خبيران اقتصاديان عربيان: أسعار الطاقة تتجه للانخفاض في 2025

03 نوفمبر 2024
جانب من منشأة نفطية في حاسي مسعود الجزائرية، 22 فبراير2023 (Getty)
+ الخط -

تشير توقعات خبيرين اقتصاديين وتقرير حديث للبنك الدولي إلى اتجاه أسعار مواد الطاقة في العام 2025 إلى الانخفاض، حيث رجح الخبيران تراجعا في الأسعار يراوح بين 7 و9%، في حين توقع البنك الدولي أن تقوم دول غير أعضاء في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) بتكثيف إنتاجها من النفط، ما سيؤدي إلى تغذية الفائض والمساهمة في انخفاض أسعار المواد الخام بنحو 10%، بحلول نهاية عام 2026.

وأرجع الخبيران الاقتصاديان، في تصريحات لوكالة الأنباء القطرية (قنا) اليوم، تراجع الأسعار إلى فائض المعروض النفطي وتباطؤ النمو الاقتصادي في الصين، بالإضافة إلى انخفاض حدة التوتر في عدد من مناطق العالم. وفي هذا السياق، قال ناصر جهام الكواري الخبير في مجال النفط والغاز، إن توقعات سوق الطاقة لعام 2025 تشير إلى استمرار فائض العرض في النفط، مما سيؤدي إلى ضغوط على الأسعار.

وتوقع الخبير الاقتصادي أن يبلغ متوسط سعر خام برنت حوالي 73 دولارا للبرميل، في حين يتوقع أن يصل سعر خام غرب تكساس الوسيط (WTI) إلى 71 دولارا للبرميل، وهو ما يمثل انخفاضا بنسبة تراوح بين 7 - 9% مقارنة بالعام السابق.

وأردف أن الفائض في العرض يأتي نتيجة زيادة الإنتاج من منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، كما تم التصريح في آخر اجتماع لهذه المنظمة، وكذلك زيادة الإنتاج في المناطق خارج (أوبك+)، مثل أميركا الشمالية والبرازيل وغويانا.

وتابع: "علاوة على ذلك، أعلنت الصين أن توقعاتها للناتج المحلي الإجمالي لعام 2025 ستكون أقل من المتوقع، مما سيدفعها إلى خفض وارداتها من النفط الخام، ويضيف المزيد من الضغوط على الطلب العالمي. وفي الوقت نفسه، لا تزال القضايا الجيوسياسية مثل التوترات في الشرق الأوسط والحرب الروسية الأوكرانية تؤثر على استقرار إمدادات النفط، رغم وجود قدرة احتياطية كبيرة لتخفيف أي اضطرابات".

بدوره اعتبر عمر غرايبة، الأستاذ المشارك في إدارة المخاطر الاستثمارية بجامعة آل البيت بالأردن، أن تقدير اتجاهات أسعار الطاقة في المستقبل يشكل تحديا بالغ التعقيد، وذلك لوجود عوامل متعددة تتجاوز عوامل العرض والطلب التقليدية، كالتغيرات في المخاطر الجيوسياسية، ومدى توسع رقعة الحرب في منطقة الشرق الأوسط.

وقال غرايبة: "إضافة إلى التوترات التجارية المتزايدة والعقوبات الاقتصادية بين الشرق والغرب، فإن السياسات النقدية من البنوك المركزية تلعب دورا كبيرا في مستويات الطلب على النفط، إلى جانب سرعة واستجابة منظمة (أوبك+) لهذه الظروف المتغيرة لتحقيق التوازن بين هذه المستويات، جميع العوامل السابقة تخلق منظومة ديناميكية تتسم بعدم اليقين".

ولخص غرايبة اتجاهات أسعار النفط لعام 2025 في ثلاثة سيناريوهات، أولها السيناريو غير العادي للأسواق، والذي يمكن أن يصل فيه برميل النفط إلى 130 دولارا، وتعد احتماليته ضعيفة. وتوقع في هذا السيناريو أن يشهد الاقتصاد العالمي طلبا كبيرا، بسبب تزايد المخاطر الجيوسياسية وتوسع رقعة الحرب في الشرق الأوسط، وتعَرقل سلاسل إمداد الطاقة في المضايق المائية، مع تزايد في التوترات التجارية بين الشرق والغرب، مما يؤدي إلى نقص حاد في المعروض النفطي، لترتفع أسعار النفط إلى مستويات عالية جدا، بسبب الاختلالات بين قوى الطلب والعرض، وعدم القدرة على السيطرة على الأسعار.

