حلب عاصمة سورية الاقتصادية... بؤرة صراع منذ اندلاع الثورة

02 ديسمبر 2024
متاجر مغلقة بزقاق سوق العتيق في حلب كانت تخضع للترميم من أضرار الصراع(لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الانتعاش الاقتصادي في حلب بعد التحرير: بعد تحرير حلب، عادت الآمال إلى المناطق المحررة شمال غربي سورية، حيث تعتبر حلب العاصمة الاقتصادية لسورية بفضل صناعاتها وتجارتها المتنوعة، وتعد مركزاً مهماً للصناعات الزراعية والتجارية.

- فرص العمل والاستثمار: تحرير حلب يمثل فرصة كبيرة لتعزيز الاقتصاد من خلال تشغيل العمالة وزيادة الإنتاج، ويعزز موقعها المجاور لتركيا من فرص زيادة الصادرات، مع توقع عودة الصناعيين والمستثمرين.

- التحديات والمستقبل الاقتصادي: رغم التفاؤل، تواجه حلب تحديات مثل الحاجة إلى استقرار الأوضاع ووقف العمليات العسكرية، لكن تحريرها يفتح الباب أمام استثمارات إقليمية ودولية بفضل انخفاض تكاليف العمالة ووفرة المواد الأولية.

 

عادت آمال المناطق المحررة، شمال غربي سورية، بعد تحرير "عاصمة سورية الاقتصادية" حلب إلى الانتعاش، فهي مدينة الصناعة والتجارة الأولى بسورية، رغم ما لحقها من تهجير منشآت ورساميل وما أصاب شعبها من تراجع قدرة شرائية، أثرت على كمية الإنتاج ونوعه وبطء حركة الأسواق والنشاط بمدينة كانت الأكثر إنفاقاً ورفاهية بسورية.
وبحسب بيانات رسمية، تنقسم محافظة حلب إلى 10 مدن أكبرها حلب التي تعد أقدم وأشهر المدن في العالم، وثماني مناطق و40 ناحية وعشرات القرى تمتد على مساحة 18 ألف كيلومتر مربع، بينما تبلغ مساحة مدينة حلب نحو 190 كيلومتراً مربعاً، وتتميز بتنوع تضاريسها من سهول وتلال وأراض خصبة، إذ تقع وسط مفترق بين الفرات والبحر المتوسط.
 

تشغيل العمالة وعودة الملايين

كل ذلك يجعل من المدينة المحررة عاملاً إضافياً ونقطة قوة للمعارضة السورية، سواء بتشغيل العمالة وزيادة الإنتاج، والأهم، في رأي مراقبين، استعادة معظم النازحين من المخيمات وعلى الحدود مع تركيا، أو حتى اللاجئين، بتركيا وغيرها، إن عرفت المعارضة، كيفية خلق بديل وعامل جذب لعودة اللاجئين والأموال.
يقول وزير الاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة، عبد الحكيم المصري لـ"العربي الجديد": "تبلغ مساحة حلب نحو 10% من مساحة سورية وسكانها نحو 4.5 ملايين نسمة، وهي العاصمة الصناعية والتجارية فثلث صناعات سورية بحلب وتشغل نحو ربع اليد العاملة بسورية". ساهمت المحافظة قبل عام 2011 بربع الناتج الإجمالي، بنحو 15 مليار دولار وبنصف الصادرات، عدا النفطية، فحلب وفضلاً عن ريادتها الصناعية والتجارية. يتابع أنّ حلب من أكثر المدن السورية إنتاجاً زراعياً من قمح وشعير وقطن وزيتون وأشجار مثمرة كاللوزيات والفستق الحلبي.

يضيف الوزير السوري في الحكومة المؤقتة: "يأتي موقع حلب الجغرافي، المجاور لتركيا، عاملاً يضاف إلى ميزاتها الاقتصادية وزيادة الصادرات، التي تأتي جلها من إنتاج المدينة الصناعية الشيخ نجار، كبرى المدن الصناعية بسورية والتي استقطبت، نحو 2.5 مليار دولار حتى عام 2011.
وحول أثر التطورات على المعارضة اقتصادياً، يشير الوزير إلى أنه بعد تحرير حلب وغربها من المدن الغنية بالزراعة والصناعة، تبدو الآمال كبيرة لاستعادة دور "العاصمة الاقتصادية" حسبما يطلق عليها السوريون، بعد أن تراجع دورها وإنتاجها خلال الأعوام الأخيرة وهروب المستثمرين والصناعيين، جراء الضغوطات والإتاوات والتضييق على الحريات والعمل الإنتاجي، يختم وزير الاقتصاد في الحكومة السورية المعارضة.

