استمع إلى الملخص
- صندوق النقد الدولي وخبراء يحذرون من خطورة الوضع المالي، مطالبين بإجراءات عاجلة كزيادة الضرائب أو خفض الإنفاق، لكن الساسة يتجنبون مناقشة هذه الخيارات.
- الديون المتزايدة تقلل الموارد للخدمات العامة وتضعف استجابة الحكومات للأزمات، مع ارتفاع تكاليف الاقتراض للأسر والشركات، مما يضر بالنمو الاقتصادي ويعقد جهود الإصلاح المالي.
سجلت ديون حكومات العالم مستوى قياسياً غير مسبوق، مقتربة من 91 تريليون دولار، ما يعادل تقريباً حجم الاقتصاد العالمي، الأمر الذي أصبح يشبه القنبلة التي يمكن أن تنفجر في أي لحظة، مسببة خسائر ضخمة لشعوب البلدان المدينة والدائنة على حد سواء.
ومع استمرار معدلات الفائدة المرتفعة لفترات فاقت توقعات الاقتصاديين، كما ارتفاع تكلفة التعامل مع الجائحة اعتباراً من عام 2020، زادت أعباء الديون كثيراً، حتى أصبحت تشكل تهديداً متزايداً لمستويات المعيشة في الاقتصادات النامية والغنية، بما في ذلك الولايات المتحدة. وفي عام يشهد انتخابات في العديد من البقاع الهامة على خريطة العالم، يتجاهل الساسة المشكلة إلى حد كبير، ولا يجرؤ أغلبهم على إعلان نيته زيادة الضرائب أو خفض الإنفاق الحكومي. وذهب بعضهم في أحيان إلى الإسراف في تقديم الوعود، على نحو يمكن له أن يؤدي إلى ارتفاع التضخم مرة أخرى، ومن ثم دخول العالم في أزمة مالية جديدة.
وكرر صندوق النقد الدولي الأسبوع الماضي تحذيره من ضرورة معالجة "العجز المالي المزمن" في الولايات المتحدة على وجه السرعة. ولطالما أعرب المستثمرون عن هذا القلق بشأن المسار المالي طويل الأجل للحكومة الأميركية. وقال روجر هالام، الرئيس العالمي لأسعار الفائدة في شركة فانغارد، ثاني أكبر شركات إدارة الأصول في العالم، لشبكة سي أن أن الإخبارية: "العجز المستمر وعبء الديون المتزايد أصبحا مصدر قلق على المدى المتوسط".
ومع تزايد أعباء الديون في جميع أنحاء العالم، يشعر المستثمرون بالقلق. وفي فرنسا، أدت الاضطرابات السياسية إلى تفاقم المخاوف بشأن ديون البلاد، مما أدى إلى ارتفاع عائدات السندات، أو العوائد التي يطلب المستثمرون الحصول عليها لشراء السندات. وأشارت الجولة الأولى من الانتخابات المبكرة يوم الأحد إلى أن بعض أسوأ مخاوف السوق قد لا تتحقق. ولكن حتى من دون شبح حدوث أزمة مالية فورية، يطالب المستثمرون بعائدات أعلى لشراء ديون العديد من الحكومات مع تضخم العجز بين الإنفاق والضرائب.
ويعني ارتفاع تكاليف خدمة الدين توفر أموال أقل للخدمات العامة الحيوية أو للاستجابة لأزمات مثل الانهيارات المالية أو الأوبئة أو الحروب. وبما أن عائدات السندات الحكومية تستخدم لتسعير الديون الأخرى، مثل الرهون العقارية، فإن ارتفاع العائدات يعني أيضاً ارتفاع تكاليف الاقتراض للأسر والشركات، مما يضر بالنمو الاقتصادي. ومع ارتفاع أسعار الفائدة، تنخفض الاستثمارات الخاصة وتصبح الحكومات أقل قدرة على الاقتراض للاستجابة لها.
وقالت كارين دينان، كبيرة الاقتصاديين السابقة في وزارة الخزانة الأميركية والأستاذة الآن في كلية كينيدي بجامعة هارفارد، في مذكرة إن "معالجة مشكلة الديون الأميركية ستتطلب إما زيادة الضرائب وإما تخفيض المزايا، مثل برامج الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي، فالعديد من السياسيين ليسوا على استعداد للحديث عن الخيارات الصعبة التي يجب اتخاذها. هذه قرارات خطيرة للغاية، ويمكن أن يكون لها تأثير كبير على حياة الناس".