ووصف غرايبة السيناريو الثاني بالمتفائل، حيث يتوقع أن يصل برميل النفط إلى 90 دولارا، واحتمالية حدوثه أكثر من السيناريو الأول. وأوضح في هذا السيناريو إمكانية تحقيق الاقتصاد العالمي نموا قويا بسبب انخفاض المخاطر الجيوسياسية والتوترات التجارية بين الشرق والغرب من جهة، وتوجه البنوك المركزية في معظم دول العالم نحو السياسة النقدية التيسيرية من جهة أخرى، حيث تقوم البنوك بتخفيض معدلات الفائدة، ويضغط انخفاض معدلات الفائدة على الدولار الأميركي بالتراجع، ويرفع معنويات المستثمرين بسبب تكلفة الدين القليلة، ويفتح شهيتهم نحو الاستثمار أو التوسع في استثماراتهم.

وقال الأستاذ المشارك في إدارة المخاطر الاستثمارية بجامعة آل البيت في الأردن إن الوضع المشار إليه سيعزز الطلب العالمي النسبي على النفط، وبالتالي سترتفع أسعار النفط إلى مستويات عالية، مما يفيد الدول المصدرة بشكل كبير، لكنه يزيد تكاليف الطاقة عالميا، وبالتالي تتدخل منظمة (أوبك+) لتحقيق التوازن بين قوى الطلب والعرض العالمي، لأجل المحافظة على استقرار أسعار النفط، وتمنعها من الارتفاع الشديد في الأسواق العالمية بزيادة المعروض النفطي عن طريق زيادة الإنتاج.

كما وصف غرايبة السيناريو الثالث بالواقعي والأكثر احتمالية، حيث يصل برميل النفط إلى 50 دولارا، وهو ما تتوقعه الولايات المتحدة لتخفيض معدلات التضخم العالمية. 

ويفترض هذا السيناريو استمرار الاقتصاد العالمي في التباطؤ والركود التدريجي، بسبب استمرار التوترات التجارية وفرض العقوبات الاقتصادية، خاصة على الصين، حيث تعد الصين أكبر مستورد للنفط في العالم، وتتداخل مع دول العالم في سلاسل الإمداد والتوريد، مما يؤدي إلى تراجع الإنتاج الاقتصادي العالمي، ويسبب انخفاضاً حاداً في التجارة الدولية، وبالتالي يتعمق التباطؤ الاقتصادي ويتراجع الطلب العالمي على النفط.

وستشهد أسعار النفط، وفق هذا السيناريو، تراجعا وتنخفض إلى مستويات 50 دولارا لبرميل خام برنت، وتتدخل منظمة (أوبك+) بمحاولة تقليص الإنتاج لرفع سعر برميل النفط للوصول إلى مستويات 60 و70 دولارا على أفضل تقدير، وتتعرض اقتصاديات الدول المصدرة لضغوط مالية.

وتوقع غرايبة أن يهبط متوسط أسعار النفط إلى 65 دولارا للبرميل في عام 2025 بناء على تداخل العوامل والسيناريوهات السابقة، مشيرا إلى إمكانية حدوث تذبذب في أسعار برميل النفط يصل إلى حوالي 30%، وهي نسبة تشير إلى عدم الاستقرار والمخاطر المرتفعة المؤثرة في سوق النفط العالمية.

أما البنك الدولي، فقد توقع في تقريره الأخير عن أسواق السلع العالمية أن يؤدي الإفراط في إنتاج النفط إلى انخفاض أسعار السلع الأساسية لمستوى لم تشهده منذ خمس سنوات، وبالتالي، فمن المتوقع في عام 2025 أن يتجاوز المعروض العالمي من النفط الطلب بنحو 1.2 مليون برميل يوميا في المتوسط. واشار البنك إلى أن مثل هذا الإنتاج الزائد لم تتم ملاحظته إلا مرتين، في عام 1998 وفي عام 2020.

وقال التقرير إن وفرة النفط هذه كبيرة للغاية، لدرجة أنها يمكن أن تقلل تأثير العوامل الأخرى على الأسعار، حتى في حالة تصاعد الصراع في الشرق الأوسط. ولفت إلى أن الفائض يرجع بشكل أساسي إلى "تغير كبير" في الصين، حيث يعاني الطلب على النفط من الركود بسبب زيادة مبيعات السيارات الكهربائية وتباطؤ الإنتاج الصناعي.

وفي الوقت نفسه، يتوقع البنك الدولي أيضا أن تقوم عدة دول غير أعضاء في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) بتكثيف إنتاجها من النفط، وسيؤدي ذلك إلى تغذية الفائض والمساهمة في انخفاض أسعار المواد الخام بنحو 10% بحلول نهاية عام 2026.

وعلى الرغم من هذا الانخفاض الكبير، ستظل أسعار الطاقة في المتوسط أعلى بحوالي 30% من تلك التي لوحظت خلال السنوات الخمس التي سبقت جائحة كورونا (كوفيد 19). وبالإضافة إلى ذلك، يتوقع البنك نفسه انخفاضا بنسبة 9% في أسعار المواد الغذائية هذا العام، يليه انخفاض بنسبة 4% في عام 2025، وهو ما يمثل زيادة بنحو 25% عن مستويات 2015 إلى 2019.

(قنا، العربي الجديد)

المساهمون