يؤكد سياسيون ومراقبون عراقيون أن التلويح بورقة الأقاليم في البلاد، أصبح نهجاً موسمياً يتزامن مع طرح الموازنة المالية على التصويت في البرلمان نهاية كل عام.
إذ تشهر المحافظات التي تعتبر نفسها مغبونة في حصتها المالية في الموازنة، ورقة المطالبة بالتحوّل إلى إقليم منفصل، خصوصا البصرة التي تعتبر سلة الخبز في البلاد، ومنها يصدر العراق أغلب نفطه، كما أن حقولها هي الأكثر إنتاجا، لكنها تعاني من ترد واسع في الخدمات الصحية والتعليمية والبنى التحتية واتساع معدلات الفقر والبطالة فيها.
ولا تبدو ميسان والقادسية وذي قار أفضل حالا منها، إذ تتشارك بكونها أكثر المحافظات الجنوبية تصديرا للنفط، ومن أكثر المناطق التي تضم أزمات اجتماعية واقتصادية.
ومنذ الأسبوع الماضي عاد نواب يمثلون محافظات جنوبية، للتلويح بإنشاء إقليم البصرة وآخرين بإقليم الفرات الأوسط الذي يضم المثنى وبابل والنجف وكربلاء والديوانية، ضمن تهديدهم الحكومة بشأن قلة المبالغ المخصصة لهذه المحافظات في الموازنة، مستندين إلى وجود نص دستوري يتيح تشكيل الإقليم.
لكن مسؤولا في حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي يؤكد أن المبالغ الممنوحة لهذه المحافظات كبيرة جدا، إلا أن الخلل يكمن في الفساد وسوء إدارة توزيع الموارد واختيار المشاريع.
وأشار المسؤول، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إلى "تخصيص نحو مليار دولار للبصرة، ومليار دولار أخرى لمحافظة ذي قار، لكن السؤال الأهم أين أثر المليارات التي خصصت سابقا لهذه المحافظات؟"
أضاف المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه، أن أكثر من ثلث الموازنة كانت تختفي بعمليات فساد مباشر وأخرى تتبدد بسبب سوء الإدارة وضعف التخطيط.
وكان عضو البرلمان عن محافظة البصرة، عبد الأمير المياحي، أعلن عن امتلاكه وثيقة موقعة من زعماء قبائل ووجهاء محليين في المحافظات الجنوبية، تؤيد تشكيل إقليم الجنوب، موضحا خلال مقابلة متلفزة أن الدعوة لإعلان الإقليم ستتم في حال عدم حل مشكلة التخصيصات المالية للمحافظات الجنوبية في موازنة 2021.
وتحدث عن وجود اتفاق بين عدد من النواب بخصوص إقليم الجنوب، نتيجة لمشكلة التخصيصات المالية السنوية من قبل بغداد.
وفي المقابل، رأى عضو البرلمان العراقي، كاظم الشمري، أن المطالبة بتشكيل إقليم يضم محافظات الجنوب نتجت عن الحيف الذي تتعرض له هذه المحافظات، وبعض مناطق الوسط".
وبيّن لـ "العربي الجديد" أن هذه المحافظات تعاني من قلة في التخصيصات المالية، والوضع الاقتصادي المتردي، وتفشي البطالة، موضحا أن كل ذلك دفع نواب وجماهير هذه المحافظات للتفكير بإنشاء إقليم.
وتابع "لكن بدلا عن ذلك، وعلى غرار تشكيل صندوق إعمار المناطق المتضررة (شمال وغرب العراق)، نقترح إنشاء صندوق إعمار محافظات الوسط والجنوب". وأشار إلى عدم وجود مانع دستوري من تشكيل إقليم بصلاحيات تشبه الموجودة في إقليم كردستان، مستدركا "لكن توجد عقبات سكانية وإدارية". ولفت الشمري إلى أن استمرار الحكومة في إخفاقاتها، وعدم قدرتها على تنفيذ برامج إعمار جدية، سيدعو محافظات شمالية وغربية لإعلان أقاليم منفصلة، وكذلك محافظات جنوبية.
