بات التونسيون مهدّدين بأزمة عطش حادة، في ظل معاناة متواصلة من الجفاف الذي اشتد خلال الفترة الأخيرة، وطاولت آثاره السكان والزراعة والعديد من المجالات.
وعلى إثر هذه التطورات بدأت السلطات قطع مياه الشرب ليلاً بعدد من المناطق، في إطار خطة لخفض الاستهلاك وسط أزمة جفاف شديدة تحاصر البلد بسبب ندرة الأمطار خلفت سدوداً شبه فارغة، وألقت بظلالها على قطاع الزارعة المهدد بكوارث فادحة.
وشمل قطع المياه بعض مناطق العاصمة تونس ومناطق في محافظات الحمامات وسوسة والمنستير والمهدية وصفاقس.
وتعاني تونس من موجة جفاف خطيرة مستمرة منذ أربع سنوات، مما يهدد البلاد بالعطش، وهو ما دفع مسؤولين في وزارة الزراعة للقول إن الوزارة قد تشرع في قطع المياه ليلاً في الصيف لترشيد الاستهلاك في ظل شح مخزونات المياه. لكن يبدو أن استمرار قلة الأمطار دفع المسؤولين إلى اتخاذ هذا القرار مبكراً في بعض المناطق.
ودلالة على تفاقم الأزمة تتهيّأ المنظمة الزراعية في تونس لإعلان الجائحة الشاملة في أكثر من 70 بالمائة من مزارع الحبوب، بعد أن تسبب الجفاف في تضرر الزراعات الكبرى في جل محافظات البلاد، ما يهدد أمن البلاد الغذائي على امتداد السنة المقبلة.
وتعيش تونس هذا العام واحدة من أقسى سنوات الجفاف التي مرت بالبلاد، إذ يتواصل انحباس الأمطار لأشهر طويلة، ما تسبب في تضرر جزء كبير من مساحات الحبوب التي جرى بذرها بداية الموسم.
ولم يساعد نقص الأمطار هذا العام على اكتمال إنبات الحبوب، حيث تعرف أغلب المساحات تضرراً على مستوى الأجزاء الرئيسية للنباتات التي تمتد على نحو 800 ألف هكتار.
ويعمل اتحاد الفلاحة والصيد البحري (المنظمة الزراعية) على إجراء جرد شامل للمساحات المتضررة من أجل الإعلان الرسمي عن تضررها بشكل نهائي ومباشرة الإجراءات المتعلقة بإعادة جدولة قروض المزارعين والحصول على التعويضات اللازمة من صندوق الجوائح الطبيعية الذي جرى إحداثه سنة 2018.
من أسوأ المواسم
وقال عضو منظمة المزارعين المكلف بالزراعات الكبرى محمد رجايبية إن تونس تعيش هذا العام واحداً من أسوأ المواسم الزراعية بسبب الجفاف الشديد الذي ضرب البلاد.
وأكد رجايبية تضرر نحو 70 بالمائة من مساحات الحبوب، مشيراً إلى أن الضرر شمل أجزاء من محافظات باجة وجندوبة، إلى جانب تسجيل ضرر شامل في محافظات الكاف وسليانة وزغوان والقصرين والقيروان.
وأضاف رجايبية في تصريح لـ"العربي الجديد" أن كلفة خسارة 70 بالمائة من مساحات الحبوب ستكون عالية جداً على المزارعين والمنظومات الغذائية بأكملها.
وقال: "سيتضرر قطاع تربية الماشية وإنتاج الألبان كما ستجبر البلاد على توريد كميات كبيرة من الحبوب لتأمين الغذاء الأساسي من الخبز والمعجنات ".
وأشار إلى أن محافظات الشمال المنتجة للحبوب هي المزود الرئيسي لجميع محافظات البلاد من الأعلاف الخشنة، مؤكداً أن تضرر مزارع الحبوب سيؤدي إلى نقض كبير في غذاء قطعان المواشي.
ورجّح رجايبية ألا يتجاوز محصول الحبوب هذا العام ثلث محصول العام الماضي المقدر بأكثر من 7 ملايين قنطار، لافتاً إلى أن السلطات مطالبة بحسن التصرف في الكميات التي سيتم تجميعها من أجل توفير البذور للموسم المقبل.
وقالت وكالة الأنباء التونسية عن ديوان الحبوب (حكومي) في أغسطس/ آب الماضي إن "كميات الحبوب المجمعة بمختلف مناطق الإنتاج بلغت 7.433 ملايين قنطار".
وتضم هذه الكميات القمح اللين والشعير والقمح الصلب الذي حل على رأس هذه القائمة بأكثر من 6.6 ملايين قنطار.
وكانت وزارة الزراعة تخطط لتحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح الصلب بداية من عام 2023 بإنتاج 12 مليون طن، وذلك عبر تحفيز الإنتاج بالترفيع في ربحية القطاع وزيادة أسعار الحبوب عند الشراء من المنتجين المحليين.
وشملت خطة تحفيز الإنتاج التوسّع في مساحات إنتاج القمح الصلب إلى 800 ألف هكتار مقارنة بالمساحات الحالية التي تصل إلى 600 ألف هكتار.
أزمة الجفاف
خلال الصيف الماضي، كشفت وزارة البيئة أن تونس تسجل سنة جافة كل ثلاثة أعوام وأن 75 في المائة من التراب الوطني مهدد بالتصحر، وخاصة بمناطق الوسط والجنوب وهو ما يؤثر بصفة مباشرة على الإنتاج الفلاحي وعلى قطاعات استراتيجية.