فرصة لعودة دوران عجلة الاقتصاد

من جانبه، يرى الاقتصادي السوري محمد حاج بكري، أن استعادة المعارضة محافظة حلب "يعتبر مكسباً وبداية لتحريك الاقتصاد السوري برمته" بعد الذي وصفه بالتعطيل وتهجير الرساميل، بسبب "الإتاوات المفروضة منذ خمسة أعوام على القطاعات الصناعية والتجارية" في ظل معوقات الإنتاج وزيادة تكاليفه، من جراء قلة المشتقات النفطية ورفع أسعار الكهرباء وغلاء المواد الأولية وندرتها.
يضيف حاج بكري في حديثه لـ"العربي الجديد" أن المدن والمناطق الصناعية بحلب وبمقدمتها مدينة "الشيخ نجار الصناعية" والمدن بالريف الحلبي "مدينة الباب الصناعية، المنطقة الصناعية في الراعي، المدينة الصناعية في جرابلس، والمدينة الصناعية في مارع وأعزاز" كانت أهم روافد الإنتاج السوري وتصدر نحو نصف صادرات سورية، ما يعني بداية الآمال لاستيعاب اليد العاملة، وامتصاص البطالة وعودة الإنتاج.
وتوقع عودة الصناعيين الذين هربوا وجذب استثمارات، سورية المهاجرة ورؤوس أموال عربية ودولية، لأن العائق في ما مضى، بحسب بكري، كان في عدم الاستقرار ومخاوف الرساميل من قصف النظام وروسيا، في حين اليوم وبعد تحرير كامل محافظة حلب وإدلب ووصول الثوار إلى ما بعد حماة، تم بسط الأمن ليضاف إلى عوامل الجذب، من رخص اليد العاملة ووفرة المواد الأولية "حلب ثاني منطقة منتجة للزراعة".
ويتابع حاج بكري: من خلال تجوالي بريف حلب الغربي، يمكنني القول إن محافظة حلب خزان سورية البشري والاقتصادي، وتمتلك جميع عوامل الجذب، منها الحدود مع تركيا، متوقعاً أن تبدأ الأموال والاستثمارات التي هاجرت بالعودة وقدوم استثمارات إقليمية، سواء بقاع العقارات أو الصناعة، مستشهداً بالاستثمارات التي جذبتها محافظة إدلب بعد تحريرها عام 2015 من نظام الأسد.
 

محطات الصراع منذ اندلاع الثورة

مرت محافظة حلب ومركز المدينة، التي استعادها الثوار يوم الجمعة الماضي، بتبدلات، منذ أن قام السوريون بثورتهم عام 2011 وشهدت المدينة أول مظاهرة مناوئة لنظام الأسد في 12 أغسطس/آب 2011 "جمعة لن نركع إلا لله" وفي يوليو/تموز من عام 2012 سيطر الجيش السوري الحر على نحو 70% من المدينة (30 حياً تشكل النصف الشرقي من حلب وبعض المواقع التاريخية بالمدينة) لكن قوات النظام تعاملت مع الأحياء المحررة من حلب، بالحديد والنار وقصفتها بالبراميل، بخاصة مع بداية عام 2014، ما دفع أكثر من مليون مقيم إلى النزوح وترافق ذلك مع تهديم بنى تحتية ومنشآت صناعية وهجرة معامل إلى تركيا.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

ومنذ تدخل روسيا في سبتمبر/ أيلول 2015 بدأ الخطر يحيق بحلب جراء السعي لاستعادتها إلى مناطق سيطرة النظام، وجرت معارك عدة انتهت في يوليو/تموز 2016 بسيطرة قوات النظام على طريق "الكاستيلو"  لتصبح حلب أكثر المناطق المحاصرة من حيث كثافة السكان في مساحة لا تتجاوز ثلاثين كيلومتراً مربعاً، قبل اتفاق الهدنة مع النظام الذي أخلى الأحياء المحاصرة في شرق حلب من المدنيين والمسلحين.

