خطط الحكومة الجديدة تثير القلق حيال الاقتصاد البريطاني.. هبوط تاريخي للإسترليني والأسواق تهتز
انخفض الجنيه الإسترليني إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار يوم الاثنين، وخسر ما يصل إلى 4.7% إلى 1.035 دولار بعدما تعهّد وزير المالية البريطاني كواسي كوارتنغ بمتابعة المزيد من التخفيضات الضريبية.
وكان قد كشف، يوم الجمعة، النقاب عن حزمة خفض ضرائب ممولة بالديون بقيمة 45 مليار جنيه إسترليني أدت إلى زيادة تاريخية في تكاليف الاقتراض.
ويهبط الانخفاض الجديد بالجنيه الإسترليني إلى أدنى مستوياته منذ عام 1971. وقد جاءت التحركات الحادة في الجنيه في وقت مبكر من جلسة التداول الآسيوية. وفي التعاملات الأوروبية المبكرة، سجل الجنيه 1.06 دولار.
كما انخفض الجنيه الإسترليني 3.7% مقابل اليورو إلى 1.0787 يورو، اليوم الاثنين، مسجلا أدنى مستوى منذ سبتمبر/أيلول 2020.
ويعكس الانخفاض مقابل العملة الموحدة القوة الواسعة للدولار ويشكل مبعث قلق حيال الاقتصاد البريطاني.
وتثير خطط رئيسة الوزراء الجديدة ليز تراس ووزير المالية كوارتنغ جدلا واسعا في البلاد، وأبرز بنودها:
1 - إصلاح نظام التأشيرات
تواجه تراس أول خلاف وزاري لها بعدما أعلنت عن نيتها زيادة الهجرة لتعزيز النمو الاقتصادي.
إذ تعتقد أنّ إصلاحا واسع النطاق لنظام التأشيرات البريطاني من شأنه معالجة النقص الحاد في العمالة وجذب أفضل المواهب من جميع أنحاء العالم.
وتعتزم تراس، خلال الأسابيع المقبلة، رفع الحد الأقصى للعمال الزراعيين الموسميين وإجراء تغييرات على قائمة المهن التي تعاني من نقص.
أيضاً، قالت إنها حريصة على توظيف مهندسي الإنترنت من الخارج، لدعم تعهد الحكومة بإتاحة الإنترنت لـ85% من منازل المملكة المتحدة بحلول عام 2025.
واقترحت أيضا تخفيف متطلبات اللغة الإنكليزية في بعض القطاعات لتمكين المزيد من العمال الأجانب من التأهل للحصول على تأشيرات.
ومع أن التخفيف المقترح لقيود الهجرة يواجه مقاومة قوية من مؤيدي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كشفت مصادر حكومية أنه إلى جانب فتح طرق التأشيرات لقطاعات محددة، يناقش الوزراء السماح بدخول المزيد من العمال حاملي شهادات التعليم العالي من جميع أنحاء العالم.
هناك ما يقرب من 1.8 مليون مواطن من خارج الاتحاد الأوروبي يعملون في بريطانيا، بزيادة 302 ألف عن العام الماضي، وفقًا لمكتب الإحصاءات الوطنية.
تُظهر أرقام وزارة الداخلية أن عدد التأشيرات الممنوحة لجميع العمال والطلاب وأقاربهم، سواء من الاتحاد الأوروبي أو خارج الاتحاد الأوروبي، ارتفع بأكثر من 80% في عام ويزيد عن 1.1 مليون، وهو أكبر رقم مسجل.
2 - ميزانية كوارتنغ
بدورها، لم تسلم الميزانية المصغرة التي وضعها كوارتنغ من الانتقادات كونها تقدّم أكبر حزمة من التخفيضات الضريبية منذ 50 عاما وتلغي أعلى معدل لضريبة الدخل وسقف المكافأة للمصرفيين.
وأدى القلق بشأن حجم الدين اللازم لتمويل التخفيضات الضريبية في البيان المالي لكوارتنغ إلى يوم محموم من التداول في 24 سبتمبر/أيلول، أثار مخاوف بشأن ما إذا كان النهج الاقتصادي الجديد لبريطانيا مستداما.
وبحسب ما أوردت صحيفة "فايننشال تايمز" في 26 سبتمبر/أيلول، على عكس التخفيضات الضريبية الكبيرة في الثمانينيات يقترض كوارتنغ عشرات المليارات من الجنيهات الإسترلينية لتمويل خططه، وهو ما يزيد الطلب في الوقت الذي يرفع فيه بنك إنكلترا المعدلات للسيطرة على التضخم.
وتوقع معهد الدراسات المالية، وهو مؤسسة فكرية، أن يتجاوز الاقتراض العام 190 مليار جنيه إسترليني هذا العام، وهو ثالث أعلى ذروة منذ الحرب العالمية الثانية.
وقال التجار والمحللون في آسيا إن انخفاض أحجام التداول في المنطقة أدى على الأرجح إلى تفاقم الضغط الهبوطي على الجنيه الإسترليني.
من جهته، تعهّد وزير المالية البريطاني، في مقابلة مع صحيفة "فايننشال تايمز"، بإعداد خطة مالية متوسطة الأجل "في العام الجديد"، يسعى من خلالها إلى طمأنة الأسواق بوجود استراتيجية لخفض الديون كحصة من الناتج المحلي الإجمالي.
