يتصاعد الصراع في اليمن ليطوق ثروات النفط والغاز التي تتركز في محافظة مأرب شمال البلاد، التي يشتد حصار الحوثيين لها في مسعى للسيطرة عليها بأي ثمن، بينما تتمترس قوات الحكومة الشرعية للإبقاء على المحافظة تحت سيطرتها.
وتتخوف الحكومة من أن تشكل سيطرة الحوثيين على مأرب، أهم مراكز الغاز والنفط اليمني، بداية تحول كبير في مسار الحرب، فسقوطها يعني بسط النفوذ على منبع الثروات، فضلا عن فقدان آخر مناطق سيطرة القوات الحكومية في الشمال، ما يجعل هدف هزيمة الحوثيين واستعادة صنعاء "شبه مستحيل"، إضافة إلى احتمالات التوسع الحوثي باتجاه الجنوب والشرق.
مخاوف توقف الحقول
وأثارت شركة صافر الحكومية التي تشرف على أهم الحقول النفطية والمورد الرئيسي للاقتصاد اليمني، المخاوف في البلاد، بعد توقف الحقول الثلاثة التي تديرها في منطقة صافر بمنطقة الوادي شرقي مأرب، الأسبوع الماضي، في خطوة اعتبرها خبراء في قطاع الطاقة مؤشرا مقلقا ناتجا عن تقدم الحوثيين في الأطراف الجنوبية من المحافظة، ما دفع الشركة الحكومية إلى الإقدام على تنفيذ مثل هذا الإجراء.
وأدى ذلك إلى توقف تغذية السوق بالمشتقات النفطية وارتفاع أسعارها بشكل حاد في بعض المناطق والمدن مثل مأرب، مع وصول صفيحة البنزين سعة 20 لتراً إلى 30 ألف ريال (20 دولاراً).
لكن مصدرا مسؤولا في الشركة أفاد، في تصريح لـ"العربي الجديد"، بأن "ما تم تنفيذه إجراء روتيني في عمليات الصيانة لمصافي مأرب لنحو عشرة أيام، تضمن صيانة وحدات التقطير الخام، ووحدات محسن البنزين، والتكسير التحفيزي للسوائل، وأن الشركة عاودت العمل مرة ثانية وتغذية السوق المحلي بكميات مضاعفة من المشتقات النفطية".
غلاء الوقود والنقل
وفي الوقت الذي يتصارع فيه الفرقاء على ثروات النفط، تتواصل أزمة الوقود في مختلف المحافظات ولاسيما جنوب اليمن الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا، مع انخفاض كبير في المعروض وارتفاع قياسي في الأسعار. وما زالت مشاهد الطوابير الطويلة تتكرر أمام محطات الوقود، في أكثر من مدينة، إذ اشتكى المواطنون من شح وغلاء الوقود الامر الذي يفاقم أوضاعهم معيشية المتدهورة في وقت تتهاوي فيه قدراتهم الشرائية.
كما تشهد أجور المواصلات ارتفاعات غير مسبوقة في عدن وعدد من المناطق اليمنية، مع تواصل انهيار العملة المحلية وتجاوزها 1500 ريالاً مقابل الدولار وذلك للمرة الأولى منذ سبع سنوات.
وتضاعفت معاناة المواطنين في مثل هذه المحافظات والمناطق مترامية الأطراف، والتي يضطر معها الموظفون المدنيون لإنفاق مبالغ طائلة للوصول إلى مقرات أعمالهم ودوائرهم الوظيفية.
ويأتي ذلك رغم الإجراءات الحكومية للحد من أزمة الوقود، إذ أقدمت السلطات الحكومية المعنية مؤخرا، على تعيين مدير جديد لشركة النفط اليمنية الحكومية، في إطار توجهاتها لمواجهة أزمة الوقود. وأعقب هذا القرار مذكرة صادرة من محافظ عدن أحمد لملس، مرسلة إلى رئيس الحكومة معين عبدالملك، يطالب فيها البنك المركزي اليمني في عدن بتحرير نشاط شركة النفط الوطنية، ومنحها امتيازات المصارفة للعملة الصعبة.
صراع على مصادر التمويل
وبينما طاول الدمار الذي تسببت فيه الحرب على مدار نحو سبع سنوات، العديد من المرافق الخدمية في مختلف المحافظات، امتد الصراع إلى مصادر التمويل المختلفة، ومنها النفط والغاز والموانئ.
وقال الخبير في الهيئة اليمنية للاستكشافات النفطية، طارق عبد الباسط، لـ"العربي الجديد"، إن هناك استنزافا وتدميرا حقيقيا للمورد الاقتصادي الرئيسي في اليمن منذ منتصف العام الماضي، بعد انحصار المعارك العسكرية في مناطق اليمن الشرقية مأرب والجوف وشبوة، التي تعمل فيها أهم الحقول النفطية المنتجة.
