يتأهب مجلس النواب المصري لفتح ملف تعديل قانون الإيجارات القديمة، بعد سنوات من الإرجاء خشية الغضب الشعبي نتيجة معاناة المواطنين من ظروف معيشية صعبة إثر انخفاض قيمة الجنيه بنسبة 60% تقريباً منذ قرار تحرير سعر الصرف عام 2016، وما صاحب ذلك من ارتفاع كبير في أسعار العقارات، وبيع وإيجار الوحدات السكنية، فيما يمس القانون أوضاع قرابة 9 ملايين مستأجر، بخلاف أسرهم.
ومهدت الحكومة لإجراء تعديلات موسعة تطاول المستأجرين الأشخاص بموافقتها، يوم الأربعاء الماضي، على أول تعديل للقانون يقضي بإخلاء الأماكن غير السكنية المؤجرة للأشخاص الاعتباريين (الشركات والمؤسسات)، خلال مدة لا تتجاوز 5 سنوات، ورفع القيمة الإيجارية إلى 5 أمثال القيمة القانونية السارية حالياً، بالإضافة إلى زيادتها سنوياً بنسبة 15%، وإلزام المستأجر بإخلاء المكان المؤجر ورده إلى المالك أو المؤجر (بحسب الأحوال)، في اليوم التالي لانتهاء هذه المدة.
وقال مصدر برلماني مطلع لـ"العربي الجديد"، إن موافقة مجلس الوزراء أخيراً على تعديل القانون ستفتح الباب لمناقشات موسعة حول مواده بمجرد إرساله رسمياً إلى مجلس النواب، بحيث يمتد التعديل ليشمل الأماكن المؤجرة بغرض السكن، من خلال تحرير عقد الإيجار بين المالك والمستأجر خلال مدة زمنية محددة، وإقرار زيادة سنوية دورية على قيمة الإيجار لحين انتهاء المدة.
وأضاف المصدر، وهو عضو بارز في لجنة الإسكان بمجلس النواب، أن الوحدات السكنية الخاضعة لأحكام قانون الإيجارات القديمة ليست ملكاً للمستأجر حتى تستمر لسنوات طويلة في حيازته، ثم يورثها إلى الزوجة ومنها إلى الابن أو الابنة بعد الزواج، في حال استمرار المعيشة والإقامة فيها، مقابل قيمة إيجارية لا تتجاوز جنيهات معدودة شهرياً، بما لا يتناسب مع المعدلات المرتفعة للتضخم والأسعار التي شهدتها البلاد خلال السنوات الأخيرة.
تتركز أغلب الإيجارات القديمة في محافظات إقليم القاهرة الكبرى (القاهرة والجيزة والقليوبية)، وبعض محافظات الدلتا شمال العاصمة
وأشار إلى أنه حان الوقت لإجراء تعديلات موسعة على أحكام القانون، لا سيما أن رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي تحدث عن هذا الموضوع صراحة قبل نحو 3 أشهر، بقوله إن الوحدات في مناطق وسط القاهرة لا يزيد إيجارها الشهري عن 20 جنيهاً، بينما تصل قيمتها إلى ملايين الجنيهات، و"إذا كان من حق المستأجر أن يعيش فيها، هو وأولاده، فمن حق مالكها أيضاً أن يستمتع بقيمتها".
وتابع المصدر أن حديث الرئيس عن قانون الإيجارات القديمة، وما تلاه من إدخال الحكومة تعديلات على القانون يستلزم تحرك البرلمان في هذا الملف، وتقديم النواب لمقترحاتهم بشأن المزيد من التعديلات على القانون، شرط مراعاة حقوق كل من المالك والمستأجر في ضوء الأوضاع الاقتصادية الراهنة، وعدم الانحياز لطرف على حساب آخر.
