أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن مساء يوم الثلاثاء، حظر واردات النفط الروسية، في إطار محاولات التحالف الغربي ضرب مفاصل الاقتصاد الروسي وفي القلب منه قطاع النفط الذي درّ على الخزانة الروسية نحو 110 مليارات دولار العام الماضي، وذلك عقاباً على قرار روسيا غزو أوكرانيا.
القرار الأميركي ستكون له تداعيات خطيرة على أسواق النفط العالمية وأسعار المشتقات البترولية من بنزين وسولار وغاز طبيعي، كما سيشعل موجة التضخم في الأسواق العالمية خاصة داخل الدول المستورة للوقود والذي تستخدمه على نطاق واسع خاصة في قطاعات الصناعة والإنتاج والنقل والشحن والطيران والزراعة.
ويكفي القول إن المليادرير الأميركي جيفري جوندلاش توقع عقب القرار زيادة التضخم في الولايات المتحدة إلى 10% هذا العام، وهو مستوى تاريخي لم يحدث منذ سنوات طويلة.
كثيرون استغربوا قرار بايدن في هذا التوقيت الحرج، خاصة وأن أسعار النفط والغاز شهدت زيادات قياسية منذ الغزو الروسي لأوكرانيا واقتربت الاسبوع المجاري من حاجز الـ 140 دولارا للبرميل.
كما أن المواطن الأميركي بدأ يتذمر من قفزات التضخم وأسعار البنزين التي وصلت إلى معدلات بدأت تؤثر سلباً على قدرته الشرائية ورفاهيته ولا تتناسب مع نسبة النمو في دخله، فقد رفعت كل محطات وقود السيارات بالولايات المتحدة أسعار المشتقات البترولية بأكثر من 30%.
وفي كل الأحوال فإن القرار الأميركي يمثل شرخاً في التحالف الغربي تجاه روسيا، إذ رفضت معظم الدول الأوروبية وفي مقدمتها ألمانيا وتركيا الانضمام لقرار واشنطن في فرض حظر على النفط الروسي.
لكن يبدو أن للإدارة الأميركية رأياً آخر في إصرارها على قرار حظر واردات النفط الروسي، مدعية أنها لا تخشى هذه الخطوة سواء على المواطن أو على مؤشرات الاقتصاد، من معدلات نمو وتضخم وفرص توظيف وغيرها.
هنا نحن أمام 3 احتمالات قد تفسر اتخاذ هذا القرار الجريء في هذا التوقيت:
الاحتمال الأول، إما أن الولايات المتحدة أنجزت بالفعل صفقة أو اتفاقاً نهائياً بشأن البرنامج النووي مع إيران والذي يتيح لنفطها العودة إلى الأسواق الدولية وضخ أكثر من 3.6 ملايين برميل يومياً، على أن ترتفع الكمية إلى أكثر من 4 ملايين برميل وربما أكثر في وقت لاحق، وبالتالي يتم بهذه الخطوة تعويض جزء من النفط الروسي الذي سيتم حبسه عن الأسواق الدولية بموجب العقوبات الأميركية الجديدة.
لكن الكميات التي ستضخها إيران ليست كافية بموجب الصفقة أو الاتفاق الجديد مع واشنطن لتعويض غياب الخام الروسي في الأسواق الدولية، حيث يتجاوز إنتاج روسيا من النفط الخام 10 ملايين برميل يومياً تصدر منها ما بين 5 و7 ملايين برميل، وبذلك تعد روسيا ثاني أكبر مصدر للنفط الخام بعد السعودية، كما أن واردات الولايات المتحدة من النفط الروسي تتجاوز 20 مليون برميل شهرياً.
الاحتمال الثاني، أن يكون قد جرى الاتفاق بين واشنطن وفنزويلا بشأن السماح لصادراتها النفطية بالعودة إلى الأسواق الدولية وتخفيف العقوبات الأميركية المفروضة منذ سنوات على تلك الصادرات، مع التذكير هنا بأن فنزويلا تصنف على أنها أحد أهم مصدري النفط في العالم، وكانت قد تصدرت المركز الأول في احتياطات النفط عالمياً، لتبلغ حصتها من إجمالي الاحتياطي العالمي 17.5%، و303.8 مليارات برميل مع حلول نهاية عام 2020.
وهنا يجب التذكير بأن عدداً من المسؤولين الأميركيين البارزين سافروا سراً إلى فنزويلا، قبل أيام، في محاولة لإذابة الخلافات التاريخية الطويلة مع نظام الرئيس نيكولاس مادورو، وفتح قنوات اتصال ثم اجراء مفاوضات مع أبرز حلفاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أميركا الجنوبية، وأحد أهم مصدري النفط الذي قد تخفف عودته إلى أسواق الطاقة الأميركية والعالمية من تداعيات فرض الحظر على النفط الروسي.
الاحتمال الثالث، أن تكون إدارة بايدن قد ضغطت على دول الخليج لتعويض ما ستفقده الأسواق العالمية من نفط روسي جراء القرار الأخير، علماً بأن الإدارة الأميركية أرسلت عدة رسائل لكل من السعودية، أكبر منتج للنفط داخل منظمة "أوبك"، والإمارات، لحثهما على زيادة الإنتاج وتعويض النقص المحتمل من النفط الروسي.
لكن وبحسب المعلومات المتاحة كانت ردود الفعل الخليجية باردة تجاه تلك الضغوط الأميركية بذريعة التزام دول الخليج بما يتم الاتفاق عليه داخل تحالف "أوبك+" والذي تقوده الرياض وموسكو في الفترة الاخيرة والذي نجح في وقف تهاوي أسعار النفط خلال جائحة كورونا.
وفي حال عدم تحقق الاحتمالات الثلاثة أو أحدها، فإننا نكون أمام مغامرة أميركية ستشغل أسواق النفط، وقد نرى سعر البرميل عند 150 دولاراً خلال الفترة المقبلة وربما 200 دولار إذا ما مارست الغدارة الأميركية ضغوطا على الحلفاء لضمهم لمؤيدي قرار حظر النفط الروسي.
وهذا لوحده يمثل تحدياً كبيراً لدول العالم، خاصة أوروبا والدول العربية المستوردة للنفط والمشتقات البترولية من بنزين وسولار وغيرهما، بل وقد يمثل شرارة احتجاجات في العديد من دول العالم تفوق تلك الاحتجاجات التي شهدتها بعض البلدان قبل 10 سنوات.