تمويل الجزائر لمشاريع في أفريقيا... أهداف تنموية ودور متزايد بالقارة

01 مارس 2023
رئيس الحكومة أعلن ضخ مليار دولار في مشاريع تنموية أفريقية (فرانس برس)
+ الخط -

ربطت الجزائر تخصيصها مليار دولار لتمويل مشاريع تنموية في الدول الأفريقية بالأمن والاستقرار في القارة السمراء، لكن أبعاد هذا القرار تتجاوز هذا النطاق على أهميته، في سعي البلاد لاستعادة دورها الإقليمي والقاري، بعد تراجعها في فترة مرض الرئيس السابق وانهيار أسعار النفط.

ففي 19 فبراير/شباط، أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في خطاب تلاه بالنيابة عنه رئيس الحكومة أيمن بن عبد الرحمان، خلال القمة الـ 36 لرؤساء دول وحكومات الاتحاد الأفريقي عن "ضخ مليار دولار لصالح الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي من أجل التضامن والتنمية، لتمويل مشاريع تنموية في الدول الأفريقية".

مأسسة الدعم الأفريقي

وهذه ليست المرة الأولى التي تسعى فيها الجزائر لتقديم مساعدات مالية لدول أفريقية، إذ إنها أسقطت في 2013 ديوناً مستحقة على دول أفريقية بقيمة 902 مليون يورو (قرابة مليار دولار).

بل أعلنت في 2018 أنها مسحت ما قيمته 3.5 مليارات دولار ديوناً لـ 14 دولة أفريقية خلال الخمس سنوات الأخيرة، لأسباب إنسانية.

ولكن هذه المساعدات الإنسانية ارتبطت دوما بارتفاع مداخيل النفط والغاز، وعادة ما تتقلص أو تذوب كقطعة زبدة تحت شمس حارقة مع تراجع أسعار المحروقات.

لكن تأسيس "الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي" من شأنه مأسسة الدعم المالي لأفريقيا، وبدل مسح الديون تتجه البلاد إلى تمويل المشاريع التنموية، خاصة تلك التي تستفيد منها المجتمعات الأفريقية المهمشة بشكل مباشر.

فالدور الذي من المتوقع أن تلعبه الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي يشبه إلى حد كبير ما تقوم به حاليا الوكالة التركية للتنسيق الدولي "تيكا"، من تشييد المستشفيات، وترميم المساجد التاريخية، وتمويل مشاريع زراعية وتعليمية.

هذه ليست المرة الأولى التي تسعى فيها الجزائر لتقديم مساعدات مالية لدول أفريقية

فخروج الجزائر من أزمتها الاقتصادية والمالية لعب الدور الرئيسي في تخصيص هذا المبلغ الهام لدعم التنمية في أفريقيا، خاصة بعد ارتفاع مداخيل النفط إلى أكثر من 50 مليار دولار، وارتفاع احتياطات الصرف إلى نحو 60 مليار دولار، بعد تراجعها من 194 مليار دولار في 2014 إلى 42 مليار دولار في مارس/آذار 2021.

ولا تريد الجزائر أن تكون تحت رحمة النفط والغاز، لذلك تسعى لرفع حجم صادراتها خارج المحروقات من أقل من ملياري دولار في 2019 إلى 5 مليارات دولار في 2021، ثم 7 مليارات دولار في 2022، ثم 10 و15 مليار دولار في عامي 2023 و2024.

وتراهن الجزائر على تعزيز تجارتها مع الدول الأفريقية لزيادة صادراتها خارج المحروقات، وجزء من هذا التمويل المالي من المرجح أن يستهدف شبكات الطرقات والبنية التحتية التي تربط الجزائر بالدول الأفريقية.

إنه أشبه بطريق حرير جزائري مصغر، ولكن بدون إغراق الدول الأفريقية بالديون مقابل إنشاء بنى تحتية مكلفة، بل هو إحياء لمبادرة الرئيس الجزائري الأسبق هواري بومدين (1974) للتعاون جنوب - جنوب.

الدول ذات الأولوية

وتعطي الجزائر الأولوية للمشاريع التنموية ذات الطابع "الاندماجي"، أو "تلك التي من شأنها المساهمة في دفع عجلة التنمية في القارة".

وفي هذا السياق، تتبنى الجزائر عدة مشاريع اندماجية أفريقية، على غرار الطريق الأفريقي العابر للصحراء، الذي يربطها بنيجيريا، أكبر اقتصاد في القارة من حيث الناتج الداخلي الخام، ويتفرع إلى كل من تونس والنيجر ومالي وتشاد، ويرافق هذا الطريق خط للألياف البصرية.

بالإضافة إلى أنبوب نقل غاز نيجيريا إلى الجزائر عبر النيجر (نيغال)، الذي التزمت الجزائر بتمويل المقطع الخاص بالنيجر.

كما تشمل المشاريع الاندماجية الأفريقية التي تدعمها الجزائر طريق تيندوف – الزويرات الموريتانية، الذي تبلغ تكلفته مليار دولار، وتشترك في إنجازه 10 مؤسسات جزائرية، حيث تسعى البلاد من خلاله للوصول إلى أسواق غرب أفريقيا عبر موريتانيا.

