تتواصل الأضرار التي يتكبدها الاقتصاد الإسرائيلي بفعل ضربات المقاومة الفلسطينية والحرب العدوانية المستمرة على قطاع غزة، إذ يستمر نزيف بورصة تل أبيب وعملة الشيكل منذ 10 أيام، ما دعا محللين إلى وصف الأضرار الحاصلة بأنها أكبر بكثير مما ألحقته تداعيات جائحة فيروس كورونا التي استمرت مدة طويلة.
وبلغت نسبة هبوط بورصة تل أبيب، منذ بدء عمليات طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، نحو 10% من قيمتها السوقية، فيما تراجع سعر الشيكل إلى أدنى مستوى له في نحو ثماني سنوات، ليصل إلى 3.98 للدولار، وسط تصاعد المخاوف من تداعيات شن الاحتلال هجوماً برياً على قطاع غزة.
وطغت الضغوط السياسية والأمنية التي تواجهها إسرائيل بسبب الحرب مع قطاع غزة، وتصاعد التوتر على الحدود الشمالية مع لبنان، على جهود بنك إسرائيل المركزي للحفاظ على سعر صرف مستقر.
وفي التاسع من هذا الشهر، أعلن بنك إسرائيل عن برنامج للحفاظ على الشيكل من التهاوي والتقلبات الناجمة عن الحرب، عبر بيع ما يصل إلى 30 مليار دولار من العملات الأجنبية في الأسواق المحلية، وهو ما يعادل 15% من إجمالي احتياطيه النقدي البالغ 200 مليار دولار، وفق تحليل نشرته صحيفة معاريف الإسرائيلية أمس الاثنين، والتي أشارت إلى تزايد المخاوف من تعمق الأضرار الاقتصادية في حال استمرار الحرب مدة أطول.
وأشارت الصحيفة الإسرائيلية إلى أن حدة التراجع في سوق الأسهم تعكس أن المتداولين يعتقدون أن هناك تداعيات للحرب على المدى الطويل، وأن المتعاملين يرون أن الحرب لن تقتصر على المقاومة الفلسطينية وحدها، وإنما من المحتمل أن تكون هناك جبهة ثانية ضد حزب الله في لبنان.
في السنوات الأخيرة، لم تتأثر سوق الأوراق المالية داخل دولة الاحتلال على الإطلاق بالعمليات العسكرية الإسرائيلية ضد قطاع غزة، لا سيما أن المستثمرين كانوا أكثر إدراكاً لأن الجولات العسكرية التي يشنها الاحتلال قصيرة وليس لها تأثير يذكر على الاقتصاد، ولكن الأمر مختلف هذه المرة، خاصة مع الخسائر البشرية الضخمة داخل صفوف الإسرائيليين، حيث تجاوز عدد القتلى 1400.
ووفق معاريف، فإن رد فعل سوق الأوراق المالية حالياً مشابه لما حدث في حرب لبنان الثانية في العام 2006، التي استمرت 24 يوماً واستدعى خلالها الجيش الإسرائيلي مئات الآلاف من جنود الاحتياط، ما عطل الكثير من الأعمال في إسرائيل.
ولفتت معاريف إلى أنه إذا استمرت الحرب ضد قطاع غزة مدة شهرين فقط، فإن سوق المال ستتراجع بشكل أكبر، أما إذ ذهبت إسرائيل إلى حرب على عدة جبهات، فقد تهوي السوق إلى القاع ويتجاوز سعر الدولار 4 شيكلات حتى مع التدخل المتوقع للبنك المركزي.
وإضافة إلى البرنامج الذي تبلغ قيمته 30 مليار دولار الذي أعلن عنه البنك المركزي الأسبوع الماضي، سيوفر البنك السيولة للسوق من خلال آليات المبادلة حسب الضرورة بما يصل إلى 15 مليار دولار، وفق بيان صدر عنه.
وبينما تعكف لجنة المالية في الكنيست الإسرائيلي على طرح برنامج لمساعدة المتضررين من الحرب بالتعاون مع وزارة المالية، فإن الكلف هذه المرة ستكون باهظة بالنظر إلى حجم الأضرار التي لحقت بالاقتصاد خلال 10 أيام فقط والتي تتجاوز ما خلفته جائحة فيروس كورنا على مدار شهور طويلة.
هذه المرة، ستُمنح التعويضات ليس فقط للمستوطنات المحيطة الواقعة في نطاق يصل إلى 7 كيلومترات من الحدود، ولكن أيضاً للمدن المحيطة بها. وبالتالي، ستحصل مستوطنة "أوفاكيم" الواقعة في صحراء النقب، غرب بئر السبع، ومدينتا عسقلان الواقعة على بعد 65 كيلومتر غرب القدس المحتلة وأسدود على ساحل البحر المتوسط، على تعويضات خاصة.
ووفق معاريف، سيُمنح تعويض عن خسارة الدخل والأضرار التي لحقت بالممتلكات يقدر بنحو 1000 شيكل للفرد و5000 شيكل للأسرة.
وأشارت الصحيفة إلى أن التعويضات المتوقعة لن تكون كافية، لأن الضرر الرئيسي الذي يلحق بالاقتصاد الإسرائيلي يأتي من مئات الآلاف من الشركات في المنطقة الوسطى، وهنا تكون الضربة مزدوجة، حيث انخفضت دورة الأعمال بنسبة تتراوح بين 70% إلى 80%، وهي نسبة تتخطى بكثير فترة كورونا التي تراجعت خلالها الأعمال بنحو 40%.
بالإضافة إلى ذلك، تضطر تلك الشركات في هذه المرحلة إلى البحث عن عمال، وليس من الواضح إلى متى ستستمر الحرب، وبحسب الوضع الراهن، فقد تستمر عدة أشهر.
والأسبوع الماضي، قدر بنك هبوعليم الإسرائيلي كلفة الخسائر الأولية التي تكبدها الاقتصاد منذ بدء هجمات "طوفان الأقصى" والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بنحو 27 مليار شيكل (6.8 مليارات دولار) في نحو أربعة أيام فقط، وفق ما نقلت صحيفة ذا تايمز أوف إسرائيل مساء الثلاثاء الماضي.
وهذه التقديرات لا تشمل كلف خسارة الشيكل الإسرائيلي وقطاع الطيران وتوقف الأعمال التجارية والمصانع وفقدان الشركات العالمية الثقة بالعمل داخل إسرائيل وهروب الاستثمارات، وهي كلف من الصعب حسابها بعد عملية "طوفان الأقصى" التي هزت إسرائيل داخلياً وطرحت علامة استفهام كبيرة حول مستقبلها.
ويأخذ البنك في الاعتبار الاستدعاء الكبير وواسع النطاق لنحو 360 ألف جندي احتياطي الذين يجب عليهم ترك وظائفهم والتوجه إلى ساحة المعركة، وهي أكبر تعبئة منذ حرب عام 1973، عندما استدعت إسرائيل نحو 400 ألف جندي احتياط.
ولم تتسبب أي حرب على الإطلاق خاضتها إسرائيل منذ أكثر من ثلاثة عقود في خُمس الأضرار التي تسببها الحرب الحالية، بحسب تقرير لصحيفة يديعوت أحرونوت أخيراً.