بدأ الحديث مبكراً عن إعادة إعمار غزة التي قد تصل تكلفتها المبدئية إلى 50 مليار دولار، بسبب فداحة الخسائر وحجم المباني والبنية التحتية الهائل الذي دمره العدوان الإسرائيلي على القطاع.
وفي هذا الإطار أعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أن بلاده ستبذل جهوداً لإعادة بناء المستشفيات والمدارس والبنية التحتية المدمرة بعد وقف إطلاق النار مباشرة.
كذلك كان ملف إعادة الإعمار حاضراً على طاولة الرئيس الأميركي، جو بايدن، الذي كتب في مقال رأي بصحيفة واشنطن بوست، السبت الماضي، أنه يجب على المجتمع الدولي إنشاء آلية لإعادة الإعمار لتلبية احتياجات غـزة على المدى الطويل وبشكل مستدام.
إلا أن آلية إعادة الإعمار التي يتحدث عنها بايدن تأتي في إطار حديثه عن أنه "ينبغي إعادة توحيد غزة والضفة الغربية تحت هيكل حكم واحد، وفي نهاية المطاف تحت قيادة السلطة الفلسطينية"، حسب تعبيره.
وفي سياق الحديث عن ملف إعادة الإعمار، يكشف الباحث التركي، علاء الدين شنكولر، عن عدم قدرة تركيا المالية على التكفّل بإعادة إعمار قطاع غزة بمفردها، لأن التكاليف قد تفوق 50 مليار دولار حين تتوقف الاعتداءات الإسرائيلية.
وأوضح أن تصريح الرئيس التركي، حول تعهّد إعادة الإعمار، لا يعني أبداً تحمّل كل نفقات إعادة الإعمار كاملة، ولكن قد تبني تركيا بعض المرافق وتعيد مشفى الصداقة التركي، بالإضافة إلى أعمال أخرى.
ويضيف الباحث المتخصص بدراسات الجدوى والأبحاث الاقتصادية لـ"العربي الجديد" أنه في ظل خوف معظم قادة المنطقة من التصريح بشأن إعادة الإعمار أو إرسال معداتها وفنيي الإعمار، جاء كلام الرئيس أردوغان، وهو يعلم يقيناً، أن لدى تركيا من المتخصصين وشركات البناء والمقاولين، وحتى المواد الأولية، ما يساهم في إعمار القطاع.
ولكنه يستدرك: سيأتي ذلك بعد التباحث والاتفاق مع الدول الداعمة والمنظمات الدولية وتأسيس الصناديق اللازمة للتكفل بمصاريف إعادة الإعمار.
ويذكر الباحث التركي أن الحرب لم تنتهِ أولاً، كذلك فإن حرب التدمير والإبادة التي أعلنتها إسرائيل منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لم تضع أوزارها، ما يصعّب تقدير التكاليف أو حجم الأضرار.
وكان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قد أعلن أن بلاده ستبذل جهوداً لإعادة بناء المستشفيات والمدارس والبنية التحتية المدمرة في غزة حال التوصل إلى وقف إطلاق نار هناك.
وقال أردوغان للصحافيين الأحد الماضي: "في حال التوصل إلى وقف لإطلاق النار، سنفعل كل ما يلزم للتعويض عن الدمار الذي سببته إسرائيل". وأكد أن تركيا ستبذل جهوداً لإعادة بناء البنية التحتية المتضررة في غزة، وإعادة تشييد المدارس والمستشفيات ومرافق المياه والطاقة المدمرة.
كذلك دعا الرئيس التركي إلى فتح تحقيق على المستوى الدولي بشأن الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة، مشيراً خلال خطاب ألقاه خلال الدورة الـ62 للجمعية العامة للاتحاد الوطني لطلبة تركيا بإسطنبول إلى أن تركيا ستتقدم "عبر أكثر من ألفي محام، بشكوى إلى الجهات المعنية ضد الإبادة الجماعية في غزة، سنتابع الأمر حتى النهاية، وسيُدفَع ثمن ذلك".