بيد أنه يؤكد أن "المقامرة الكبيرة" كانت البقاء في اتجاه الضرائب المرتفعة والنمو المنخفض.
وردا على الاضطرابات المالية التي أعقبت بيانه، قال: "الأسواق تتحرك في كل وقت. من المهم للغاية الحفاظ على الهدوء والتركيز على استراتيجية طويلة المدى".
3 - التخفيضات الضريبية
سيتم خفض المعدل الأساسي لضريبة الدخل من 20 بنسا للجنيه إلى 19 بنسا في إبريل/نيسان المقبل، وسيتم خفض التأمين الوطني والضرائب على توزيعات الأرباح.
وسيتم تخفيض رسوم الطوابع لمساعدة مشتري المنازل لأول مرة وسيتم إلغاء الزيادة المخططة في ضريبة الشركات.
وتعني التخفيضات في ضريبة الدخل أن الفرد الذي يكسب 200 ألف جنيه إسترليني سيوفر ضرائب سنوية تقارب 4500 جنيه إسترليني في 2023-24 مقارنة بعام 2022-23.
كما أن العامل الذي يتقاضى راتبا قدره 20 ألف جنيه إسترليني سيوفر 218 جنيها إسترلينيا.
وستبلغ الكلفة الإجمالية للتخفيضات الضريبية بحلول 2026-27 ما يقرب من 45 مليار جنيه إسترليني.
وقد أخبر كوارتنغ أعضاء البرلمان بأن هدفه هو تحويل "الحلقة المفرغة من الركود إلى دورة حميدة من النمو".
في المقابل، رأى خبراء أنّ الاقتراض الجديد لتمويل التخفيضات الضريبية ودعم الطاقة الطارئ سيكون أكثر كلفة بالنسبة للمملكة المتحدة، مع ارتفاع كلفة الاقتراض لمدة عامين إلى 4% من 0.4% قبل عام حين باع المستثمرون السندات الحكومية.
ورد كوارتنغ على انتقادات زعمت بأنّه يقدم مساعدة لا داعي لها للأثرياء، بالقول إن الحكومة تتدخل لوقف فواتير الطاقة المحلية والتجارية، وإن كلفة حزمة الطاقة للأشهر الستة الأولى ستكون 60 مليار جنيه إسترليني.
وتتفاقم الأوضاع الاقتصادية في البلاد مع رفع بنك إنكلترا أسعار الفائدة بمقدار 0.5 نقطة مئوية، يوم الخميس، بعد زيادة بنسبة 0.75 نقطة مئوية للمرة الثالثة على التوالي من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) في اليوم السابق.
في السياق، يقول مستشار شركة الخدمات المالية العملاقة "أليانز" محمد العريان إن الوزير كوارتنغ مخطئ في هدوئه بشأن رد فعل السوق على الميزانية المصغرة، وتابع أنه يجب عليه أن يولي اهتماما وثيقا وإلا "فإن ما يحدث في الأسواق يمكن أن يتضاعف ويقوض ما يحاول القيام به".
وفي حديث العريان إلى برنامج "توداي" الذي يبثه راديو "بي بي سي"، قال إن التحركات في العائدات والجنيه الإسترليني ستترجم إلى "رياح تضخمية مصحوبة بركود تضخم أقوى"، وهذا يتعارض مع دفع كوارتنغ للنمو.
وأضاف العريان أن بنك إنكلترا يجب أن يرفع أسعار الفائدة بمقدار نقطة مئوية واحدة إذا لم يقم وزير المالية البريطاني كوارتنغ "بإعادة ضبط" الميزانية المصغرة، وإزالة التخفيضات الضريبية الإضافية التي تم تقديمها والتي فاجأت الأسواق.
لكن في حال أبقى على خططه، يجب على بنك إنكلترا رفع أسعار الفائدة في اجتماع طارئ، مع أنّ هذا يتعارض أيضا مع خطط كوارتنغ.
4 - خسائر السندات الحكومية البريطانية
تبيع السندات الحكومية البريطانية بحدة في التعاملات المبكرة مرة أخرى، ما زاد من الخسائر يوم الجمعة مباشرة بعد الميزانية المصغرة.
وارتفع العائد أو سعر الفائدة على سندات المملكة المتحدة لأجل سنتين و5 سنوات و10 سنوات بشكل كبير.
العوائد (التي ترتفع عندما تنخفض الأسعار) تقيس معدل الفائدة على السند، وهذا يوضح أن كلفة الاقتراض في المملكة المتحدة قفزت، وتحتاج إلى اقتراض 72 مليار جنيه إسترليني إضافية هذا العام لتغطية خطط كواسي كوارتنغ.
إضافة إلى ذلك، ارتفع العائد على سندات الخزانة لأجل عامين بمقدار 37 نقطة أساس (0.37 نقطة مئوية)، في بداية التداول إلى 4.365%، وهو أعلى مستوى منذ سبتمبر/أيلول 2008، في بداية الأزمة المالية.
وقفز العائد على سندات الخزانة لأجل 5 سنوات 32 نقطة أساس إلى 4.38%، وهو مستوى لم يشهده منذ أكتوبر/تشرين الأول 2008، أي الشهر الذي انهار فيه بنك "ليمان براذرز".
وارتفع العائد على سندات الخزانة لأجل 10 سنوات إلى 4.08% عند الفتح، وهو أعلى مستوى منذ إبريل/نيسان 2010، بزيادة 25 نقطة أساس اليوم.