تبدو الحكومة البريطانية عازمة على تقليص دعم الطاقة للشركات على نحو كبير، اعتباراً من مطلع إبريل/ نيسان المقبل، ما يزيد مخاوف قطاعات الأعمال المختلفة لاسيما التجارية والخدمية من التعرض للإغلاق، بينما كابدت خلال الأشهر الماضية للبقاء على قيد الحياة عبر خفض التكاليف من خلال زيادة أسعارها أو العمل في أوقات انتقائية تشهد إقبالا من الزبائن دون غيرها.
وتغير تكاليف الطاقة خريطة العمل في بريطانيا بشكل لافت. وعلى الرغم من تراجع أسعار الكهرباء والغاز منذ نهاية 2022 وبداية العام الجاري، إلا أنها لا تزال أعلى بنحو ثلاثة أضعاف المستويات الطبيعية قبل الأزمة الناجمة عن تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا المستمرة منذ نهاية فبراير/ شباط الماضي.
وفي وقت سابق من يناير/ كانون الثاني الجاري، كشف وزير الخزانة البريطاني جيمس كارتليدج أمام مجلس العموم أن برنامجاً جديداً مدته 12 شهراً لمساعدة الشركات البريطانية على مواجهة تكاليف الطاقة المرتفعة سيبدأ في إبريل/ نيسان المقبل وستصل تكلفته إلى 5.5 مليارات جنيه إسترليني، ليحل محل برنامج مدته ستة أشهر ينقضي بنهاية مارس/آذار بكلفة 18 مليار جنيه إسترليني.
صدمة أسعار الطاقة
ووفق كارتليدج: "ليس من المستدام أن تستمر الخزانة العامة في دعم أعداد كبيرة من الشركات بالمستوى الحالي. لا يمكن لأي حكومة مسؤولة وجادة في أي مكان في العالم أن توفر الدعم للشركات بشكل دائم من صدمة أسعار الطاقة هذه".
ولا يتوجه الدعم الحكومي لكل الشركات وإنما من تتجاوز فاتورتها حداً معيناً. إذ لن تبدأ الشركات في الحصول على دعم لتكاليف الطاقة إلا إذا كانت تدفع أعلى من مستوى 107 جنيهات إسترلينية لكل ميغاواط/ الساعة للغاز و302 جنيه إسترليني لكل ميغاواط/ الساعة للكهرباء، ما يجعل الشركات الصغيرة في مرمى ارتفاع التكاليف والأكثر عرضة لمخاطر الانهيار، وفق ممثلين عن قطاعات أعمال عدة.
ومع أن أرقام مكتب الإحصاءات الوطنية، أظهرت مؤخراً أن الناتج المحلي الإجمالي في بريطانيا ارتفع بنسبة 0.1% في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي مقارنة بالشهر السابق عليه.
رجحت ثلاث من كل عشر شركات تجارية (30%)، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، رفع أسعارها لشهر يناير/كانون الثاني 2023، حيث ذكرت 39% من الشركات أن تكاليف الطاقة هي السبب الرئيسي في رفع أسعار منتجاتها وخدماتها، تليها أسعار المواد الخام بنسبة 29% وتكاليف العمالة بنسبة 26%.
تواصلت "العربي الجديد" مع جو توكان، من مكتب إعلام "اتحاد الشركات الصغيرة" وهي منظمة أعمال بريطانية تمثل الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم. فقالت إن الاتحاد، رد في بيان صحافي على إعلان الحكومة عن قرارها تخفيض دعم الطاقة للشركات، حيث قال مارتن ماكتاغ، الرئيس الوطني للاتحاد، إن قرار الحكومة مخيب لآمال الشركات الصغيرة وإنها لن تتمكن من البقاء من خلال المخطط الجديد الذي سيقدم بضع بنسات لها.
وبينما يجب أن يكون العام الجديد مصدرا للتفاؤل، يبدو أن 2023 بداية النهاية لعشرات آلاف الشركات الصغيرة التي كانت تعتمد على دعم الطاقة الحكومي للبقاء على قيد الحياة هذا الشتاء، وفق ماكتاغ، الذي أضاف أنه بحسب دراسة للاتحاد فإن واحدة من كل أربع شركات صغيرة تتوقع إما الإغلاق أو تقليص حجمها أو تغيير نمط أعمالها بشكل جذري، عندما تبدأ الحكومة بتقليص دعم الطاقة بعد شهر مارس/آذار. وما هو مؤكد من هذه الخطوة الكارثية هو أننا جميعاً سنشهد فواتير أعلى بكثير مما هي عليه الآن.
2023 أكثر صعوبة
في السياق، يقول آلان توماس، الرئيس التنفيذي لشركة "سيمبلي بيزنس" العاملة في مجال الوساطة عبر الإنترنت لتامين الأعمال التجارية، إن أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم يشعرون بالضغوط، لأنهم يكافحون من أجل نقل التكاليف المرتفعة إلى عملائهم، مضيفا أن "العام الجديد هو فرصة لبداية جديدة ولكن من دون توفير الدعم على مستوى الحكومة والمستهلك، هناك مخاوف من أن يكون 2023 أكثر صعوبة".
وبينما يخطط أصحاب المطاعم والحانات لرفع أسعارهم ومواكبة تكاليف الطاقة، يأمل العديد من المستهلكين بتخفيض هذه الأسعار لمساعدتهم على الاستمرار في زيارة هذه الأماكن في ظلّ الظروف المعيشية الصعبة التي يعاني منها المواطن البريطاني.
