تجددت صدمات أسواق المال والأعمال، مع تراجع حاد في سعر الجنيه مقابل الدولار بأكثر من 7%، وزيادة أسعار الفائدة على شهادات الإيداع إلى معدلات غير مسبوقة بلغت 25%، أصابت المستثمرين باضطراب شديد.
كما تخبطت أسعار السلع، وكأنها جان يتخبطه الشيطان من المس، مع ارتفاعات باهظة وشح في المعروض، ووعود بتخفيضات في مستقبل لم يأت بعد.
دفعت الصدمات سياسيين إلى تشكيل تحالف داخل البرلمان، من بعض نواب أحزاب محسوبة على المعارضة والموالاة، للمطالبة بإقالة الحكومة، لعدم قدرتها على إدارة الملف الاقتصادي.
وكان عضو مجلس النواب المصري عصام العمدة طالب، في وقت سابق، رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي بتقديم استقالة الحكومة، نظرا لأنها تعمل في اتجاه مخالف تماما لمعاناة الشعب المصري.
اجتماع طارئ لرجال الأعمال
قررت جمعية رجال الأعمال عقد اجتماع طارئ يوم الاثنين المقبل، لإعداد تقرير عاجل للرئاسة، حول الآثار السلبية التي ستواجه الصناعات المختلفة، مع استمرار اعتماد الحكومة على سياسات نقدية متشددة، أدت إلى تراجع قيمة الجنيه، في أقل من عام، بنحو 66% من قيمته، وزيادة معدلات الفائدة، وإلغاء برامج دعم الفائدة الموجهة لإنقاذ المصانع والمشروعات الصغيرة وقطاعي السياحة والعقارات.
أكد رئيس لجنة الصناعة في جمعية رجال الأعمال، محمد هلال، لـ"العربي الجديد" عقد اجتماع في لجنة الصناعة بمجلس النواب، 9 يناير/كانون الثاني الجاري، لبحث إنقاذ قطاع الصناعة من الآثار الخطيرة التي تواجهه، مع استمرار تراجع الجنيه، وارتفاع معدلات الفائدة.
أوضح هلال أن المستثمرين يعتبرون أنفسهم في حالة انعقاد دائم بالجمعية، للبحث عن مخرج من الأزمة التي يمرون بها منذ أشهر، زادت حدتها مع التزام الحكومة بتعليمات صندوق النقد، بمنع البنوك من تقديم تمويل للمشروعات الصناعية والزراعية والإنتاجية، بفائدة مدعومة، منوها إلى ضرورة رفع الأعباء عن المصنعين، بدلا من أن يتجه رجال الأعمال إلى تصفية مشروعاتهم، وتوجيه ما لديهم من مدخرات لوضعها في البنوك.
وصف خبير الاستثمار حسن أبو سعده توابع زيادة الفائدة على المدخرات، إلى معدلات غير مسبوقة في التاريخ، بأنه دليل على فشل الحكومة في إدارة الملف الاقتصادي. مشددا على دفعها البلاد إلى ركود حاد مع توقف الدورة الاقتصادية، بداية من التشغيل في المصانع والمشروعات وانتهاء بالبيع والشراء في العقارات والأسواق، مع تفضيل حائزي الأموال توجهيها إلى شهادات ادخار سيتحمل البنك المركزي دعمها، خصما من الموازنة العامة للدولة.
قال أبو سعده لـ "العربي الجديد": الوضع الاقتصادي سيئ للغاية، وعلى البرلمان أن يتحرك لمحاسبة الحكومة والبحث عن وزراء قادرين على تحمّل المسؤولية وإدارة الأزمة الاقتصادية التي تسببت الحكومة في تصاعدها.
تهاوي الجنيه، دفع أسعار السلع إلى زيادة غير متوقعة، في وقت تعهدت فيه الحكومة بالعمل على كبح الأسعار وتخفيف الطلب على الدولار، برفع جاذبية حيازة الجنيه.
وفي سباق محموم بين التجار والموزعين على حيازة السلع، ارتفعت أسعار الأدوية والمواد الغذائية، خلال الساعات الماضية بنسب تتراوح بين 10% و15%، زادها اشتعالا توقعُ رفع الحكومة أسعار المواد البترولية، منتصف الشهر الجاري.
قال موزعون إن الزيادة في الأسعار نفذت على البضائع الموجودة في المحلات، فور علمهم بالانخفاض المفاجئ للجنيه، لأنهم لا يعلمون حجم التراجع الذي سيصيبه في الأيام المقبلة، ويتخذون قرارهم وفقا لحالة الدولار في السوق الموازية الذي ارتفع إلى 39 جنيها. ورصد "العربي الجديد" عودة ارتفاع أسعار الذهب، بالمخالفة لاتجاهات تقليدية للمعدن النفيس حينما تزداد الفوائد على المدخرات.
بلغ سعر الغرام عيار 24 نحو 2000 جنيه، و21 الأكثر تداولا 1750، وعيار 18 نحو 1500، وعيار 14 نحو 1166 جنيها، بزيادة تقدر بنحو 130 عن الثلاثاء الماضي.
انفلات أسعار السلع
يشير الخبير الاقتصادي وائل النحاس إلى أن حالة الانفلات في أسعار السلع، مع تراجع الجنيه، أمر طبيعي، لأن الحكومة دفعت الناس إلى المضاربة على الدولار، مع تأخرها في تطبيق إجراءات التعويم ورفع الفائدة، في نفس الوقت الذي تعهدت بالإفراج عن البضائع في الموانئ، نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وشدد النحاس، في حديثه لـ"العربي الجديد"، على أهمية توافق السياسات النقدية والمالية معا وبسرعة، معتبرا أن السوق كان جاهزا لقبول سعر للدولار بقيمة 30 جنيها، بينما التأخير دفع الناس إلى الاحتفاظ بالدولار وتداوله في السوق السوداء.
