استمع إلى الملخص
- إغلاق المعبر الحدودي برأس جدير يضيف ضغوطاً على الحياة الاقتصادية والاجتماعية، مع غموض حول موعد إعادة تشغيله، مما يؤثر سلباً على التجارة والعلاقات بين تونس وليبيا.
- غياب المنطقة الحرة وإغلاق المعبر يؤثران على الاقتصاد والاستقرار الاجتماعي، مع تأكيد الخبراء على أهمية المشروع لتعزيز الموقع الاقتصادي والاجتماعي لتونس وليبيا.
ما زال مشروع المنطقة الحرة للتجارة في مدينة بنقردان التونسية بالقرب من الحدود الليبية متعثرة، في الوقت الذي يغلق فيه المعبر الحدودي برأس جدير منذ شهور.
وتتوالى الوعود الرسمية من الجانبين التونسي والليبي بالتسريع في فتح المعبر الحدودي برأس جدير بعد أشهر من الغلق الذي ألحق ضرراً بشبكات التجارة الرسمية وغير الرسمية جنوب تونس وسط دفع إلى احتواء التدفق التجاري بين البلدين داخل أطر رسمية تحد من ارتدادات أزمة تواتر غلق المعبر على البلدين.
وكانت تونس، أعلنت في العام 2012، إنشاء منطقة للتجارة الحرة والخدمات اللوجستية في بنقردان بالقرب من الحدود الليبية، بهدف تطوير المناطق الحدودية المهمّشة في جنوب شرق البلاد وإضفاء الطابع الرسمي على نشاط المتعاملين الاقتصاديين الذين ينشطون في أطر غير رسمية.
لكن خطة الاحتواء التجاري لا تزال متعثرة بعد ما يزيد عن عقد من الزمن، حيث لم يتجاوز المشروع خطواته الأولى نتيجة الأزمات السياسية في البلدين الجارتين، والعجز عن استغلال التنافس الجيوسياسي الدولي لمصلحة تونس.
ويمثل الخط التجاري الرابط بين تونس وليبيا شرياناً حيوياً للمناطق الحدودية التي يعيش الآلاف من سكانها من التجارة البينية بشكل غير رسمي، ما يجعل من غلق المعبر خنقاً لمصادر قوت التجار والمتعاملين الاقتصاديين.
وفي مارس/ أذار الماضي أغلقت السلطات الأمنية بطرابلس المعبر وأرجعت ذلك إلى "هجوم مجموعات خارجة عن القانون" عليه، بقصد "إثارة الفوضى وإرباك العمل"، لكنها توصلت بعد ذلك إلى تفاهمات أمنية مهدت إلى قرب إعادة تشغيله من دون تحديد موعد ذلك رسمياً.
غياب المنطقة الحرة
ويقول رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان مصطفى عبد الكبير، إن الحياة الاقتصادية والاجتماعية في محافظات جنوب تونس الحدودية ومحافظات الغرب الليبي ستستمر تحت تأثير الغلق المتواتر لمعبر رأس جدير في غياب مقومات حقيقية لإنشاء مشروع المنطقة اللوجستية الحرة.
وأكد عبد الكبير في تصريح لـ"العربي الجديد" غياب أي بوادر لاستكمال مشروع المنطقة الحرة في غياب التمويلات اللازمة والإرادة السياسية للبلدين، فضلاً عن تحوّل المنطقة الحدودية إلى منطقة نزاع بين مصالح العديد من الدول.
ورجّح المتحدث أن تستمر تأثيرات غياب حلول اقتصادية للمناطق الحدودية لسنوات أخرى مشيراً إلى أن أطرافاً دولية أصبحت هي الحاكم الفعلي لمعبر رأس جدير الذي يمثل نقطة ربط دولية مهمة للسلع القادمة من آسيا مروراً بشمال أفريقيا ثم أوروبا.
وقال: "مع غلق المعبر وغياب حلول اقتصادية للمناطق الحدودية تبقى المنطقة على رمال متحركة وتؤبد الهشاشة الاجتماعية نتيجة التعويل الكبير على التجارة غير الرسمية لتوفير مواطن رزق للمواطنين هناك."