وفي ظل هذه المعادلة الصعبة، تقول شارلوت، التي تبدو في الأربعينات من العمر وتدير حانة صغيرة في جنوب البلاد لـ"العربي الجديد" إن أصحاب الأعمال قلقون، فرغم أنهم يعانون من ارتفاع التكاليف، فإن الزبائن أيضا يعانون من الغلاء ولا يمكن للعديد من العائلات ذات الدخل المتوسط والمتدني خاصة، الاستمرار في الإنفاق على أمور غير أساسية كما كانوا في السابق.
تضيف شارلوت، أن الحل الوسط قد يكون في تخفيض هذه الأماكن أسعارها وزيادة عروضها الترويجية، لأنه من الأفضل أن يرتادها أعداد أكبر من الناس على أن تبقى من دون أحد على الإطلاق، لافتة إلى أنها قامت بالفعل بهذه الأمور، ونجحت في جذب الناس.
تتابع: "قد تختلف الأمور لدى الحانات الكبيرة التي تستهلك طاقة أكبر للتدفئة والإضاءة والتشغيل، لذلك من المفهوم أن يتحدث العديد من أصحاب هذه الأماكن عن اضطرارهم إلى رفع أسعارهم مع انتهاء الدعم الحكومي الحالي في مارس/آذار المقبل".
ويقول مواطنون إن الخروج رفقة عائلاتهم للترفيه، أصبح بحاجة إلى التخطيط جيداً ومراجعة الفواتير المنتظرة قبل القيام بتلك الخطوة، لأن أي وجبة طعام في حانة لعائلة من أربعة أشخاص تتجاوز 100 جنيه إسترليني.
ونقل موقع ذا ناشيونال سكوت نيوز، عن كولين ويلكنسون، المدير الإداري لجمعية التجارة المرخصة الاسكتلندية قوله، إن "استبدال مخطط الطاقة الحالي بآخر أقل كلفة، يعني أن الشركات ستتلقى مستوى من الدعم أقل بكثير، ومن المفهوم أن نقلق بشدة حول تأثير هذه الخطوة خاصة على قطاع الضيافة". ولفت ويلكنسون إلى أن الطاقة تعد ثاني أعلى تكلفة في أماكن الضيافة فهي تمثل حالياً ما بين 8% و10% من معدل تشغيل الحانة أو البار المتوسط الحجم.
شركات الضيافة معرضة لخطر جسيم
وأضاف أنّ المشغلين في قطاع الضيافة يواجهون زيادات في متوسط الفاتورة السنوية لا تقل عن 300%، مما يعني أن العديد من الشركات والوظائف في هذا القطاع معرضة لخطر جسيم.
كما لفتت صحيفة "ذا غارديان" في تقرير لها الأسبوع الماضي، إلى تهديد أسعار الطاقة، لقطاع ألعاب التسلية تلك الأماكن الساطعة بالأضواء التي تعدّ جزءاً أساسياً من سواحل بريطانيا، مضيفة أنه "يمكن أن نشهد انطفاء هذه الأضواء قريباً، مع تحذير الملاك من زيادة فاتورة الطاقة بنسبة تصل إلى 1000%".
وتأثر هذا القطاع بشدة لاعتماده الكبير على الكهرباء. وقال العديد من المشغلين إنهم قد يقلصون ساعات العمل أو يغلقون بشكل كامل. وتلعب أماكن الترفيه الموجودة على سواحل البلاد، دوراً هاماً في اقتصاد المملكة، وتساهم في حجم مبيعات قدره 845 مليون جنيه إسترليني سنوياً، وفقاً لبحث أجرته الرابطة البريطانية لتجارة المطاعم الترفيهية (Bacta).
وقد شكلت الرحلات إلى الساحل 18% من إجمالي الإنفاق الليلي في إنكلترا في عام 2021، وفقاً لمسح السياحة في بريطانيا. وبين إبريل/ نيسان وديسمبر/ كانون الأول كان هناك 17 مليون رحلة إلى المناطق الساحلية، وفقاً لهيئة السياحة البريطانية.
وتقدر هيئة الصناعة أن تكاليف الطاقة المتزايدة قد تركت القطاع، الذي يوظف 20 ألف شخص، بفاتورة قدرها 300 مليون جنيه إسترليني.
ويستمر قطاع الضيافة في المملكة المتحدة في تسليط الضوء على سلوكيات موردي الطاقة، الذين يقدمون أسعاراً أعلى بكثير من أسعار الجملة ويطالبون بودائع باهظة الثمن وفي بعض الحالات يرفضون العمل مع شركات من قطاع الضيافة.
وقالت كيت نيكولز، الرئيسة التنفيذية لقطاع الضيافة: "يوماً بعد يوم، نحصل على المزيد من التقارير من الشركات عن كيفية مطالبة موردي الطاقة بمبالغ ضخمة من المال لتأمين عقد بشروط عالية جداً، فضلا عن رفضهم التعامل مع شركات تعمل في قطاع الضيافة بالأساس".
وتنعكس تكاليف الطاقة على طبيعة العمل كذلك في بريطانيا، إذ تعيد 64% من الشركات النظر في مطالبة الموظفين بالعمل من المكاتب حسب دراسة استقصائية أجرتها منصة العمل المستقل "فايفر" وشملت 1000 من كبار القادة في أواخر 2022.
لكن هذه الخطوة تصطدم بالتكاليف التي يتحملها الموظفون أيضاً، إذ يتوقع الموظف أنه يمكنه توفير 38 جنيهاً إسترلينياً شهرياً من فواتير الطاقة المنزلية في حال دوامه في المكتب خلال فترة الشتاء.