في انتظار الاستقرار

يقول رجل أعمال سوري مقيم بتركيا رفض ذكر اسمه: "ننتظر ريثما تستقر الأمور وتتضح الصورة، بعد ذلك سنعود إلى حلب ونرمم منشآتنا ونعاود الإنتاج والتصدير كما السابق". يضيف رجل الأعمال لـ"العربي الجديد": "لكن، بصراحة لا يمكننا العودة قبل معرفة طبيعة الحكم والقانون بحلب، واستقرار الوضع ووقف العمليات العسكرية، فالمخاوف من القصف الجوي أو هجوم النظام وحلفائه المعاكس، يضع الرساميل بحالة تردد، فإن سارت الأمور بشكل جيد واستقر الوضع بحلب وتم توفير الطاقة ولم نسجل أية تجاوزات، وقتها ليس هناك ما يمنعنا من العودة". وحول توقعاته بعودة الرساميل التي هاجرت من حلب، يشير رجل الأعمال السوري إلى أن "أهم الرساميل التي هاجرت من حلب استقرت في تركيا، وكونت مجتمع أعمال ومنشآت صناعية وتجارية رائدة في جنوب تركيا (غازي عنتاب وكلس وأنطاكيا) وتعترف تركيا بدور تلك المنشآت بخاصة بقطاع التصدير فمساهمة الشركات السورية بنحو 10% من الصادرات التركية".

يتابع: "كما استقرت منشآت ورساميل في مصر، وأسست منشآت بصناعة الغزل والنسيج والصناعات الغذائية، وعودة الرساميل أو تقسيم الأعمال بين البلدان الجديدة وحلب مرتبط بمدى الجدوى والأمان والحرية بالتعامل التجاري، والأهم الاستقرار وتوقف القتال والقصف". ولا يرى رجل الأعمال السوري، أن "التريث يأتي ضمن ما يقال عن أن رأس المال جبان، بل ريثما نعرف أين ستؤول التطورات بعد التحرير الكبير الذي حققه الثوار" مبيناً أن مناخ الاستثمار اليوم "مغرٍ ليس في حلب المدينة فقط، بل في المدن التابعة للمحافظة، مثل عفرين وأعزاز وجرابلس وتل رفعت والسفيرة ومنبج وعين العرب".
تعاقبت على حلب حضارات عدة مثل الآرامية والآشورية والفارسية والهيلينية والرومانية والبيزنطية والإسلامية. وفي العصر العباسي برزت حلب عاصمةً للدولة الحمدانية التي امتدت من حلب إلى الجزيرة الفراتية والموصل.

وتشتهر مدينة حلب بالصناعات الكهربائية بأنواعها والمعدات والآلات الصناعية وصناعة هياكل السيارات وقطع الغيار والسيراميك والملابس الجاهزة والبلاستيك والصناعات الدوائية والكيميائية، إضافة إلى الصناعات التقليدية كالغذائية وصناعات الجلود والأقمشة والنسيج وحياكة الحرير والصابون والنقش على الزجاج والنحاس. وتعد حلب مركزاً تجارياً في مجال الزراعة، إذ تنتج القمح والقطن والشعير والخضروات والفواكه والمكسرات والسمسم، وتختص بالفستق الحلبي، الذي تشتهر به وتصدره عالمياً.
 

غرفة تجارة حلب وأسواقها

تأسست غرفة تجارة حلب عام 1885، لتكون أقدم غرف التجارة في العالم العربي، وتزيد من دور حلب التجاري الدولي، نظراً إلى موقع المدينة الجغرافي، وتعاظم دور حلب التجاري خلال الإمبراطورية العثمانية، لتكون الثالثة، بعد إسطنبول والقاهرة.
وامتازت حلب، جراء تقدم التجارة والصناعة، فضلاً عن التصدير إلى الخارج، بوجود أسواق متخصصة، سمّيت بأسماء الحرف والصناعات، كمثل سوق العطارين وسوق الحدادين وسوق النحاسين وسوق النسوان، وتعد أسواقها السبعة والثلاثون الشرقية والمتصلة، واحدة من أطول الأسواق الأثرية المسقوفة بالعالم، إذ تمتد إلى مساحة تزيد عن 17 كيلومتراً وتضم أكثر من 15 ألف محل.
ويأتي سوق "السقطية" بوصفه أشهرَ أسواق حلب، كونه عقدة وصل بين سوق باب أنطاكية وسوق العطارين، وتقع إلى الجنوب من المسجد الأموي الكبير وإلى الغرب من سوق العطارين، على مقربة من اثنتين من أعرق خانات حلب، خان الحرير والبنادقة، وهي عبارة عن ثلاث قباب مدببة من الداخل ومرتفعة ترتكز على قطع معمارية ركنية. ويتألف السوق من 53 محلّاً تجارياً تتنوع تخصصاتها بين المأكولات الشعبية والحلويات التراثية والمعجنات والمواد الأولية. كما تمتاز حلب بخانات متخصصة بحسب الإنتاج والنشاط التجاري، مثل خان الصابون والقصابية والكتّان والنقر والبنادقة، وغيرها.

المساهمون