أسواق تونس تحت وطأة الوباء: الموجة الثالثة للجائحة تهدّد بإغلاق قطاعات كبرى
يهدد الإغلاق قطاعات اقتصادية واسعة بعد تسجيل بوادر موجة وباء ثالثة، ترجّح السلطات الصحية أن تكون الأقسى والأكثر حصداً للأرواح منذ بدء جائحة كورونا، ما قد يدفع الحكومة التونسية إلى اتخاذ قرارات الإغلاق الشامل أو الجزئي لبعض المناطق وأماكن التجمّع في المقبل من الأيام، بتوصيات من اللجنة العلمية لمكافحة الفيروس.
الأحد الماضي، أصدرت اللجنة العلمية بياناً قالت فيه إنّ موجة وباء خطيرة تهدد البلاد، ودرجة تفشي العدوى بلغت مستويات قياسية، ما يتطلّب إجراءات صارمة لكبح الفيروس والحدّ من الخسائر البشرية.
وخلال الأشهر الماضية، سعت الحكومة التونسية إلى إيجاد توازنات في مراعاة للجانبين الصحي والاجتماعي، بالسماح لقطاعات اقتصادية تضررت من الإغلاق الشامل العام الماضي، بالعمل جزئياً لتجنّب تصاعد نسب البطالة التي أصبحت تطاول أكثر من مليون تونسي.
تتزامن موجة الوباء الثالثة التي تمسّ أكثر من 17 محافظة في البلاد (من مجموع 24 محافظة) مع اقتراب شهر رمضان الذي يمثل موسم الكسب بالنسبة إلى العاملين في الأنشطة التجارية والخدماتية، وحتى عمال المياومة ممن يقنصون الرزق من الأنشطة العرضية، والعمل في الأسواق.
ويخشى محرز بن فالح، وهو وكيل لصالون شاي (مقهى)، أن تقرر الحكومة إغلاق المقاهي في ليل رمضان، مؤكداً أنّ تصاعد موجة الوباء تضع آلاف مواطن الرزق للعاملين في قطاع المقاهي والمطاعم على كفّ عفريت، مشيراً إلى أنّ المقاهي سرّحت نصف عمالها خلال الفترات الماضية. وقال بن فالح لـ"العربي الجديد": "كنت أوظف قبل جائحة كورونا 15 فرداً بين طهاة وندّل وعمال نظافة، لكنّ الجائحة أجبرتني على التخلي عن 7 منهم، وكنت أستعد مع تحسّن الوضع الوبائي إلى زيادة عدد العمال إلى 10". واعتبر أنّ الموجة الثالثة التي تبدو أقسى ستعيد العديد من القطاعات إلى النقطة الصفر، وقد تضطرهم إلى الإغلاق النهائي. وأضاف أنّ العديد من أنشطة التزويد المرتبطة بعمل المقاهي والمطاعم والسياحة تضررت، وتراكمت ديونها لدى صناديق الضمان الاجتماعي والبنوك ومصالح الجباية، واصفاً الوضع الاقتصادي في تونس بالكارثي. واعتبر أنّ الموجة الثالثة من الوباء أصبحت أمراً واقعاً، مرجّحاً أن يطاول الإغلاق الشامل القطاع الخدماتي في ليل رمضان، وهو ما يؤجل كلّ آمال التعافي الاقتصادي أو خفض نسب البطالة، وفق قوله.
وما زالت تونس، التي تراجع فيها النمو الاقتصادي، العام الماضي، إلى مستويات قياسية، ترزح تحت مخلّفات الإغلاق الشامل في إبريل/ نيسان 2020، إذ سجّلت نسبة البطالة معدلات قياسية، بأكثر من 17 في المائة، كذلك قفز الفقر إلى 21 في المائة.
وأكد الخبير الاقتصادي، محمد منصف الشريف، أنّ الأعمال العرضية التي تنتعش في مواسم الاستهلاك، ولا سيما شهر رمضان، توفر دخلاً لنحو نصف مليون تونسي، وربما أكثر، مشيراً إلى أنّ الدوائر الرسمية لا تملك بيانات دقيقة عن العاملين في القطاع الموازي والمهن الظرفية، لكنّه قال إنّ الإغلاق يعيد هؤلاء إلى دائرة البطالة والفقر المدقع.
وأضاف الشريف في تصريح لـ"العربي الجديد" أنّ أصحاب الدخول الضعيفة والعاملين في الأنشطة التجارية والخدماتية الموسمية، يعانون من الهشاشة الاجتماعية، مشيراً إلى أنّ الإغلاق الذي يتزامن مع شهر رمضان، يضعهم على حافة العوز، في غياب أيّ إمكانات للتعويض عنهم، بسبب الضائقة المالية للحكومة. وأكد الشريف أنّ موازنة 2021 لم تضع أيّ مخصصات لمواجهة تداعيات كورونا، إذ كانت الحكومة تعوّل هذا العام على القضاء النهائي على الجائحة أو على الأقلّ الحدّ من آثارها. لكنّ التطورات الصحية أسقطت كلّ الفرضيات السابقة، بحسب الشريف، مرجّحاً أن تُترك الفئات الضعيفة في مواجهة مصيرها إذا تقرر الإغلاق في رمضان.
وأشار الشريف إلى أنّ الإغلاق مجدداً سيزيد من إرباك الموازنة العامة التي تشكو عجزاً قدره 6 في المائة بسبب تراجع المداخيل الجبائية المحصّلة من القطاعات الخدماتية والتجارية التي تواجه الجمود التام.
في مارس/ آذار الماضي، أعلن البنك الدولي تخصيص 300 مليون دولار لمساعدة نحو مليون عائلة فقيرة في تونس، التي تعاني من مشكلات اقتصادية واجتماعية أوقدت شرارة احتجاجات متصاعدة. وقال نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فريد بلحاج، إنّ شرط هذا الدعم هو الشفافية والنجاعة وأن يذهب مباشرة إلى العائلات الفقيرة.
وقدَّر المعهد الوطني للإحصاء (حكومي) نسبة الفقر في البلاد بـ15.2 في المائة من مجموع السكان في دراسة له بالتعاون مع البنك الدولي نشرت عام 2020. لكنّ هذه النسبة تخفي تفاوتاً حاداً، إذ يمكن أن ترتفع النسبة في المناطق البعيدة عن الساحل الذي يضم الجانب الأكبر من المؤسسات الصناعية والسياحية، إلى أكثر من 40 في المائة.