بعد حوالي شهر على التوقيع على اتفاق التطبيع بين إسرائيل وكل من الإمارات والبحرين، شرعت الأطراف الثلاثة في استنفاد الطاقة الكامنة في البنود الاقتصادية التي تضمنتها الاتفاقات.
فبعد أن افتتح "صندوق الاستثمارات الوطني" الإماراتي مكتبا له قبل شهر في تل أبيب، وقعت كل من أبو ظبي وتل أبيب الأسبوع الماضي على اتفاق لتشجيع الاستثمارات بينهما وتقديم ضمانات لتأمينها.
ويعد هذا الاتفاق أول اتفاق تتوصل إليه إسرائيل مع أية دولة من دول المنطقة منذ الإعلان قيامها في العام 1948.
عوائد في اتجاه واحد
وعلى الرغم من أن الاتفاق يفترض من ناحية نظرية أن يمنح المستثمرين من إسرائيل والإمارات على حد سواء بيئة استثمارية مريحة، إلى أنه في الواقع سيساعد بشكل خاص الشركات والمرافق الصناعية الإسرائيلية، التي تعمل منذ فترة طويلة في السوق الإماراتي.
فهذا الاتفاق سيقلص من النفقات والإجراءات البيروقراطية التي كان يفرض عليها الاستعانة بطرف ثالث لتعمل من خلاله أو تحت واجهته في السوق الإماراتي.
ويخدم هذا الاتفاق قطاع الأعمال في إسرائيل بشكل خاص، وأكبر بكثير من نظيره في الإمارات على اعتبار أن حاجة السوق الإماراتي للشركات الإسرائيلية المتخصصة في المجالات المتعددة أكبر بكثير من حاجة السوق الإسرائيلي للشركات الإماراتية، وعلى اعتبار أن لدى الشركات الإسرائيلية ما تعرضه في مجال التقنيات المتقدمة، المياه، التقنيات الصحية، الإنشاءات، الزراعة، والصناعات الغذائية وغيرها.
وهذا سيدفع الشركات الإسرائيلية للاستعانة بمزيد من القوى العاملة من الخبراء والفنيين، الأمر الذي سيسهم في تقليص مستويات البطالة التي تعاظمت في أعقاب جائحة كورونا.
وفي المقابل، فإن هذا الاتفاق يمكّن رجال الأعمال والمستثمرين الإماراتيين فقط من شراء أسهم في الشركات الإسرائيلية، من دون أن يكون بوسعهم التأثير على طابع هذه الشركات ومناشطها، من منطلق اعتبارات الأمن القومي.
فعلى سبيل المثال وافقت الحكومة الإسرائيلية على أن تحوز "موانئ دبي" على 30% من أسهم ميناء حيفا فقط، حتى لا يكون لها الحق في التأثير بشكل كبير على مناشط هذا الميناء.
ناهيك عن أنه سيكون من المستحيل أن تسمح إسرائيل لرجال الأعمال الإماراتيين أن يحوزوا موطأ قدم في شركات التقنية والسايبر، الذي تنتج تجهيزات وبرمجيات ذات استخدام أمني وعسكري أو مزدوج، على اعتبار أن هذا يمس الأمن القومي الإسرائيلي.
إلى جانب ذلك، فإن تسيير رحلة تجارية مباشرة بين الإمارات وإسرائيل اليوم لأول مرة منذ التوقيع على اتفاق التطبيع بينهما، يمثل نقطة تحول فارقة، على اعتبار أن ذلك سيعزز السياحة المتبادلة.
ففي إطار استعدادها لتوظيف اتفاق التطبيع اقتصاديا، سبق أن أعدت إسرائيل خطة لجذب 100 ألف سائح من الإمارات سنويا.
وما يغري وزارة السياحة الإسرائيلية باستهداف السياح الإماراتيين حقيقة أن السائح الإماراتي ينفق ما بين ألفين إلى 20 ألف دولار في الرحلة السياحية الواحدة.
إلى جانب أن أغلبية الإماراتيين يسافرون أكثر من مرة في العام، والكثير منهم ينزلون في فنادق خمسة نجوم. وقد أعدت وزارة السياحة الإسرائيلية بالفعل خطة تسويقية بهدف إغراء السياح الإماراتيين بالقدوم إلى إسرائيل.
