يبدو أن "حفلة الدولار" في مصر قد هدأت بعض الشيء وأنها قاربت على النهاية، وأن شهر عسل الجنيه المصري قد مر سريعاً ولم يصمد حتى لفترة تزيد عن الشهر، والدليل استقرار سعر صرف الدولار في البنوك، وتوقف موجة التراجع الحادة في سعر العملة الأميركية مقابل الجنيه، والتي فقدت على أثرها ما يقارب 14% من قيمتها خلال فترة لا تتجاوز الأسبوعين.
من الدلائل الملموسة على هدوء "حفلة الدولار" توقف وسائل الإعلام عن الحديث عن انهيار مرتقب في قيمة الدولار، وفتور حماس كبار الإعلامين أنفسهم للحفلة الصاخبة والمرتبة التي أقيمت بناء على تعليمات من بعض كبار المسؤولين بالدولة، كما قالت الإعلامية لميس الحديدي في إحدى حلقاتها، حينما أكدت رفضها المشاركة في هذه الحفلة وعدم المشاركة في سياسة الخداع، لأنه لا توجد أي مقومات على أرض الواقع تبرر هذا الانهيار للدولار، كما قالت.
ومن الدلائل التي رصدتها وكالة بلومبيرغ الاقتصادية الأميركية على أن فترة شهر العسل للعملة المصرية اقتربت من النهاية إشارتها لمؤشر مهم يتعلق باستثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومية، حيث قالت إن المستثمرين الأجانب غابوا تماما تقريبا عن الاكتتاب في أخر عطاءين طرحتهما وزارة المالية المصرية لمرتين متتاليتين، في الوقت الذي كان هؤلاء يمثلون المشتري الوحيد في مزادات أذون الخزانة،
كما تزامنت خطوة تراجع صخب "حفلة الدولار" مع صدور تحذيرات لمؤسسات مالية دولية من أن "سعر الجنيه قد ارتفع أكثر من اللازم، وأن تراجعها مرة أخرى في الأيام المقبلة لن يفاجئنا على الإطلاق"، وأن من بين هذه المؤسسات ستاندرد بنك البريطاني وشركة رينيسانس كابيتال العالمية.
ومع أفول نجم "حفلة الدولار" واستيعاب الصدمة من قبل حائزي الدولار أكبر الخاسرين في الحفلة الأخيرة، خرج علينا كثيرون يتساءلون بدهشة واستغراب: هل حقا كان تراجع سعر الدولار بسبب حدوث تطور حقيقي في الاقتصاد، مثل زيادة الإنتاج والصادرات غير البترولية وتحسن أنشطة الاستثمار المباشر والسياحة وتحويلات المغتربين وإيرادات قناة السويس، أم أن الجزء الأكبر للتراجع كان ناتجاً عن عوامل مختلطة بعضها اقتصادي وأغلبها نفسي، وأن التراجع الحاد الأخير في سعر العملة الأميركية لا يرتبط بحدوث تحسن حقيقي في مؤشرات الاقتصاد.
كما أدرك هؤلاء أن من أبرز أسباب التراجع في سعر الدولار زيادة القروض الخارجية التي حصلت عليها البلاد خلال شهر يناير من عام 2017 والتي تجاوزت 5 مليارات دولار منها 4 مليارات دولار في شكل سندات، والتراجع الحاد في الطلب على الدولار من قبل المستوردين، إضافة لعامل مهم وهو الركود الذي أصاب الأسواق بسبب قفزات الأسعار وتجاوز معدل التضخم 30%، وزيادة حدة الكساد بين التجار وعزوفهم عن الاستيراد، إلى جانب زيادة استثمارات الأجانب في أذون الخزانة والبورصة، وهي أموال ساخنة قد يكون ضررها للاقتصاد أكثر من نفعها؟
كل ذلك بات معروفاً، خاصة للمتابعين لهذا الملف في مصر مثل المضاربين في العملة، لكن ما يشغل ملايين المصريين، هو هذا السؤال المهم بالنسبة لهم: متى تتراجع أسعار السلع، ولماذا لم تتراجع الأسعار خلال الأيام الماضية رغم التراجع الحاد الأخير في سعر الدولار؟ وإذا كانت حفلة الدولار بهذا الصخب والعنف، ما الذي ترتب عليها للمستهلك ورجل الشارع؟
"حفلة الدولار" قد تتجدد مع أول طلب حقيقي للعملة الأميركية، وهذا الطلب يمكن أن يكون بداية شهر مارس القادم مع بدء موسم العمرة وفتح الاعتمادات المستندية المطلوبة لاستيراد سلع شهر رمضان، كما يمكن أن يتجدد مع تلبية البنوك احتياجات عملائها الدولارية سواء كانوا أفراداً أو شركات، وسواء كانت هذه الاحتياجيات لأغراض التجارة والاستيراد أو حتى لأغراض السياحة والعلاج والتعليم في الخارج.
ومع تجدد الطلب المتوقع على العملة الأميركية، خاصة مع حرص الحكومة على خفض الأسعار من بوابة الدولار، هل في هذه الحالة سيخرج علينا بعض الإعلاميين مرة أخرى محذرين من حيازة العملة الأميركية وضرورة التخلص منها بسرعة وكأنها عملات سورية والعراق وفنزويلا والصومال كما تم في الحفلة الأخيرة، وماذا سيكون مبرراتهم لدعوة حائزي الدولار بسرعة التخلص مما في حوزتهم من نقد أجنبي حتى لا يتعرضوا لخسائر فادحة كما صوروا قبل أيام.