وأكد ضرورة متابعة هذه الجريمة والتحقيق فيها على مستوى دولي، و"يجب أن ينال الظالمون العقوبة التي يستحقونها" وإلا "لو قام كل مكون إرهابي بقتل الناس كيفما يشاء مستقوياً بدول مثل الولايات المتحدة وأوروبا، فهذا يعني أن النظام العالمي فسد تماماً".
ومن جانبه، يعتبر المحلل التركي، سمير صالحة، انتهاء الحرب الاسرائيلية على غزة شرطاً أساساً وأولياً، قبل التفكير في إعادة الإعمار، لأن الحديث عن الإعمار أو إحصاء التكاليف، غير ممكن بواقع استمرار القصف وما تعلنه دولة الاحتلال من التوسع في عدة مناطق بالقطاع والتوقعات بمزيد من التدمير وخراب البنى والمرافق والمنازل بغزة.
ويشير صالحة خلال تصريح لـ"العربي الجديد" إلى أن تركيا أعلنت استعدادها لبناء المرافق التعليمية والخدمية، ولكن ليس كما نقلت بعض وسائل الإعلام عن الرئيس أردوغان "قبل انتهاء الحرب"، لأن ذلك برأيه مستحيل.
وأكد أن حكومة بلاده تسعى لحشد تأييد دولي لوقف إطلاق النار أولاً، بالتوازي مع مساندة أهل غزة بإعمار ما هدمته آلة الحرب الاسرائيلية، من دون أن تتوقف عن إرسال المساعدات عبر مصر من جهة والمشاركة بأسطول كسر الحصار ومدّ سكان غزة بالغذاء والدواء عبر أسطول الحرية الذي يعد له الآن من جهة ثانية.
ويضيف المحلل التركي أن لدى بلاده "خبرات كبيرة" بقطاع الإنشاءات، كذلك لديها المواد الأولية اللازمة لإعادة الإعمار، مذكراً بإعادة إعمار ما تهدم في الولايات التركية العشر التي ضربها الزلزال في شباط/فبراير العام الماضي، وسبّب تهديم وإيذاء أكثر من 1.2 مليون مبنى ومقتل نحو 43 ألف إنسان، مقدراً تكاليف إعادة إعمار الولايات المنكوبة في العدوان الحالي بأكثر من 50 مليار دولار.
وتتزايد الأضرار وأعداد الشهداء بواقع استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، بعد أن دمرت آلة الحرب مئات المدارس والمشافي وأخرجت محطة كهرباء غزة وخلايا الطاقة الشمسية عن الخدمة ودمرت 50 مقراً حكومياً ومحطات ضخ المياه الثلاث وأخرجت ست محطات تحلية مياه عن الخدمة، بخطة تجويع وتعطيش وإبادة سكان غزة.
ولم تسلم دور العبادة، فضلاً عن مراكز المنظمات الدولية، من الاعتداءات الاسرائيلية، إذ دمر الاحتلال ثلاث كنائس بعد أن دمر نحو 70 مسجداً، ودائماً الأرقام مرشحة للزيادة بواقع استمرار الحرب، كما يقول الباحث الفلسطيني عضو مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية محمود الزغموت.
ويرى زغموت أن الحديث اليوم عن إعادة الإعمار لا يزال باكراً، وعلى الجميع أن يبحث بالجرائم التي ارتكبها الاحتلال الاسرائيلي بحق أهلنا بغزة، التي وصلت إلى جرائم الحرب والإبادة الجماعية والتطهير العرقي، لأن الكلام عن إعادة الإعمار والمساعدات أو حتى إنشاء صناديق دعم وتمويل، كما بعد كل حرب على غزة، يدفع الاحتلال إلى مزيد من الجرائم والشعور بالإفلات من المحاسبة، مع تأكيدنا ضرورة الإعمار وإيواء أهلنا بعد تهديم منازلهم وتشريدهم ونسف جميع المرافق والبنى.
ويشير الزغموت في تصريح لـ"العربي الجديد" إلى حجم الدمار الهائل الذي طاول أكثر من 45 ألف وحدة سكنية في شمال القطاع، شملت المنازل والأبراج السكنية ودور العبادة والمراكز الصحية والتعليمية. فعلى صعيد المدارس والمشافي "نحن أمام 244 مدرسة دُمِّرَّت، آخرها مدرسة الفاخورة والمجزرة التي نتجت منها".