وقال إن إخلاء الأماكن المؤجرة للأشخاص الطبيعيين لغرض السكن يستوجب تشكيل لجان في المحافظات، لدراسة الحالات المختلفة للمستأجرين، واقتطاع الحكومة أموالاً من عوائد التصالح في مخالفات البناء، بهدف تعويض المستأجرين المضارين الذين يثبت عدم امتلاكهم لأماكن سكنية بديلة، فضلاً عن منحهم الأولوية في الحصول على وحدات ضمن مشروعات الدولة للإسكان الاجتماعي.
ورغم تقدم أكثر من 100 نائب بتعديلات موسعة على قانون الإيجارات في عام 2016، إلا أن البرلمان السابق نأى بنفسه عن التعرض لهذه الأزمة، خوفاً من النواب على شعبيتهم في الشارع، نظراً لأن شريحة المستأجرين هي الأكثر عدداً، وهي المعرضة بصورة أكبر للضرر في حال سحب الوحدات السكنية منهم بعد مرور مدة زمنية، لن تتجاوز 7 سنوات في أفضل الأحوال، من دون توفير بدائل لهم.
وبينما تتركز أغلب الإيجارات القديمة في محافظات إقليم القاهرة الكبرى (القاهرة والجيزة والقليوبية)، وبعض محافظات الدلتا من دون الصعيد، نص القانون - الذي يعود إلى عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر - على "عدم انتهاء عقد الإيجار بوفاة المستأجر، أو تركه العين المؤجرة، إذا بقي فيها زوجه (الزوج أو الزوجة) أو أولاده، أو أي من والديه الذين كانوا يقيمون معه حتى الوفاة أو الترك".
في المقابل، هناك وجهة نظر مؤيدة لحق الملاك في الحصول على إيجارات تقترب من الواقع بعد سنوات طويلة من الإجحاف بفعل تمسك المستأجرين، وغالبيتهم من الورثة، بعدم ترك العين المؤجرة ودفع جنيهات معدودة في معظم الحالات.
واعتبر مصدر قيادي في الحزب المصري الديمقراطي، الذي يملك 7 مقاعد في البرلمان، في تصريحات سابقة لـ"العربي الجديد"، أن تعديل قانون الإيجارات "يضرب استقرار المجتمع في الوقت الراهن، لأن تحرير العلاقة الإيجارية سيكون على حساب طبقات تعاني في الأصل من أوضاع اقتصادية شديدة الصعوبة ومن ارتفاع مستمر في أسعار السلع والخدمات الأساسية، مع فرض الحكومة المزيد من الضرائب والرسوم بصفة دورية".
قانون الإيجارات القديمة يمس أوضاع قرابة 9 ملايين مستأجر، بخلاف أسرهم
وحذرت "رابطة المستأجرين القدامى" نواب البرلمان من عواقب تعديل القانون بغرض تخيير المستأجر بين الطرد مباشرة، أو زيادة القيمة الإيجارية إلى حين تحرير العقد بين الطرفين، مشيرة إلى قبولها بمقترحات زيادة القيمة الإيجارية بنسب مقبولة، من دون تحرير العقد الموقع بين المالك والمستأجر الأصلي، الذي من شأنه طرد الملايين من المستأجرين في مصر.
يذكر أن المتحدث باسم مجلس الوزراء نادر سعد قال إن موافقة الحكومة على تعديل بعض أحكام إخلاء الأماكن المؤجرة للأشخاص الاعتبارية لغير غرض السكن، يأتي تنفيذاً لحكم المحكمة الدستورية الصادر عام 2018 بـ"عدم دستورية منع المؤجر من طلب إخلاء المكان، ولو انتهت المدة المتفق عليها في العقد، بما في ذلك عقود الأماكن المؤجرة للأشخاص الاعتبارية لاستعمالها لغير غرض السكن".
وقال وزير العدل عمر مروان، في تصريحات إعلامية، أخيراً، إن "الحكومة ليس لديها مشروع متكامل لتعديل أحكام قانون الإيجارات القديمة في الوقت الراهن"، مبيناً أنه يحق لنواب البرلمان التقدم بأي تعديلات لازمة على القانون الحالي، مع حضور ممثلين عن الوزارات المختصة لمناقشتها مع أعضاء المجلس تحت قبة البرلمان.