أعلنت وزارة التجهيز في تونس الأربعاء الماضي، عن إسناد صفقة أشغال الجسر الرئيسي، الرابط بين الطريق السيارة أ4 ومدينة بنزرت، لشركة "سيشوان" الصينية بكلفة تزيد عن 200 مليون دولار.
ويأتي فوز الشركة الصينية بمناقصة على واحد من أهم مشاريع البنية التحتية في تونس، على حساب فرنسا التي أبدت سلطاتها اهتماما بالمشروع منذ نحو تسع سنوات. وفي مارس/ أذار 2015 عبر السفير الفرنسي فرانسوا غويات عن اهتمام بلاده بمشاريع البنية التحتية في تونس ومنها مشروع جسر بنزرت وذلك في لقاء جمعه بوزير التجهيز والإسكان حينها محمد صالح العرفاوي.
وتحضر الصين كمنافس رئيس لدول الاتحاد الأوروبي في المناقصات الدولية التي تطرحها تونس، تزامنا مع تحركات دبلوماسية مكثفة لدول المعسكر الشرقي أهمها الصين وروسيا التي تعمل على توسيع حضورها الاقتصادي في تونس. ويؤكد فوز الصين بمناقصة جسر بنزرت، وفق الخبراء، بوادر تحولات في الارتباطات الاقتصادية لتونس التي تتجه شرقا على حساب الاتحاد الأوروبي الذي يعتبر شريكها التاريخي.
وأكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال زيارة عمل نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي بعد لقاء بنظيره التونسي نبيل عمار "تسجيل اتفاق على تطوير التعاون بين البلدين في مجالات واعدة مثل الزراعة والطاقة خصوصا النووية والتكنولوجيات الحديثة".
تحولات مهمة في تونس
ورأى الباحث في السياسات الاقتصادية في جامعة تونس آرام بالحاج أن التحركات الدبلوماسية المكثفة بين تونس ودول المعسكر الشرقي تؤكد بوادر تحولات مهمة على مستوى التعاون الاقتصادي وتخفيف الارتباط بين تونس دول الاتحاد الأوروبي. وقال بالحاج في تصريح لـ"العربي الجديد": "تحرز الصين وروسيا تقدما على مستوى التعاون مع تونس في مجالات الزراعة والخدمات وهي مجالات كان يسيطر عليها الأوروبيون".
وأكد خبير السياسات الاقتصادية وجود تشجيع روسي لتونس لإعداد ملف من أجل الانضمام لمجموعة البريكس رغم عدم كفاية المؤهلات في الظرف الحالي. وأشار بالحاج إلى التزام تونس تاريخيا بالحياد الدبلوماسي وعدم الإعلان الرسمي عن الانضمام إلى تحالفات سياسية واقتصادية، مرجحا تغير هذه السياسات مستقبلاً.
وتابع" سيكون لتغيير التحالفات الاقتصادية تداعيات على المدى المتوسط والبعيد رغم إمكانية تحقيق مكاسب آنية من التعاون التونسي مع الصين وروسيا". ويحتل الأوروبيون صدارة المستثمرين الأجانب في تونس مع ما يزيد عن 3000 شركة توفر أكثر من 315 ألف وظيفة. وتمثل الاستثمارات الأوروبية المباشرة 49 في المائة من مجموع الاستثمارات الأجنبية، وفقاً لبيانات التجارة التونسية.
ورأى الخبير الاقتصادي ووزير التجارة السابق محسن حسن أن توجه تونس نحو تنويع قاعدة شركائها الاقتصاديين حقيقة ثابتة لا يمكن إنكارها، مؤكدا أن تحولات جيوسياسية في كامل المنطقة باتت ترجح الكفة نحو التعامل مع بلدان مجموعة البريكس والمعسكر الاقتصادي الشرقي، الذي أثبت قدرة تنافسية مهمة مقارنة بدول الاتحاد الأوروبي التي تعد الشريك التاريخي لمنطقة شمال أفريقيا.
