رغم إعلان رئيس الوزراء بشر الخصاونة، أمس الثلاثاء، عن عودة الحياة إلى طبيعتها في ميناء العقبة، جنوب الأردن، في أعقاب حادث تسرب الغاز الذي نتجت عنه 13 وفاة وإصابة 250 شخصا، أول من أمس، إلا أن مراقبين ومختصين في الشأن الاقتصادي يرون أن العديد من القطاعات ستعاني من تداعياته خلال الفترة المقبلة، وخاصة في ما يتعلق بالمحاذير التي تبديها شركات الملاحة العالمية والمستثمرين.
ولا يحتمل اقتصاد الأردن وقوع مثل الحوادث كون العقبة هي الميناء البحري الوحيد له وكافة أنشطته التجارية استيرادا وتصديرا تتم من خلاله، بالإضافة إلى توجه بلدان مثل العراق لاعتماده كمرفأ تصديري لبضائعها والنفط بشكل خاص.
إهمال وطمأنة
شكل الحادث ضغطا كبيرا على الحكومة لمحاسبة المسؤولين المقصرين في عملهم أيا كانت مواقعهم في أعقاب تطابق المعلومات حول أن الإهمال وعدم توفير متطلبات السلامة العامة كانا السبب وراء سقوط صهريج الغاز لدى القيام برفعه وإعادة تحميله.
وباشر فريق تحقيق خاص عمله بإشراف وزير الداخلية بشأن الحادثة وسقوط وانفجار صهريج غاز سام في ميناء العقبة.
وأكد رئيس الوزراء بشر الخصاونة أن الأمور أصبحت آمنة وتحت السيطرة وعادت الحياة إلى طبيعتها في مدينة العقبة وموقع الحادثة.
كما استؤنفت، حسب الخصاونة، حركة الموانئ والملاحة عملها بشكل كامل ويعمل المنفذ الحدودي بانتظام.
الحكومة مسؤولة
حمل مواطنون ومختصون في عمل الموانئ وأعضاء في مجلس النواب الحكومة المسؤولية عن حادث الميناء.
وقال رئيس لجنة النقل والسياحة والخدمات العامة في مجلس النواب ماجد الرواشدة، لـ"العربي الجديد"، إن الحكومة وإدارة الميناء تتحملان كامل المسؤولية عن الحادثة بسبب تجاهل كافة المطالب التي أكدت سابقا على أهمية الارتقاء بمنظومة العمل داخل الميناء وهو المنفذ البحري الوحيد للأردن.
وأضاف أن حاويات المواد الخطرة يجب أن تنقل في ظروف خاصة ووسط إجراءات سلامة عامة مشددة، وبحيث يكون لها ونشات (رافعات) خاصة بأربعة أذرع، لكن ما أظهرته الصور ومقاطع الفيديو أن عملية التحميل كانت تجري بواسطة سلك قديم وغير صالح، إلى جانب غياب الرقابة على متطلبات السلامة المهنية.
وأشار إلى أن الحادث ستكون له آثار اقتصادية مباشرة وغير مباشرة وذلك من خلال الانعكاسات السلبية على حركة السياحة والنقل وتصدير وتوريد السلع خلال الفترة المقبلة.
صوامع القمح مهدّدة
قال مدير عام شركة الصوامع الأردنية (حكومية) عماد الطراونة، لـ"العربي الجديد"، إن عمليات الكشف المبدئي على مخزون القمح في صوامع العقبة أظهرت عدم تأثره بتسرب الغاز وتم أخذ عينات لإجراء الفحوصات المخبرية اللازمة، وأشار إلى عدم وجود بواخر محملة بالقمح في ميناء العقبة عند وقوع الانفجار.
ويستورد الأردن احتياجاته من القمح عبر الأسواق العالمية بواسطة البواخر عن طريق ميناء العقبة وبحجم كميات يقدر بحوالي مليون طن سنويا، ما يؤشر إلى الأهمية الاستراتيجية للميناء بالنسبة للأمن الغذائي الأردني بشكل عام.
مخاوف شركات الملاحة
ومن جانبه، قال الخبير الاقتصادي حسام عايش، لـ"العربي الجديد"، إن الخسائر الناتجة عن الحادثة كبيرة جدا، وأهمها فقدان عدد من الأشخاص وإصابة آخرين إضافة إلى الخسائر المباشرة على الوضع الاقتصادي بشكل عام والوضع التمويني، حيث يستورد الأردن 80% على الأقل من احتياجاته التنموية من الخارج وأي تعطل للميناء بسبب حوادث مماثلة قد يؤثر على المخزون الاستراتيجي من السلع.
وأكد الخبير الاقتصادي أن من التداعيات المحتملة قيام شركات الملاحة أو بعضها برفع كلف التأمين واتخاذ إجراءات احترازية خلال الفترة المقبلة، إضافة إلى تأثر النشاط اليومي في الميناء والتأثير على حركة الاستثمار لدى بعض رجال الأعمال.
وبين أن شركات الملاحة تعتبر الحوادث المماثلة لهذا الحدث عوامل مخاطرة تستوجب أخذ الاحتياطات اللازمة لها.