ومن خلال هذه المشاريع يتضح أن المناطق التي ستحظى بالأولوية هي دول المغرب العربي، وعلى رأسها موريتانيا وتونس وليبيا، ودول الساحل، على غرار النيجر ومالي وتشاد، ودول غرب أفريقيا وعلى رأسها نيجيريا والسنغال.

كما فتحت الجزائر المجال أمام الدول الأفريقية الراغبة في الاستفادة من هذه الآلية لتمويل المشاريع، ما سيشمل دولا أخرى صديقة في مناطق مختلفة من القارة مثل السودان وإثيوبيا وكينيا وأوغندا في الشرق وأنغولا وناميبيا وجنوب أفريقيا.

مكافحة الإرهاب عبر التنمية

عندما سألت صحيفة لوفيغارو الفرنسية الرئيس الجزائري عن تواجد مرتزقة فاغنر في مالي، اعتبر أن الأموال التي تدفعها باماكو للشركة الروسية الأمنية "ستفيد أكثر إذا استثمرت في التنمية".

تراهن الجزائر على تعزيز تجارتها مع الدول الأفريقية لزيادة صادراتها خارج المحروقات

ورؤية الجزائر لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل ترتكز على الجانب الاقتصادي أكثر من الأمني، وهو ما نبهت إليه عدة مرات الدول الغربية عند تدخلها عسكريا في المنطقة.

وبحكم معرفتها بمنطقة الساحل وأفريقيا، والبؤس الذي تعيشه شعوب جنوب الصحراء، تدرك الجزائر أن الكثير من أعمال العنف والتمردات والتهريب وانتشار الجماعات المسلحة مرده إلى الفقر وانعدام أساسيات الحياة في هذه المناطق بما فيها المياه الصالحة للشرب.

لذلك جاء تأسيس "الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي من أجل التضامن والتنمية"، التابعة مباشرة للرئاسة في 20 إبريل/نيسان 2020، لتحقيق أهداف التنمية والتكامل الأفريقي، وتجفيف منابع الجماعات المسلحة في القارة السمراء، خاصة بعد انتقال ثقل تنظيمي داعش والقاعدة الإرهابيين من العراق وسورية وأفغانستان إلى أفريقيا.

مواجهة التغلغل الإسرائيلي

مَثّلت المعركة الدبلوماسية التي خاضتها الجزائر برفقة جنوب أفريقيا ودول صديقة من القارة لمنع إسرائيل من التمتع بصفة مراقب في الاتحاد الأفريقي، جرس إنذار من خطر التمدد الإسرائيلي في القارة السمراء.

ففي الفترة التي عاشت فيها الجزائر تراجعاً دبلوماسياً بعد مرض الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة (2013- 2019)، ثم تراجع أسعار النفط (2015-2020)، حققت إسرائيل عدة اختراقات في القارة الأفريقية وأقامت علاقات دبلوماسية مع عدة دول في القارة آخرها افتتاح الرئيس التشادي محمد ديبي، سفارة بلاده في تل أبيب.

وتحاول الجزائر تدارك فترة تراجعها من خلال توفير مليار دولار للتنمية في أفريقيا لحث دول القارة على عدم الخضوع لإغراءات تل أبيب، ومنعها من مد نفوذها إلى دول جوارها.

مقعد دائم بمجلس الأمن وعضوية البريكس

ترافع الجزائر من أجل حصول أفريقيا على مقعدين دائمين في مجلس الأمن الدولي، وتأمل أن تفوز بأحد المقعدين.

ورغم أنها رابع اقتصاد أفريقي، إلا أنها تكاد تكون البلد الأفريقي الوحيد الذي ليست له ديون خارجية، وبتخصيصها لمليار دولار لتمويل المشاريع الأفريقية، تكون بذلك تستعرض عضلاتها المالية، في الوقت الذي تواجه معظم دول القارة أزمات اقتصادية وديوناً تثقل كاهلها.

وهي رسالة أيضاً إلى دول البريكس (روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا)، بأنها دولة تتمتع باستقلالية مالية وسياسية، وستشكل إضافة للمنظمة الدولية، التي تقدمت بطلب العضوية فيها.

والمليار دولار الذي خصصته الجزائر لتمويل المشاريع التنموية الأفريقية، وإن كان هدفه الرئيسي مكافحة الإرهاب اقتصادياً، إلا أنه من شأنه تحقيق أهداف أخرى بقصد أو بدون قصد على غرار معالجة مسألة الهجرة غير النظامية، والتغلغل الإسرائيلي في القارة، وتراجع حماسة الأفارقة لدعم القضيتين الفلسطينية والصحراوية، والصراع الروسي الصيني مع المحور الأميركي الفرنسي الأوروبي للهيمنة على أفريقيا وجعلها ساحة للصراع.

حيث تسعى الجزائر لتكون لها كلمتها في القارة الأفريقية التي تنتمي إليها، لتحقيق أكبر قدر من التعاون والتنسيق مع الدول الإقليمية في القارة، وبالأخص جنوب أفريقيا ونيجيريا وإثيوبيا، لمواجهة أكبر تحديين؛ الأمن والتنمية.

(الأناضول)