وأكد حسن في تصريح لـ"العربي الجديد" بروز التحولات والنزوع نحو فك الارتباط الاقتصادي مع مجموعة اليورو ظهرت منذ أزمة كوفيد، التي كشفت الوجه الآخر لدول الاتحاد الأوروبي مقابل ليونة في تقديم الدعم الصحي والمساعدات من قبل الصين وبلدان أحرى في مجموعة "البريكس".
قدرة تنافسية
وفسّر وزير التجارة السابق تقدم دول مجموعة البريكس في الفوز بمناقصات دولية تطرحها تونس بالقدرة التنافسية الكبيرة التي أصبحت تملكها هذه الدول التي تقدم عروضا مالية وفنية أفضل بكثير من تلك التي تقدمها الدول الأوروبية. وتابع أن "الشركات الصينية قادرة على الفوز بكل المناقصات التي تطرحها تونس في مجال البناء والأشغال العامة لقدرتها الكبيرة على تنفيذ مشاريع بكلفة مناسـبة للإمكانيات المحلية".
كذلك قال حسن إن رغبة تونس في تنويع شركائها الاقتصاديين مرده تلكؤ دول الغرب والمؤسسات المالية الدولية التي تدين في قراراتها إلى هذه البلدان في مساعدة تونس خلال العامين الماضيين رغم الأزمة الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد ما يدفع نحو البحث عن شراكات وبدائل مالية خارج دائرة صندوق النقد الدولي وحلفائه.
وفسر الخبير المالي خالد النوري فوز الصين بمناقصات مهمة للبنية التحتية في تونس بقدرتها على تقديم عروض مالية أقل بكثير من العروض الأوروبية التي باتت مكلفة لبلد يعاني صعوبات اقتصادية على غرار تونس. وقال النوري في تصريح لـ"العربي الجديد" أن العروض الأوروبية باتت غير تنافسية نظرا لكلفتها العالية وانزلاق قيمة الدينار مقابل اليورو.
في المقابل أكد المتحدث أن فوز الصين بمناقصات مهمة لا يعني تغييرا في سياسات التعاون الاقتصادي التونسي، مؤكدا أن التعاون مع الصين وروسيا يظل محدودا في قطاعات خدماتية والتزويد بالمواد النفطية والحبوب، مقابل تنوع التعاون مع دول الاتحاد الأوروبي التي تعد شريكا أساسيا لتونس وتحتل استثماراتها مرتبة متقدمة في كوكبة الاستثمارات الخارجية للبلاد.
ومنذ 2022 وقعت تونس اتفاقا مبدئيا على مستوى الخبراء مع صندوق النقد الدولي، غير أنها لم تتمكن من الوصول إلى اتفاق نهائي بشأن تمويل بقيمة 1,9 مليار دولار بسبب تشدد الصندوق في شروط إصلاح قاسية رفضها الرئيس قيس سعيد. كذلك ربطت كل الدول المانحة تقديم مساعدات مالية لفائدة تونس بإحراز هذه الأخيرة تقدما في مفاوضاتها مع الصندوق وتوقيع الاتفاق النهائي معه.
وفي يوليو/تموز الماضي، وقعت تونس والاتحاد الأوروبي مذكرة تفاهم لإرساء "شراكة استراتيجية وشاملة" في التنمية الاقتصادية والطاقات المتجدّدة ومكافحة الهجرة غير النظامية. ويتضمن الاتفاق تقديم مساعدة لتونس بقيمة 105 ملايين يورو لمكافحة الهجرة غير النظامية، إضافة إلى 150 مليون يورو لدعم الميزانية. لكنّ هذه المساعدة مشروطة بتوصل تونس إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي للحصول منه على قرض جديد.
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي أعلن الرئيس التونسي قيس سعيد رفضه لعرض الدعم المالي لميزانية تونس الذي قدمه الاتحاد الأوروبي، معتبرا أن المقترح يتعارض مع مذكرة التفاهم الموقعة بين بلاده والاتحاد الأوروبي. وقال سعيد في لقاء جمعه بوزير الخارجية نبيل عمار حينها، إن تونس تقبل بالتعاون، ولا تقبل بما يشبه المنّة أو الصدقة، مؤكدا رفض بلاده لما تمّ الإعلان عنه من قبل الاتحاد الأوروبي.