي يقدم خطة لإنقاذ الاقتصاد تشمل الاستقرار السياسي وتحفيز الاستثمار.
- التحديات الاقتصادية تشمل ضعف النمو، ارتفاع التضخم، وزيادة الدين العام، مع تأثير سلبي لبريكست والتوترات الجيوسياسية على الاستثمار الخارجي.
- حزب العمال يعد بدعم العمال والأعمال مع تأييد من قادة المال والأعمال، مع خطة ريفز للاستقرار الاقتصادي دون زيادة الضرائب بشكل كبير وتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص.

في الوقت الذي تشتد معاناة اقتصاد بريطانيا يوماً بعد آخر، تدخل البلاد انتخاباتها المقبلة في الرابع من يوليو / تموز، وهي تعاني من أزمة اقتصادية عميقة، ووسط رهان على فوز حزب العمال بالانتخابات وتشكيل الحكومة الجديدة على أمل إصلاح حال الاقتصاد. ومنذ الميزانية المصغرة التي قدمتها رئيسة الوزراء السابقة، ليز تراس، في أكتوبر/ تشرين الأول العام 2022، خسر حزب المحافظين الرأي العام البريطاني لصالح حزب العمال المعارض الذي حظي بتقدم كبير في استطلاعات الرأي.

لكن على الرغم من ذلك ظلت رؤية حزب العمال تجاه اقتصاد بريطانيا غامضة وغير محددة وفق مراقبين. وعادة لا تثق الأسواق وحي المال في الحكومات العمالية التي ترى أنها تلجأ للحلول "الاشتراكية" لمعالجة الأزمات المالية عبر فرض الضرائب خصوصاً. وفي المقابل، يرى محللون أن رؤية حزب العمال في ما يتعلق بأزمة اقتصاد بريطانيا بدأت تتضح في خطاب ألقته وزيرة خزانة الظل راشيل ريفز، أمام أعضاء القطاع المالي في بريطانيا بمنتصف مارس/آذار الماضي، حيث حددت راشيل الخطوط العريضة لخطة اقتصادية واسعة النطاق لإنقاذ الاقتصاد البريطاني.

وقالت في خطابها الذي نقلته وسائل الإعلام البريطانية، إن اقتصاد بريطانيا يحتاج إلى نموذج جديد للإدارة الاقتصادية يسترشد بثلاث ضرورات أساسية وهي: الاستقرار السياسي وتحفيز الاستثمار من خلال الشراكة مع قطاع الأعمال والإصلاحات التي ستطلق العنان لزيادة الإنتاجية. وترى راشيل أن الموضوع الرئيسي الذي ينبغي التركيز عليه، هو أنه في غياب النمو المشترك على نطاق واسع، فإن الديمقراطية ذاتها قد تصبح في خطر ببريطانيا.

ويوم الثلاثاء الماضي، تعهّد حزب العمال البريطاني المعارض بأن يدعم العمال والأعمال التجارية على حد سواء بعدما حظي بتأييد 120 من كبار الشخصيات في عالم المال والأعمال في وقت يحاول الإطاحة بالمحافظين في الانتخابات العامة المقبلة. وفي خطاب ألقته في معمل لرولز رويس في وسط إنكلترا، شددت راشيل ريفز التي يتوقع بأن تُعيّن وزيرة للمالية حال فوز حزب العمال في انتخابات الرابع من تموز/يوليو إن حزبها بات الحزب الطبيعي للأعمال التجارية.

وجاء خطابها بعد ساعات على إعلان ائتلاف يضم 120 رئيسا تنفيذيا وغير ذلك من كبرى الشخصيات في عالم المال والأعمال دعمه لحزب العمال في رسالة مشتركة، مشيراً إلى أن "الوقت حان من أجل التغيير". وتقليدياً، يحظى حزب المحافظين الذي يتولى السلطة منذ 14 عاما بثقة مجتمع المال والأعمال البريطاني، لكن هذه السمعة تأثّرت سلبا بعد بريكست واندلاع حرب أوكرانيا حيث واكبها تضخم مرتفع دفع البنك المركزي البريطاني لرفع سعر الفائدة عدة مرات. كما تواجه البلاد تباطؤاً في نمو اقتصاد بريطانيا وتدهوراً في مستوى المعيشة يجعلها في ذيل قائمة الدول المماثلة في مجموعتي السبع والعشرين في العديد من المؤشرات.

من جانبه يرى الخبير الاقتصادي البريطاني والأستاذ بجامعة أوكسفورد، تيجفان بيتنجر، أن الاقتصاد البريطاني يواجه أربع عقبات رئيسية، وهي ضعف النمو الاقتصادي وارتفاع معدل التضخم، الذي يعد حالياً الأعلى بين دول منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي وكذلك الأعلى في بريطانيا منذ عقد السبعينات. وارتفع التضخم بسبب غلاء فاتورة الطاقة في أعقاب الحرب الأوكرانية التي اشتعلت في نهاية فبراير 2022 وما تلاها من الحظر على النفط والغاز الطبيعي الروسي.

أما العامل الثالث فهو زيادة الدين العام المترتب على عاتق اقتصاد بريطانيا وارتفاع خدمته الذي يؤثر على ارتفاع العجز في الميزانية. وحسب مكتب الميزانية البريطاني، بلغ صافي الدين السيادي البريطاني، أي صافي ديون القطاع العام باستثناء بنك إنكلترا المركزي، 2.448.3 تريليون جنيه إسترليني في نهاية مارس/ آذار الماضي، أي ما يعادل 89.4% من إجمالي الناتج المحلي البريطاني.