كذلك هدمت آلة حرب الاحتلال، أو أخرجت عن العمل، مشافي: الإندونيسي والعيون الدولي وبيت حانون والأهلي العربي والميداني الأردني والمعمداني والشفاء والصداقة التركي، وما بقي من مراكز صحية مهدد بالتوقف بعد منع وصول الأدوية والوقود.
وحول تقدير الأضرار وتكاليف إعادة الإعمار، يكشف الباحث الفلسطيني أن الحديث اليوم عن حجم الخراب أو تكاليف الإعمار "يبقى منقوصاً"، لأن الاعتداء لم يزل مستمراً، بل مرشحاً بواقع الصمت الدولي، للتوسع والدخول برياً بمدن شمالي القطاع، وصولاً إلى رفح جنوباً، ولكن لدينا أرقام وتقديرات، وهي منسجمة مع الأرقام والتقديرات التي صدرت عن الجامعة العربية.
وأضاف "نحن حتى اليوم أمام تدمير وخروج 35 مشفى عن الخدمة، تكاليف إعادتها للعمل تراوح بين 1.7 و2 مليار دولار، وأمام تدمير مدارس ومراكز تعليمية مستمر ومتوقع أن يطاول 550 مدرسة، تُقدَّر تكاليف إعمارها وعودتها نحو 2.1 مليار دولار".
ومع تأكيد صعوبة إحصاء دقيق لحجم الأضرار، يشير الزغموت إلى أن إعادة الإعمار لن تقلّ عن 40 مليار دولار، والرقم مرتبط بمدى الصمت والتواطؤ الدولي واستمرار الاحتلال بالتهديم وقتل الفلسطينيين.
ويختم الباحث الفلسطيني قائلاً إن قطاع غزة يعيش حصاراً وتفقيراً، حتى قبل حرب "طوفان الأقصى"، ويعاني الاقتصاد فيه من تراجع أداء بجميع القطاعات.
وتوقع مستقبلاً "قاسياً" للقطاع بعد طرد إسرائيل العمالة من داخل الأراضي المحتلة وتهديم "كل شيء"، وفي المقدمة الورش والمنشآت الصغيرة والأراضي الزراعية التي تقدَّر بنحو 18% من كامل مساحة القطاع المكتظ بالسكان صاحب "أكبر كثافة سكانية في العالم إلى جانب هونغ كونغ، إذ يعيش أكثر من 2.3 مليون فلسطيني على مساحة لا تزيد على 365 كيلومتراً مربعاً.
وكان البيان الختامي للقمة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية التي انعقدت في الرياض 11 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري في العاصمة السعودية الرياض، قد أكد "ضرورة حشد الشركاء الدوليين لإعادة إعمار غزة والتخفيف من آثار الدمار الشامل للعدوان الإسرائيلي فور توقفه"، كذلك الدعوة لإنشاء صندوق لإعمار غزة.
وجاء ضمن "آليات الحل" التي طرحتها القمة، من دون تحديد الكيفية أو تكليف دول محددة أو حتى اللجنة التي قيل عنها خلال القمة، أن يؤسَّس صندوق عربي لدعم غزة إلى جانب الدعوة إلى زيادة التمويلات الدولية.
وكانت تكلفة عدوان الاحتلال على القطاع في عام 2014 تقدَّر بنحو 8 مليارات دولار، إذ قدر تقرير أعده مهندسون من المجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والإعمار (بكدار)، آنذاك الخسائر المباشرة وغير المباشرة للعدوان بنحو 4.4 مليارات دولار.
فيما وضعت ميزانية بقيمة 3.02 مليارات دولار للحاجات التنموية، بما يشمل الميناء ومحطة تحلية المياه وغيرها، كذلك رصد 450 مليون دولار للحاجات الإغاثية العاجلة. وكان آخر عدوان في عام 2021، ورغم ذلك كانت عمليات إعادة الإعمار تسير ببطء شديد، ولم تفِ الكثير من الدول بتعهداتها في هذا الملف.