وأكد عضو البرلمان عن محافظة البصرة، أقصى جنوب العراق، حسن خلاطي، أن قضية الأقاليم وردت في الدستور، مبينا في حديث لـ "العربي الجديد" أنه يمكن لمحافظتين أو أكثر تشكيل إقليم وفقا لإجراءات دستورية. وتابع "عندما تحرم المحافظات الجنوبية، ومنها البصرة، من حقوقها المالية التي وردت في قوانين نافذة فإن جميع الخيارات تكون متاحة"، لافتا إلى أن هذه الخيارات ستكون دستورية وقانونية.
الا أن عضو برلمان عن محافظة البصرة السابق، محمد الساعدي، أكد أن الدعوة لتشكيل إقليم الجنوب سياسية وليست اقتصادية، موضحا لـ "العربي الجديد" أنها ستكون كسابقاتها وستنتهي بعد إبرام صفقة يحصل خلالها المطالبون بإنشاء إقليم الجنوب على مكاسب محددة.
وبين أن المشاكل في الجنوب سياسية قبل أن تكون اقتصادية، نتيجة وجود أحزاب وجماعات مسلحة تتحكم بقرار بعض المحافظات الجنوبية، قائلا إن الجماهير غير معنية بتشكيل إقليم للجنوب من عدمه، لأن الذي يعنيها هو توفير الخدمات والتعيينات وتحسين الواقع المتردي.
وقال أحد زعماء العشائر في محافظة المثنى (جنوبا)، جواد الجياشي، في حديث لـ "العربي الجديد" إن البرلمانيين والسياسيين غير مخولين بالحديث نيابة عن سكان المحافظات الجنوبية، مضيفا: "سمعنا أخيرا تصريحات متكررة لنواب وسياسيين تهدد بإعلان إقليم في الجنوب، وتؤكد أن هذا الأمر هو مطلب الشعب".
وتابع "نحن كعشائر لم نخول أحداً للحديث باسمنا، لأننا فقدنا الثقة بالقوى السياسية التي تدعي تمثيل محافظتنا وبقية المحافظات الجنوبية، بعد أن غلبت مصلحتها الخاصة على مصلحة الجماهير التي اوصلتها للسلطة، ونهبت مليارات الدولارات، وساهمت بشكل مباشر في إفقار المناطق الجنوبية".
وأوضح أن السلطات في بغداد والمسؤولين المحليين مطالبين بتوفير كل سبل العيش في المثنى، لأن هذا واجب عليهم، ويتقاضون مرتباتهم مقابل إكمال هذا الواجب.
يشار إلى أن مطلب تشكيل الأقاليم في جنوب العراق ليس جديدا، إذ سبق لسياسيين أن طالبوا بتحويل محافظة البصرة إلى إقليم.
آخر تلك المطالبات كانت العام الماضي بعد قيام سياسيين في البصرة، وقوى وفعاليات مختلفة فيها، بإحياء مطلب تحويل البصرة إلى إقليم إداري بصلاحيات واسعة، بمعزلٍ عن بغداد، وذلك على وقع تزايد النقمة الشعبية في المحافظة الأغنى في العراق، نتيجة ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وسوء الخدمات فيها. وأكد هؤلاء حينها أن الإقليم هو الوحيد القادر على حلّ أزمات البصرة.
ويمنح الدستور العراقي بنسخته الجديدة التي أقرت في عام 2005، الحرية للمحافظات العراقية، بتقديم طلب للانتقال من محافظة إلى إقليم، بعد إجراء استفتاء شعبي من قبل مفوضية الانتخابات، على أن يوافق على التغيير أكثر من نصف الناخبين في المحافظة.
ونتيجة لذلك، تصبح المحافظة إقليماً إدارياً على غرار إقليم كردستان العراق. كما يجيز الدستور توحيد محافظات عدة في الإقليم، لتبقى السلطة الاتحادية النافذة بيد بغداد خاصة في سنّ القوانين وتوزيع الموارد.