يذكر أن الاستثمار الخارجي في بريطانيا تراجع بشدة في بريطانيا بسبب خروج الاستثمارات الروسية وتراجع الاستثمارات الخليجية بسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الذي يعرف بـ"بريكست"، وكذلك هروب الرساميل الأوروبية والشركات من البورصة البريطانية وحي المال البريطاني خوفاً من عقوبات بروكسل.

وترى وزيرة خزانة الظل راشيل أن الاستثمار العام في الاقتصاد البريطاني سيكون مقيداً بشدة حتى لا يتفاقم العجز في الميزانية، كما قالت إن الحكومة العمالية في حال فوزها ستؤسس لمجموعة من المؤسسات الجديدة، من بينها مجلس بريطاني جديد للبنية التحتية، ومجلس الإستراتيجية الصناعية، وصندوق الثروة الوطني، وشركة الطاقة البريطانية الكبرى التي ستكون مملوكة للدولة. كما أن لدى حزب العمال أفكارا جديدة لدمج صناديق التقاعد ذات المساهمات المحددة المجزأة في المملكة المتحدة في صندوق واحد.

وتقول مسؤولة المال العمالية، إن الخطوة الأولى التي يستخذها حزب العمال للتغيير في الاقتصاد، هي تحقيق الاستقرار الاقتصادي من خلال قواعد الإنفاق الصارمة، حتى يتمكن من تنمية الاقتصاد وخفض الضرائب والتضخم والقروض العقارية. وترهق القروض العقارية المواطن البريطاني بسبب ارتفاع معدل الفائدة المصرفية التي تفاقم الأقساط التي يدفعها أصحاب الأملاك العقارية.

ووفق تحليل بدورية " كونفرسيشن" الإلكترونية، تشير الكثير من الأدلة بالفعل إلى أن التقلبات في مرحلة ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كان لها تأثير سلبي كبير على الاستثمار في المملكة المتحدة. ولكن لا يمكن إرجاع كل المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها بريطانيا إلى الصراع الداخلي على السلطة داخل حزب المحافظين. إذ أن هنالك عوامل أخرى إلى جانب صراعات "بريكست" داخل حزب المحافظين التي أدت إلى تغيير ثلاث حكومات منذ خروج بريطانيا من عضوية الاتحاد الأوروبي.

من بين هذه العوامل الخارجية، تداعيات عدم الاستقرار الجيوسياسي على الاقتصاد البريطاني مثل صعود الصين، والغزو الروسي لأوكرانيا، والحرب الإسرائيلية على غزة، وأزمة المناخ المتفاقمة، وكلها عوامل ساهمت بالاضطراب الاقتصادي في بريطانيا ورفعت من كلفة المعيشة للأسر البريطانية.

وحول الضرائب التي ترعب الأثرياء وشركات حي المال بلندن، تقول ريفز، إن حزب العمال لن يزيد الضرائب، ولكنه سيجري بعض التغييرات الطفيفة نسبياً، مثل فرض ضريبة القيمة المضافة على رسوم المدارس الخاصة، كما قالت إن الحزب لن يزيد مستويات الاقتراض الحكومي، ولكنها تعتبر أن الاقتراض في حال فوز الحزب بالحكم سيكون فقط من أجل الاستثمار في الاقتصاد البريطاني. ويرى محللون أن استراتيجية حزب العمال ستعتمد بشكل كبير على التغلب على مشاكل التنسيق مع القطاع الخاص وإقناع الشركات بالاستثمار بشكل مشترك في القطاعات الحيوية مثل التقنية.

ويقول محللون أن هنالك بلدانا مثل تايوان وكوريا الجنوبية باعتبارها نماذج لهذا النهج الاستثماري، إذ إن توجيه الاستثمار التجاري إلى قطاعات التكنولوجيا الفائقة التي تتمتع بإمكانيات تصديرية كبيرة، يمكن أن يساهم في تنمية الصادرات وخلق فرص جديدة للتوظيف ذي الأجور المرتفعة. وإذا كان تحليل ريفز صحيحاً، فإن اقتصاد الأوراق المالية سوف يدفع تكاليفه في نهاية المطاف ويرتفع دخل الضرائب. وبالتالي فإن الاقتصاد سيكون أكثر مرونة وينمو بسرعة أكبر، ويوفر المزيد من الإيرادات الضريبية للاستثمار في الاستراتيجية الصناعية والخدمات العامة.

ونما الاقتصاد البريطاني بوتيرة أعلى من المتوقعة خلال الربع الأول من 2024، بعد انزلاقه نحو الركود في النصف الأخير من العام الماضي. وأظهرت بيانات صدرت عن مكتب الإحصاءات الوطني، نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للمملكة المتحدة بنسبة 0.6% على أساس فصلي في الربع الأول، بعد انكماشه بنسبة 0.3% و0.1% في الربعين الثالث والرابع من عام 2023. وفي وقت سابق حذر صندوق النقد الدولي الحكومة البريطانية من أنها في حاجة إلى توفير ما يصل إلى 30 مليار جنيه إسترليني كي تتمكن من بدء تقليص فجوة العجز في الموازنة، في وقت تضطر فيه الحكومة للاقتراض بكثافة لضبط حسابها الجاري.

المساهمون