في الوقت ذاته، فقد اتفقت إسرائيل والإمارات قبل أسبوعين على تدشين منطقة تجارة حرة ثالثة، حيث وقع على الاتفاق اتحاد المكاتب التجارية وعن الجانب الإماراتي غرفة تجارة وصناعة دبي.
فضلا عن ذلك، فقد اتفقت وزارتا الصناعة الإماراتية ووزارة الاقتصاد الإسرائيلية على تشكيل فريق موحد تمهيدا للتوقيع على اتفاق شامل حول الأنشطة المشتركة في المجالات الاقتصادية والصناعية، على أن ينجز الاتفاق في غضون 3 أسابيع، ويتوقع أن يتم توقيعه خلال الأسبوع الجاري أو المقبل.
فرص اقتصادية
وفي ما يتعلق بالآفاق الاقتصادية للتطبيع مع البحرين، فقد تضمن اتفاق "المبادئ" الذي تم التوقيع عليه في المنامة يحمل في طياته فرصا اقتصادية كبيرة لإسرائيل.
وقد تضمن الاتفاق التوقيع على اتفاقات فرعية، تشمل: الاستثمارات، الطيران المدني، السياحة، التجارة، العلم والتكنلوجيا، البيئة، اتصالات وبريد، صحة، زراعة، طاقة وتعاون قضائي.
ويذكر أن وثيقة صدرت عن وزارة الاستخبارات الإسرائيلية قبل شهرين قد أشارت إلى أن الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبحرين تمنح إسرائيل فرصا اقتصادية، على اعتبار أن نظام الحكم في المنامة يعكف على رؤية تقوم على تحويل البلاد إلى مركز مصرفي عالمي، وهو ما يمنح الشركات الإسرائيلية فرصة للاندماج في السوق البحريني.
ولم تستثن الوثيقة إمكانية أن تلجأ البحرين إلى استيراد التقنيات العسكرية الإسرائيلية على اعتبار أنها كثفت مؤخرا من مبيعاتها من السلاح المتقدم.
إجمالا، لم يعد عقد الرهانات الكبيرة على العوائد الاقتصادية للتطبيع مع الدول الخليجية، حكرا على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير ماليته يسرائيل كاتس فحسب، بل وصلت الأمور إلى حد انضمام رئيس الموساد يوسي كوهين، الذي يتطلع لخلافة نتنياهو في قيادة حزب الليكود وإسرائيل، إلى الذين يبشرون بالتحولات الكبيرة التي ستطرأ على الواقع الاقتصادي، ولا سيما بعد بدء التوقيع العملي على الاتفاقات الاقتصادية.
ويكاد يكون التبشير بثمار التطبيع الهائلة لتكون السبيل لإخراج إسرائيل من أزمتها الاقتصادية جراء تفشي وباء كورونا، هو الرد التقليدي الذي يعكف عليه نتنياهو وقادة الليكود في مواجهة المتظاهرين المطالبين باستقالته جراء فشله في مواجهة الوباء وما تبعه من تداعيات اقتصادية.
اللافت أن المسؤولين الإسرائيليين يرون أن حركة عوائد التطبيع الاقتصادية تسير في اتجاه واحد فقط، وهو مصلحة إسرائيل فقط.
وقد استبد الغضب بدورون باكسين، أحد أبرز المعلقين الاقتصاديين في إسرائيل من هذا التعاطي العنصري الذي بات يميز مقاربة النخب السياسية وأرباب المرافق الاقتصادية في تل أبيب لثمار التطبيع مع الدول الخليجية، وتحديدا الإمارات.
وفي مقال نشرته صحيفة "كلكسلست" الاقتصادية كتب باسكين: " نحن نتعامل بغطرسة مع الإمارات والأسئلة التي تشغلنا تمثل في ما يمكننا بيعه لهم وكيف بإمكاننا أن نقنع شيوخ الخليج أن يغدقوا علينا ملياراتهم.... الغطرسة الإسرائيلية تقوم على الافتراض بأننا نملك عقلا يهوديا في حين أن كل ما يملكونه هم آبار نفط بدون قاع".