وطالب عايش بإعادة النظر في منظومة العمل داخل ميناء العقبة بحيث يتم تحديد المشكلات ومعالجتها وتحديث الآليات والروافع وتطبيق معايير السلامة المهنية بشكل دائم.
وبالنسبة للمشاريع التوسعية والاستثمارية في العقبة، قال: بالتأكيد إنها ستستمر لكن يجب تفادي حدوث مشكلات مماثلة للفترة المقبلة ما يؤدي إلى عزوف المستثمرين وضعف الجاذبية الاستثمارية للمنطقة.
الميناء الوحيد
وتتميز منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة بموقع استراتيجي يشكّل نقطة التقاء لقارتين هما آسيا وأفريقيا، ومفترق طرق لأربع دول تمتد على طول الساحل الأردني على البحر الأحمر، هي الأردن ومصر والسعودية وإسرائيل، ويخدم المنطقة ميناء بحري حديث ومطار دولي.
وقال رئيس جمعية المصدرين الأردنيين عمر أبو وشاح، لـ"العربي الجديد"، إنه يجب الانتباه أكثر إلى أهمية الميناء كونه الوحيد للأردن وأن مثل هذه الحوادث تؤدي إلى مشكلات كبيرة للاقتصاد الأردني واحتمال تأثر تجارة الأردن استيرادا وتصديرا، ما يتطلب تحديث كافة أدوات العمل من آليات وتجهيزات فنية ومراعاة مستلزمات السلامة المهنية.
وأضاف أن عمليات تحميل وتنزيل البضائع توقفت لمدة 10 ساعات في ميناء الحاويات والأمور عادت لطبيعتها بعد ذلك.
وقامت الأجهزة الأمنية والتحقيقية بإنزال الرافعة والحبل الحديدي الذي كان مربوطا فيها بوجود المدعي العام والمختبر الجنائي وفريق المواد الخطرة، حيث نتج الحادث بالأصل عن سقوط خزان للغاز أثناء عملية رفعه.
ويبلغ حجم تجارة الأردن الخارجية استيرادا وتصديرا سنويا حوالي 22 مليار دولار معظمها تتم من خلال ميناء العقبة.
وقال مفوض السياحة والبيئة في سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة نضال المجالي إن تعليمات المناولة في ميناء العقبة تشترط وجود لجنة أمنية مختصة في مناولة المواد الخطرة، وإن مناولة هذا النوع من الصهاريج تتم ضمن شروط احترازية عالية جدا وإجراءات سلامة عامة، وطالب لجنة التحقيق ببيان أوجه الخلل، إن وجد، بكل شفافية ومنطقية.
وقال: "لقد انحصر تأثير الغاز المتسرب جراء سقوط وانفجار صهريج يحتوي على مادة غاز الكلورين في ميناء العقبة"، كما أكد أنه لا وجود لضرر على الصحة العامة نتيجة الحادث.
قالت نقابة المهندسين الأردنيين إن المتابعات الأولية لحادثة سقوط وتحطم خزان مواد كيميائية في ميناء العقبة تشير إلى غياب تدابير سلامة العمليات الكيميائية في نقل المواد السامة
وكان المجالي قد أوضح أن سرعة الرياح في موقع الحادث التي بلغت نحو 9.1 أمتار في الثانية، واتجاهها الشمالي ساهم في منع توسع انتشار المادة وأنه لا انتشار لأي غازات أو روائح أو أضرار باتجاه المدينة من موقع الحادث ولا تراكيز عالية تؤثر على الصحة في الموقع.
غياب تدابير السلامة
لاقت الحكومة انتقادات واسعة بسبب عدم وجود احتياطات سلامة كافية، إذ قالت نقابة المهندسين الأردنيين إن المتابعات الأولية لحادثة سقوط وتحطم خزان مواد كيميائية في ميناء العقبة تشير إلى غياب تدابير سلامة العمليات الكيميائية في نقل المواد السامة، ما أدى إلى وقوع وفيات وإصابات جراء تسرب غاز الكلور.
ومن جانبه، قال المختص في القضايا العمالية موسى الصبيحي إن الانفجار يدل على ضعف في إجراءات السلامة وتدابير الوقاية في بيئة العمل في الميناء، وأن بيئة العمل في الموانئ حساسة وخطرة إلى حد كبير سواء، ما يتعلق بمشغلي الرافعات والعاملين على الآليات الثقيلة وعمال التحميل والتنزيل وكل من يتطلب عملهم التعامل مع الغازات والكيماويات وغيرها من المواد السامّة والخطرة، الأمر الذي يتطلب إجراءات وتدابير احترازية ووقائية محكَمة للغاية ومراقَبة بشكل حثيث حتى لا تقع حوادث وإصابات العمل.
وأضاف أن هذه الإجراءات ملزمة للمنشآت الخاضعة لأحكام قانون الضمان الاجتماعي، وينبغي إيجاد الوسائل المناسبة والناجعة لضمان تنفيذها على أرض الواقع كإجراءات وقاية للحد من حوادث وإصابات العمل.