ويوافق كينيث روجوف، أستاذ الاقتصاد في جامعة هارفارد، على أن الولايات المتحدة وغيرها من الدول سوف تضطر إلى إجراء تعديلات مؤلمة. وقال لشبكة سي أن أن الإخبارية إن الديون "لم تعد مجانية". وأضاف: "في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، توصل الكثير من الأكاديميين وصناع السياسات ومحافظي البنوك المركزية إلى وجهة نظر مفادها أن أسعار الفائدة ستكون قريبة من الصفر إلى الأبد، ثم بدؤوا يعتقدون أن الدين هو وجبة غداء مجانية. لكن هذا كان دائماً أمراً خاطئاً، لأنك تستطيع أن تفكر في الدين الحكومي باعتباره بمثابة رهن عقاري بسعر فائدة متغير، وإذا ارتفعت أسعار الفائدة بحدّة، فإن مدفوعات الفائدة الخاصة بك ترتفع كثيراً، وهذا بالضبط ما حدث في جميع أنحاء العالم”.
ديون حكومات العالم ومؤامرة الصمت
وفي الولايات المتحدة، سوف تنفق الحكومة الفيدرالية 892 مليار دولار في السنة المالية الحالية على مدفوعات الفائدة، وهو أكثر مما خصصته للدفاع، ويقترب من ميزانية الرعاية الطبية، والتأمين الصحي لكبار السن وذوي الإعاقة. وفي العام المقبل، ستتجاوز مدفوعات الفائدة تريليون دولار على الدين الوطني الذي يزيد على 30 تريليون دولار، وهو في حد ذاته مبلغ يعادل تقريباً حجم الاقتصاد الأميركي، وفقاً لمكتب الميزانية في الكونغرس، الهيئة الرقابية المالية التابعة للكونغرس.
ويتوقع مكتب الميزانية في الكونغرس وصول ديون الولايات المتحدة إلى 122% من الناتج المحلي الإجمالي بعد عشر سنوات فقط من الآن. وفي عام 2054، من المتوقع أن يصل الدين إلى 166% من الناتج المحلي الإجمالي، مما سيؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي. ورغم أن الاقتصاديين لا يرون أنه هناك "مستوى محدد سلفًا تحدث عنده أشياء سيئة في الأسواق"، لكن معظمهم يعتقدون أنه إذا وصل الدين إلى ما بين 150% - 180% من الناتج المحلي الإجمالي، فإن هذا يعني "تكاليف خطيرة للغاية للاقتصاد والمجتمع على نطاق أوسع.
وعلى الرغم من القلق المتزايد بشأن تراكم ديون الحكومة الفدرالية، لم يعد الرئيس الأميركي جو بايدن أو الرئيس السابق دونالد ترامب، المرشحين الرئاسيين الرئيسيين لعام 2024، بالانضباط المالي قبل الانتخابات. وخلال المناظرة الرئاسية المتلفزة الأولى الأسبوع الماضي، والتي استضافتها شبكة سي أن أن، اتهم كل مرشح الآخر بتسبب تردي الوضع المالي الأميركي، إما من خلال التخفيضات الضريبية من ترامب أو الإنفاق الإضافي من بايدن، كما دفن الساسة البريطانيون رؤوسهم في الرمال قبل الانتخابات العامة المقررة يوم الخميس. وانتقد معهد الدراسات المالية، وهو مؤسسة بحثية مؤثرة، "مؤامرة الصمت" بين الحزبين السياسيين الرئيسيين في البلاد، بسبب الحالة السيئة للمالية العامة.
وتواجه البلدان التي تحاول معالجة مشكلة الديون صعوبات، وفي ألمانيا، كان الصراع الداخلي المستمر حول حدود الديون سبباً في وضع الائتلاف الحاكم الثلاثي في البلاد تحت ضغوط هائلة، وقد تصل المواجهة السياسية إلى ذروتها هذا الشهر. وفي كينيا، كانت ردود الفعل السلبية إزاء المحاولات الرامية إلى معالجة عبء ديون البلاد البالغة 80 مليار دولار أسوأ كثيراً. وأثارت الزيادات الضريبية المقترحة احتجاجات في جميع أنحاء البلاد، وأودت بحياة 39 شخصاً، مما دفع الرئيس ويليام روتو إلى الإعلان الأسبوع الماضي أنه لن يوقع على المقترحات لتصبح قانوناً.