انطلاقا من البيانات المتوافرة التي تشير إلى أن متوسط أجر الأطباء الموظفين في سورية يناهز 39 دولارا فقط في الشهر، فليس عجيبا ما تشهده البلاد من استعار موجة هجرة هؤلاء إلى الخارج بحثا عن عيش كريم ورواتب تتخطى 10 آلاف دولار في بعض الدول. فما القصة؟
بحسب موقع "سالاري إكسبلورر"، الذي اطلع عليه "العربي الجديد"، يكسب الأطباء في سورية ما متوسطه الشهري 349 ألف ليرة، أو ما يناهز 39 دولارا تقريبا، بينما يتقاضى نظراؤهم في الإمارات، على سبيل المثال، 38 ألفا و100 درهم في المتوسط، أو ما يعادل 10 آلاف و381 دولارا. (الدولار= 3.67 دراهم= 8950 ليرة).
وإذا ما صحت تصريحات أدلى بها العام الماضي نقيب أطباء ريف دمشق خالد قاسم موسى لإذاعة "ميلودي إف إم" من أن الأطباء السوريين يقصدون أي بلد حتى لو لم يكن مستقرا، بحثا عن رواتب أفضل، كما الصومال واليمن مثلا، حيث تتراوح رواتبهم فيها بين 1200 و3 آلاف دولار، فإن فارق ما يجنيه الأطباء يصبح أكثر اتضاحا.
في الحالات المشار إليها، يتبين في المحصلة أن راتب الطبيب السوري في الخارج أدناه 1200 دولار، يعادل 31 ضعف متوسط راتبه في وطنه (39 دولارا)، بينما يعادل أقصاه (كما في الإمارات) 266 ضعفا.
في السياق، يقول محمد رامي، وهو طبيب عام، لـ"العربي الجديد"، إن "معظم الأطباء يسافرون إلى الخارج بسبب صعوبة الوضع المعيشي في بلدهم، وعدم حصولهم على رواتب مجزية تناسب متطلبات الحياة اليومية الأساسية على أقل تقدير".
وفيما تتربع سورية على رأس قائمة أكبر بلد مصدر للشهادات الطبية، وفقا لتصريح نقيب التمريض والمهن الطبية والصحية في فرع حلب، خليفة كسارة، لجريدة محلية، يشير موسى إلى أن الطبيب السوري يحصل على تسهيلات من بعض الدول، سواء للهجرة الشرعية أو غير الشرعة، لا سيما من مقاصد أوروبية.
في ألمانيا مثلا، بحسب كسارة، يُعتبر الأطباء السوريون أقوى مجموعة طبية بين حاملي الجنسية الأجنبية، بمجموع 5 آلاف طبيب يزاولون المهنة في مستشفيات أكبر اقتصاد أوروبي.
وتنعكس ظاهرة الهجرة الطبية المتفاقمة على الطلاب أيضا. فمحمد، وهو طالب طب في جامعة دمشق، يقول لـ"العربي الجديد" إن "معظم الأطباء في المشافي الحكومية هم من طلاب الاختصاص الذين يتابعون دراستهم للحصول على الماجستير في اختصاص معين، بينما نسبة الأطباء المختصين الموظفين الثابتين قليلة جدا، ولا يوجد أحد يريد أن يتوظف براتب لا يكفي حتى لتأمين متطلبات الحياة اليومية".
فشل حكومة النظام
وفي مسعى من حكومة النظام السوري للحفاظ على الأطباء المتواجدين في البلاد وحثهم على عدم الهجرة، نشرت وزارة الدفاع السورية التعليمات التنفيذية المتعلقة بالخدمة العسكرية للأطباء والصيادلة، وتنص على تحديد الخدمة العسكرية للأطباء البشري والأسنان والصيادلة بسنة ونصف، ويسرحون في نهايتها مباشرة دون احتفاظ.
ويفرز الأطباء والصيادلة حسب رغباتهم إلى أقرب مؤسسة صحية عسكرية للمكان المطلوب، فيما يُفرز الاختصاصيون من الأطباء وأطباء الأسنان والصيادلة إلى المستشفيات والمراكز الطبية التخصصية.
وفي الإطار عينه، رفعت نقابة الأطباء لدى الحكومة السورية الراتب التقاعدي للأطباء بمقدار 40 ألف ليرة، ليصبح الراتب كاملا 80 ألف ليرة سورية شهريا، أو ما يعادل نحو 9 دولارات، علما أن سورية هي البلد الوحيد في العالم الذي يدرس الطب باللغة العربية.
أزمة في اختصاص التخدير.. والنزف 30%
ونتيجة لسوء الأوضاع المعيشية وقلة الرواتب، يعاني القطاع الطبي في سورية من نقص حاد في بعض التخصصات الطبية الحساسة، ومنها التخدير. وهذا ما تؤكده لـ"العربي الجديد" رئيسة رابطة التخدير وتدبير الألم في نقابة الأطباء، زبيدة شموط، التي تقول إن نسبة فقدان أطباء التخدير تصل إلى 30% من الكادر الطبي في البلاد.
وأوضحت شموط، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن عدد الشباب الجدد الذين سجلوا هذا العام في مشافي وزارة الصحة اختصاص تخدير بلغ 13 طبيبا، معتبرة العدد قليلا، وبالتالي "لا بد من وجود حلول سريعة لتحفيز طلاب الطب على الدخول إلى اختصاص التخدير".
وفي السياق عينه، صرّح رئيس قسم العناية المشددة في مشفى الرازي الحكومي في حلب، راني صنونو، لصحيفة "الوطن"، أن حصة المشافي الحكومية والخاصة من أطباء التخدير في المدينة تعادل طبيباً واحداً فقط لكل مشفى.
وتنبأ صنونو أن يصبح الوضع "كارثياً" في المستقبل القريب، و"خلال السنوات الثلاث القادمة بالتحديد، بالنسبة للتخدير في المشافي الحكومية والخاصة، لعدم وجود العدد الكافي لتغطية التخدير في كل المشافي".
كما تحدث أحد أطباء النسائية من العاملين في مشفى حكومي في حلب، للصحيفة ذاتها، عن "النقص الكبير الحاصل في عدد اختصاصيي التوليد في هذه المشافي، والذي يقدر بأكثر من نصف العدد مقارنة بالفترة التي سبقت الحرب، على الرغم من تخريج أعداد كبيرة منهم، سواء من وزارة التعليم العالي أو وزارة الصحة".