تتواصل "حرب الأسعار" في الجزائر، حيث ضرب التجار تعليمات وتهديدات الحكومة المتعلقة بضبط الأسعار عرض الحائط، وفرضوا منطقهم على جيوب الجزائريين المنهكة من غلاء المعيشة، ورفعوا أسعار الخضر والفواكه، وسط غياب تام لأعوان الرقابة، ما يُنبئ باشتداد القبضة بين تجار الجملة والتجزئة وبين الحكومة يكون المواطن هو الخاسر فيها.
وشهدت أسعار الخضر والفواكه ارتفاعات كبيرة في الأيام الأخيرة، خاصة تلك المعنية بهوامش الربح المحددة من طرف وزارة التجارة الجزائرية، نظراً لارتفاع الطلب عليها، ما أثار سخط المواطنين، الذين وجدوا أنفسهم بين مطرقة ملء قفة "الغذاء"، وسندان جشع التجار، ومُبررهم هو ارتفاع الأسعار في جميع حلقات السلسلة التجارية.
غلاء قياسي
في سوق القبة الشعبي بإحدى ضواحي العاصمة الجزائرية، سجل سعر الليمون على سبيل المثال ارتفاعاً قياسياً، حيث قفز من 200 دينار (1.60 دولار) إلى 300 دينار (2.06 دولار)، أما التمر الذي تقبل العائلات على اقتنائه بكثرة، فقد وصل سعره إلى 700 دينار (4.80 دولارات)، رغم أنه منتج محلي.
أما اللحوم فقد قفزت أسعارها إلى 1200 دينار (8.27 دولارات) للحم العجل، و1600 دينار (12.34 دولاراً)، و1400 دينار (9.65 دولارات) للحم الخروف و350 ديناراً (2.41 دولار) للحم الدجاج.
أسعار وأرقام فاجأت الجزائريين، خاصة أنها تأبى النزول منذ رمضان المنصرم، وجعلتهم يتخوفون حيال صمود الرواتب الهزيلة أمام غلاء المعيشة، في وقت تعيش فيه القدرة الشرائية للمواطنين تراجعاً كبيراً في السنوات الأخيرة بفعل انهيار قيمة الدينار.
يقول المتقاعد عبد القادر بلميهوب إن "كل شيء مرتفع سعره بل "ملتهب" يكوي الجيوب، لا أفهم كيف للتمر أن يكون سعره ضعف سعر الموز المستورد من نصف الكرة الأرضية الآخر (أميركا اللاتينية)".
وأضاف لـ"العربي الجديد" أن "التجار الجشعين هم نفسهم من رفضوا الحراك الشعبي ضد نظام عبد العزيز بوتفليقة"، ويتهم "العصابة البوتفليقية"، حسب كلامه، "بنهب البلاد وأكل حقوق المواطنين وهم يفعلون أكثر منهم بكثير".
في السياق نفسه، قال الموظف في شركة خاصة رفيق صايجي لـ"العربي الجديد" إن "المواطن صار يسير بالأولويات في التسوق، فعلى سبيل المثال الفواكه أصبحت لمن استطاع إليها سبيلاً، ومن اللحوم نأخذ أقل من نصف كيلوغرام، أيعقل أن الجزائري الذي يعيش في أغنى دول أفريقيا أصبح يشتري ما يحتاج إليه بالمفاضلة، وأحياناً يغادر السوق دون أن تمتلئ قفته".
التجار يدافعون عن أنفسهم
من جانبهم، برّأ تجار ذمتهم من غلاء الأسعار، مؤكدين لـ"العربي الجديد" أن الأسعار مرتفعة في أول حلقة بالسلسلة التجارية وهي أسواق الجملة، وهو ما قاله نور الدين أحد تجار الفواكه والخضر في السوق الشعبية في ضاحية "القبة"، الذي قال إن "الأسواق تعاني يومياً من المضاربين والمحتكرين الذين يفرضون أسعارهم، أيعقل أن يأخذ تاجر الجملة فائدة أكثر من المزارع المنتج، يجب مضاعفة الرقابة على أسواق الجملة، مكمن المشكل".
وكانت الحكومة قد قررت اتخاذ جملة من التدابير تحسباً لكبح ارتفاع المواد واسعة الاستهلاك، حيث قررت إغراق الأسواق بالسلع المخزنة والموضوعة في غرف التبريد، بالإضافة إلى إعفاء المواد المستوردة واسعة الاستهلاك من الرسم الجمركي الإضافي المقدر بين 30 و200 بالمائة، وقبلها تم سن قانون يجرم المضاربة والاحتكار والتخزين غير المصرح به بعقوبات تصل إلى 30 سنة سجناً.
إجراءات حكومية مرفوضة
غير أن هذه الإجراءات سرعان ما قابلها التجار وحتى الأعوان (الموظفون) التابعون لوزارة التجارة بالرفض، ما قوض من نجاعتها في كبح ارتفاع الأسعار.
ففي سوق الكاليتوس؛ أكبر أسواق الجملة للخضر والفواكه في الجزائر، أكد تجار لـ"العربي الجديد" غياب الرقابة، ما أضر بمبدأ حرية التنافس التجاري.
من جانبه، كشف ممثل أعوان الرقابة محمد لمين عطوي في حديث مع "العربي الجديد" عن "وجود عدد كبير من التجار الكبار، لا تطاولهم الرقابة، بسبب النفوذ الذي يمتازون به مع بعض المسؤولين، حيث يمنع أعوان الرقابة من تحرير محاضر المخالفات التجارية أو حتى دخول المحلات والفضاءات التجارية لمثل هؤلاء التجار الذين يتمتعون بنفوذ وقوانين خاصة".
وطالب أعوان الرقابة "بتمكينهم من الوصول لكبار التجار وتطبيق القوانين عليهم كغيرهم من التجار العاملين في الميدان، وكشف هؤلاء بأنّ بعضاً من هؤلاء يقعون في المحظور ويمارسون الكثير من المخالفات لكنّ النفوذ والمكالمات الهاتفية مع المسؤولين يفشلان عملية تحرير محاضر في حقهم".