وأكد عبد الباسط أن البنية التحتية الخاصة بالمشاريع النفطية وخطوط الإنتاج والنقل شبه مدمرة ومعطلة ومتوقفة عن العمل، ومنها منشأة بلحاف الاستراتيجية في شبوة التي لا تزال محاطة بالتوترات والاحتقانات الأمنية والعسكرية، حتى بعد إعلان الإمارات، كما تناقلت وسائل الإعلام، انسحابها من المواقع العسكرية والمدنية التي كانت تسيطر عليها في شبوة.
وقبل نحو شهر، أحكم الحوثيون قبضتهم بشكل مفاجئ على ثلاث مديريات في محافظة شبوة الاستراتيجية، مع مواصلة هجومهم العسكري المكثف باتجاه محافظة مأرب المجاورة، إضافة إلى ما تلا ذلك من انسحاب الإمارات من مواقعها وارتفاع حدة التوترات العسكرية بين السلطة المحلية والقوات الحكومية والمجلس الانتقالي الجنوبي الذي يضع شبوة في مقدمة أهدافه للسيطرة عليها بنفس الطريقة التي بسط بها نفوذه على بعض المناطق والمحافظات في جنوب اليمن.
تقاسم الكعكة الاقتصادية
وقال الباحث الاقتصادي أمين العليمي، لـ"العربي الجديد"، إن الصراع الآن والمعارك المستعرة بالتوازي مع تحرك دولي مكثف للأمم المتحدة والمجتمع الدولي، لتقاسم الكعكة الاقتصادية، مع سعي كل طرف لتوسيع سيطرته الميدانية على أهم المناطق الاستراتيجية، وهو ما يلاحظ في تصاعد حدة التوترات والأزمات المركبة والمتعددة بين أكثر من طرف.
وأشار العليمي إلى بروز سيناريو غامض يتمثل في الانسحابات المتتالية للتحالف بقيادة السعودية والإمارات والتشكيلات العسكرية التي تدعمها في أكثر من موقع ومنطقة، أهمها وأكثرها غموضاً ما حدث في الحديدة شمال غربي اليمن، بما يشبه تسليم الحوثيين للمواقع والمناطق التي كانت تتمركز فيها ألوية العمالقة المدعومة إماراتياً، وهو ما يعد بمثابة تسليم محافظة الحديدة ومينائها الاستراتيجي للحوثيين.
مأرب وشبوة
وتعد مأرب وشبوة من بين 20 محافظة يمنية أهم ما تبقى من جغرافيا للحكومة المعترف بها دولياً، في ظل انتشار الصراع على بقية المحافظات التي يسيطر الحوثيون على ما يقارب 9 محافظات منها، بينما تخضع عدن ومناطق في جنوب اليمن لنفوذ المجلس الانتقالي المدعوم إماراتياً، في حين ما زالت هناك محافظات محل نزاع وصراع وحرب ضروس بين مختلف الأطراف المتنازعة.
وعملت الحكومة اليمنية، قبل نحو عامين، على استئناف محدود لعملية إنتاج النفط في محافظة مأرب شمال شرق اليمن قطاع (18) عبر المشغل الوطني شركة صافر لاستكشاف وإنتاج الخام، وبلغ إنتاج صافر 20 ألف برميل يومياً، يكرر منها 8 إلى 10 آلاف برميل محلياً، فيما يتم تصدير المتبقي، إضافة إلى استئناف الإنتاج من حقول المسيلة في حضرموت جنوب شرقي اليمن، عبر المشغل الوطني شركة بترو مسيلة لإنتاج واستكشاف النفط، بحوالي 33 ألف برميل يومياً.
وتقدر إحصائية رسمية اطلعت عليها "العربي الجديد" الاحتياطي النفطي في اليمن بنحو 11.9 مليار برميل، منها 4.78 مليارات برميل قابلة للاستخراج بالطرق الأولية والحالية، بينما يصل إجمالي مخزون الغاز إلى نحو 18.2 تريليون قدم مكعبة.
المواطنون محرومون من الثروات
وبينما تتصاعد الحرب بين المتصارعين على ثروات اليمن، يشير تقرير حديث لمنظمات يمنية ودولية، إلى أن جميع أطراف الحرب استخدموا التجويع كأسلوب من أساليب الحرب، إذ أعاق سلوكهم بشكل كبير وصول المدنيين إلى الغذاء والماء، وقد قاموا بذلك بالرغم من علمهم الواسع بالوضع الإنساني المزري في اليمن، حيث كان الناس، بمن فيهم الأطفال، يموتون من الجوع.
ووثق التقرير، الذي اطلعت عليه "العربي الجديد"، تحقيقات ميدانية استمرت لمدة عام، كيف حرمت أطراف النزاع المدنيين من المواد الضرورية لبقائهم على قيد الحياة، لافتا إلى أن الأسلوب الذي تم به تنفيذ الهجمات يشير إلى القصد في تدمير مصادر الغذاء مثل المحاصيل في الأراضي الزراعية والماشية، وكذلك إعاقة ترميم البنية التحتية وزراعة الأراضي في المستقبل.
وترجح تقارير اقتصادية أن القيود المفروضة من قبل جميع الأطراف على عملية التنقل والشحن التجاري والتوزيع بين المدن أثرت بشكل سلبي كذلك على القوة الشرائية للسكان، وبالتالي وصولهم إلى الغذاء والماء.