يلوّح منتجو الحبوب في تونس بحجز محصول القمح هذا العام وعدم تسليم الكميات المجمعة احتجاجاً على ضعف الأسعار الحكومية في ظرف تتصاعد فيه أزمة الحبوب العالمية بسبب الحرب الروسية الأوكرانية التي تهدد تموين البلدان المستوردة للمواد الأولية لخبز مواطنيها.
وبسبب ضعف أسعار القمح المحلي وارتفاع كلفة الإنتاج يبحث مزارعون داخل منظماتهم أشكال التصعيد لإجبار الحكومة على إجراء تعديلات للأسعار تتماشى والمستجدات العالمية في سوق الحبوب، معلنين إمكانية الامتناع عن تسليم محاصيل الموسم الجديد وبيعها في مسالك موازية بأثمان يحددها قانون العرض والطلب.
ولا ترضي التعديلات التي أقرتها الحكومة على سعر الحبوب في شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي المنتجين الذين يعتبرون أنّ الكلفة أصبحت تتجاوز بكثير سعر البيع، ما تسبب في إنهاك مالي للمنتجين وفاقم خسائرهم، مطالبين بتوجيه دعم الغذاء نحو الإنتاج.
ويؤكد عضو تنسيقية فلاحون غاضبون (منظمة مدنية)، هيثم الشواشي، أنّ مزارعي الحبوب بالمحافظات الأكثر إنتاجاً، شمالي البلاد، يدرسون إمكانية حجر المحصول وعدم بيعه لديوان الحبوب، مؤكداً عدم قبول سياسة الأمر الواقع التي تريد الدولة فرضها على المنتجين.
ويقول الشواشي: "لن نقبل مستقبلاً بأسعار مرجعية تحددها الدولة من دون مراعاة لمصالح المنتجين، بينما يُدعم المزارع الأجنبي عبر شراء الحبوب من السوق العالمية بأسعار عالية".
يضيف المتحدث في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ المنتجين غير مجبرين على بيع محاصيلهم بأسعار بخسة، مؤكداً أنّ حجز المحصول وتوجيهه نحو صناعة الأعلاف أو ترويجه في مسالك موازية سيكون أكثر مردودية للمزارعين.
ينتقد الشواشي قبول السلطات بقانون العرض والطلب العالمي واستيراد الحبوب بأسعار مرتفعة بينما تريد فرض سياسة الأمر الواقع على المنتجين المحليين الذين يعانون من ارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج، وهو ما يفسّر عزوف المزارعين عن مواصلة الإنتاج.
ويلفت إلى أنّ معدل سعر شراء القمح الصلد الذي اعتمده ديوان الحبوب يقدر بـ190 ديناراً للقنطار زائداً كلفة الشحن، بينما اقتنى ديوان الحبوب القمح المحلي من الفلاحين بمعدل سعر في حدود 84 ديناراً للقنطار (الدولار = 2.95 دينار)، يضيف أنّ معدل سعر شراء القمح اللين ما قبل الحرب كان بين 110 و120 ديناراً، بينما بلغ سعر القنطار ما بعد الحرب 150 ديناراً للقنطار زائداً مصاريف الشحن مقابل سعر محلي بـ64 ديناراً فقط.
وفي ديسمبر/ كانون الأول الماضي أعلنت وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري عن رفع أسعار الحبوب عند الإنتاج بالنسبة للموسم الزراعي 2021/ 2022 بزيادة قدرت بـ13 ديناراً للقنطار الواحد لكلّ أصناف الحبوب.
وقالت وزارة الزراعة حينها إنّ هذه الزيادة "تندرج في إطار الحرص على توفير الظروف الملائمة لإنجاح موسم البذر ودعم الفلاحين النشطين في قطاع الزراعات الكبرى وتحفيزهم من أجل تطوير الإنتاج".
وتسعى السلطات التونسية إلى تفادي أزمة مخزونات القمح التي قد تنتج عن مزيد من تراجع الإنتاج المحلي المتأثر بمواسم الجفاف وزيادة أسعار مدخلات الإنتاج ما تسبب في إقصاء صغار الفلاحين من نشاط الزراعات الكبرى.
غير أنّ الحرب الروسية الأوكرانية فرضت واقعاً جديداً على الدول التي لا توفر خبز مواطنيها من إنتاجها الخاص، بعدما قفزت أسعار الحبوب لمستويات قياسية، ما قد يكلّف الموازنة نحو 1.3 مليار دينار إضافية لدعم الغذاء، بحسب تقديرات خبراء الاقتصاد.
ويؤكد عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الفلاحة والصيد البحري محمد رجايبة دعم منظمة المزارعين لمطالب الفلاحين بإقرار زيادة جديدة في سعر القمح على وقع المستجدات الجديدة في سوق الحبوب العالمية، ويقول لـ"العربي الجديد"، إنّ ديوان الحبوب يشتري القمح من السوق العالمية بـ400 دولار للطن بينما يشتري المنتج المحلي بـ870 ديناراً، أي ما يعادل 300 دولار، مطالباً بدعم الإنتاج المحلي لخلق الوفرة وكبح كلفة واردات الغذاء والتبعية للحبوب المستوردة.
ويعتبر أنّ السياسة الزراعية الحالية تدعم المنتج المستورد على حساب الإنتاج المحلي، مؤكداً أنّ ضعف الأسعار سيؤدي إلى حجز المزارعين للمنتج أو ربما بيعه في مسالك موازية أو تهريبه نحو الأقطار المجاورة، ويطالب بالتدخل السريع من أجل حوكمة المحصول القادم وتأمين تجميعه في أحسن الظروف.
تسعى السلطات التونسية إلى تفادي أزمة مخزونات القمح التي قد تنتج عن مزيد من تراجع الإنتاج المحلي المتأثر بمواسم الجفاف وزيادة أسعار مدخلات الإنتاج
وخلال الشهر الماضي، اقتنى ديوان الحبوب نحو 125 ألف طن من القمح اللين و100 ألف طن من الشعير في مناقصة.
وحسب تقييمات أولية، فإنّ أقل سعر للقمح اللين كان عند حدود 491.68 دولاراً للطن، شاملاً كلفة الشحن. يأتي ذلك فيما اشترت تونس نحو 100 ألف طن من القمح اللين في مطلع فبراير/ شباط، أي قبل نحو شهر فقط، بحوالي 350 دولاراً للطن شاملاً كلفة الشحن. وتعوّل تونس على محصول القمح الذي ينضج في يونيو/ حزيران المقبل لتأمين حاجيات البلاد لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر.
ولفت تقرير لاتحاد المصارف العربية إلى أنّ تونس تتصدر مرتبة متقدمة في تصنيف الدول العربية الأكثر استيراداً للقمح الروسي والأوكراني، ما يجعلها أكثر عرضة للتداعيات المالية المترتبة عن زيادة الأسعار.