توقع الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب أن يواصل الجنيه تراجعه، مؤكدا أن السياسة النقدية التي تتبعها الحكومة متوافقة مع تعهداتها مع صندوق النقد، ليصبح سعر الجنيه مرنا مقابل العملات الصعبة. وأشار لـ "العربي الجديد" إلى أن تهاوي الجنيه، مع شح السلع، سيترتب عليهما مزيد من معاناة المواطنين وخاصة القطاعات الإنتاجية، بما يتطلب أن تسارع الحكومة في منح علاوات استثنائية للمواطنين، ليتمكنوا من مواجهة غلاء المعيشة، وتقديم تسهيلات ضرائبية، ورفع القيود البيروقراطية التي تعرقل العمل بالمصانع.
وأدى تراجع الجنيه وشح الدولار والتضخم السريع، إلى تباطؤ الاقتصاد غير النفطي، للشهر الخامس والعشرين على التوالي، وفقا لتقرير مدراء الشركات، لـ S&P Global لشهر يناير. بين التقرير أن التضخم دفع مديري الشركات إلى خفض معدلات التوظيف للمرة الثانية في 3 أشهر، وتقليل مشتريات المدخلات بسرعة.
وتراجع أداء البورصة لليوم الثاني على التوالي، مع توجه المستثمرين إلى الاستفادة من الفائدة المرتفعة على شهادات الادخار، أو المضاربة على الدولار في السوق الموازية، وحيازة الذهب، في وقت تنوي الحكومة طرح 23 شركة حكومية بقيمة 80 مليار جنيه، تعمل في 7 قطاعات اقتصادية، بهدف زيادة معدلات السيولة ورفع جاذبية سوق المال للمستثمرين غير المصريين.
ويشير محللون إلى أن رفع الفائدة مع التراجع الحاد في قيمة الجنيه، يولدان ضغطا تضخميا، لأن سببه ليس متعلقا بارتفاع السيولة المالية في الأسواق، وإنما مرتبط بضرورة الحصول على واردات من السلع الأجنبية والدولار.
يرفض وزير التموين على مصيلحي التدخل في تسعير السلع، مؤكدا في بيان صحافي أنه: لا عودة للتسعير الذي طبق في ستينيات القرن الماضي. وأشار مصيلحي إلى أن فرض سعر للأرز من قبل الوزارة، وراء اختفائه من الأسواق، ووقوع الأزمة، منوها إلى أنه سيسعى بالتعاون مع الغرف التجارية والصناعية إلى وضع أسعار إرشادية للسلع الأساسية، تستهدف خفض سعر البيع للجمهور بمعدلات تصل إلى 30% بعد أسبوعين، حينما تهدأ الأسواق مع دخول معظم الواردات المحتجزة في الجمارك.
وبدأ بنكا مصر والأهلي، السماح بتمويل عمليات الإفراج الجمركي بالدولار، للسلع التي حل عليها الدور في الخروج من الدائرة الجمركية، في حدود ضيقة، بعد شهر من التوقف التام عن تدبير العملة للموردين.
إقالة الوزارة
دعا أستاذ الاقتصاد بجامعة المنصورة، رضا عبد السلام، إلى ضرورة تغيير الوزارة الحالية، وأن يأتي رئيس وزراء اقتصادي قادر على مواجهة المشاكل، التي "أدت إلى خراب اقتصادي"، أسوة بما فعلته حكومة عاطف عبيد التي بدأت الأول للجنيه عام 2003، وأدخلت مصر تحت مظلة تعليمات صندوق النقد والبنك الدولي.
أدى تراجع الجنيه وشح الدولار والتضخم السريع، إلى تباطؤ الاقتصاد غير النفطي، للشهر الخامس والعشرين على التوالي
وحذر من استمرار تراجع الجنيه، وعدم مراجعة المنظومة الضريبية والرسوم والمعوقات التي تواجه المستثمرين والمصانع، التي عطلت الإنتاج، وتدفع المستثمرين إلى التوقف لوضع أموالهم في البنوك أو الهرب للعمل بالخارج. وقال في تصريحات صحافية: إن الجنيه أصبح الأسوأ أداءً بفعل سياسات متكررة أدت إلى انهياره عن عرشه.
ويتوقع خبراء أن يواصل الجنيه تراجعه خلال الفترة المقبلة، مع استمرار المضاربة على الدولار، مع زيادة أسعار السلع، لأن التجار لا يعرفون الاتجاه النهائي لسعر الدولار، بما يدفع المواطنين إلى غلق مشروعات ومزيد من البطالة والضغوط على الطبقات الفقيرة.
ويخشى خبراء دوليون من أن يدفع تراجع الجنيه الاقتصاد إلى صدمة ركود قوية، بدوافع دولية مع زيادة الفائدة على الدولار، وعدم قدرة الحكومة على توفيره، وتصاعد قيمة الديون المستحقة على مصر مع نهاية العام الحالي لتصل إلى 200 مليار دولار. كشف تقرير لمعهد "أوراسيا" عن المخاطر الكبرى التي تواجه العالم في عام 2023، صدر مطلع الأسبوع الجاري، عن مخاوف انجراف مصر ضمن الدول التي ستعاني من الركود الحاد.