وتعاني تونس منذ سنوات من ارتفاع مؤشر الحرارة وتراجع التساقطات المطرية، ما تسبب في انخفاض مخزونات السدود التي بلغ مستوى ملئها الـ30 بالمائة من طاقتها في أحسن الحالات.
شملت خطة تحفيز الإنتاج التوسّع في مساحات إنتاج القمح الصلب إلى 800 ألف هكتار مقارنة بالمساحات الحالية التي تصل إلى 600 ألف هكتار
وبسبب نقص الموارد المائية تضطر السلطات خلال السنوات الماضية إلى تقليص مساحات الزراعات المروية، وخاصة المخصصة منها لزراعة الحبوب، بينما يشكو الفلاحون باستمرار من تأثر المحاصيل من نقص الماء وغياب البدائل ومنها استغلال المياه الجوفية أو تحلية مياه البحر.
وتقدر الإمكانات المائية المتاحة في تونس بحوالي 4.8 مليارات متر مكعب سنوياً، تتوزع بين المياه السطحية والجوفية وتلك المتأتية من الأمطار.
وأظهرت الأرقام الرسمية أن مخزون سد سيدي سالم في شمال البلاد، وهو مزود رئيسي لمياه الشرب لعدة مناطق في البلاد، انخفض إلى 16 في المائة فقط من سعته القصوى البالغة 580 مليون متر مكعب.
وتقوم سياسة تونس في تعبئة الموارد المائية على إحداث المنشآت المائية، بهدف استغلال المياه السطحية، خاصّة عن طريق السدود الكبرى وتخفيف الضغط على الموارد الجوفية والحفاظ على ديمومتها.
لكن دراسة حول انعكاسات التغير المناخي على اقتصاد البلاد جرى نشرها من قبل وزارة البيئة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 أكدت أن تونس مهددة بفقدان مواردها الطبيعية، إذ يتوقع أن تواجه نقصاً حادّاً في محاصيل الحبوب بسبب الجفاف بمعدل الثلث من المساحة المزروعة لتبلغ مليون هكتار فقط بحلول 2030.
وتبعاً لذلك سيشهد القطاع الزراعي تراجعاً على مستوى الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تتراوح بين حوالي 5 و10 في المائة.
كما تتوقع الدراسة أن يتكبد القطاع الزراعي، بدوره، خسائر اقتصادية تعادل ما بين 5 و10 بالمائة من الناتج الداخلي الخام القطاعي، في غضون سنة 2030، بسبب اختلال المناخ.
عجز الميزان التجاري
تتعرض تونس، بشكل خاص، لاضطرابات في إمدادات الحبوب،إذ كانت قد استوردت السنة الماضية 60 بالمائة من احتياجاتها من القمح اللين، و66 بالمائة من احتياجاتها من الشعير من كلٍ من الاتحاد الروسي وأوكرانيا.
وقال الخبير الاقتصادي محسن حسن إن أي نقص من الإنتاج المحلي الغذائي سيعوّض عبر اللجوء إلى التوريد وهو ما يزيد ضغوط الميزان التجاري ويرفع الحاجة إلى العملة الصعبة لتسيير صفقات التوريد.
وأفاد حسن في تصريح لـ"العربي الجديد" أن عجز الميزان التجاري الذي يزيد
عن 25 مليار دينار مقابل انحسار موارد العملة الصعبة يهدد قيمة الدينار التونسي المهدد بمزيد التراجع مقابل اليورو والدولار.
شدد حسن على ضرورة تحفيز كل مصادر تعبئة الموارد بالعملة الصعبة لتأمين حاجيات البلاد من المواد الأساسية خلال الأشهر القادمة، لا سيما في ظل تأثيرات الجفاف على محاصيل الحبوب التي تعد عنصراً أساسياً في غذاء التونسيين.
قطع المياه
وفي نفس السياق، اضطرت الحكومة إلى قطع المياه في بعض مناطق العاصمة تونس ومناطق في محافظات الحمامات وسوسة والمنستير والمهدية وصفاقس، بسبب أزمة الجفاف.
وأظهرت الأرقام الرسمية أن مخزون سد سيدي سالم في شمال البلاد، وهو مزود رئيسي لمياه الشرب لعدة مناطق في البلاد، انخفض إلى 16 في المئة فقط من سعته القصوى البالغة 580 مليون متر مكعب.
وقال النائب بالبرلمان الجديد ياسين مامي في تصريحات صحافية إن مسؤولاً في الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه المملوكة للدولة أخبره أن سبب الانقطاع المتكرر للمياه في مناطق مدينة الحمامات ليس بسبب أعمال صيانة، وإنما يعود إلى سياسة تقسيط المياه لأن البلاد مهددة بشح المياه.
وأفاد سكان بعض مناطق العاصمة التونسية وبعض المدن الأخرى بأن سلطات البلاد بدأت منذ أسبوع قطع مياه الشرب ليلاً، في إطار ما يبدو أنها خطة لخفض الاستهلاك وسط أزمة جفاف شديدة تحاصر البلد بسبب ندرة الأمطار خلفت سدوداً شبه فارغة.
وقال حمادي الحبيب المدير العام لمكتب التخطيط والتوازنات المائية بوزارة الفلاحة إن إيرادات السدود التونسية سجلت انخفاضاً مليار متر مكعب بسبب ندرة الأمطار من سبتمبر/ أيلول 2022 إلى منتصف مارس/ آذار 2023.