ويبعد المعبر نحو 60 كيلومتراً عن مدينة زوارة بغرب ليبيا، و175 كيلومتراً عن طرابلس العاصمة، بينما يبعد قرابة 32 كيلومتراً عن مدينة بنقردان التونسية، وتعبر منه مئات الشاحنات وآلاف المواطنين يومياً.
ويضيف عبد الكبير: "لطالما اعتمدت المنطقة الحدودية التونسية الليبية على التجارة غير الرسمية العابرة للحدود غير أن النظامين التونسي والليبي تفطنا منذ عام 2009 إلى أهمية احتواء التجارة غير الرسمية في المنطقة عبر إنشاء منطقة لوجستية حرة، غير أن الثورة في البلدين أحبطت المشروع."
ويرى رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان أن كل الحكومات التي تعاقبت على تونس ما بعد ثورة جانفي/ يناير 2011 فشلت في إيجاد حلول اجتماعية واقتصادية للمنطقة الحدودية الجنوبية ما يجعل السكان المحليين في مواجهة مباشرة لتداعيات غلق المعبر، وفق قوله.
وصدرت دراسة عن مركز مالكوم كارنغي للشرق الأوسط صدرت في مايو/ أيار الماضي تحت عنوان "التقاعس الخطر: تونس لم تعد تحتمل أي تأخير في إنجاز منطقة التجارة الحرة الحدودية".
ويرى معد الدراسة الباحث حمزة المؤدب أن منطقة التجارة الحرة يمكن أن تعزز موقع تونس ضمن بيئة إقليمية وعالمية تنافسية، غير أن تأخر المشروع يؤدي إلى فشل في التموقع ضمن هذا الفضاء وتفاقم الصعوبات الاقتصادية للبلاد.
وقال المؤدب في تصريح لـ"العربي الجديد" إن لعامل الوقت أهمية جوهرية، مؤكداً أن تقدم بعض المدن في غرب ليبيا في تنفيذ مشاريع مماثلة، قد يُفقد مشروع بنقردان أهميته على المدى القريب.
وتعتمد منطقة الحدود التونسية الليبية على التجارة غير الرسمية عبر الحدود، حيث تتسامح السلطات منذ أكثر من عقدين من الزمن في عبور السلع المهربة بين البلدين بغاية تعزيز الاستقرار الاجتماعي في منطقة فقيرة.
وتعتبر ليبيا من أهم شركاء تونس اقتصادياً، إذ كانت أول شريك تجاري على الصعيد المغاربي والعربي والخامسة على المستوى الدولي، وبلغت نسبة التبادل بينهما نحو ملياري دولار قبل ثورة 17 فبراير/ شباط. ولا تزال تونس وجهة أساسية لليبيين للسياحة والعلاج، وكان يتوافد إلى تونس قبل جائحة كورونا نحو 1.5 مليون مواطن ليبي سنوياً.
وتمثل السوق الليبية أهم سوق تصديرية لمنتجات الزراعة التونسية، حيث تستأثر بنحو 60% من منتجات الفواكه الفصلية، وتعيش نحو 3 آلاف عائلة تونسية من التجارة البينية، إضافة إلى مئات المؤسسات التي تشتغل في التصدير نحو السوق الليبية.
ويقول الخبير الاقتصادي خالد النوري إن تعثر فتح معبر رأس جدير منذ مدة يطرح عدة إشكاليات اقتصادية واجتماعية لا تهم منطقة بن قردان وولايات الجنوب فحسب، بل تشمل مستوى التبادل بين تونس وليبيا وعدد من الدول المجاورة.
وقال النوري في تصريح لـ"العربي الجديد": مشروع المنطقة الحرة بمدينة بن قردان يمكن أن يشكل حلّاً لانسيابية السلع وبوابة لكل من تونس وليبيا لدفع المبادلات التجارية والاقتصادية مع دول أفريقيا جنوب الصحراء وقسم من بلدان شمال أفريقيا، عامة.