استمع إلى الملخص
- سياسات جمع الدولار: النظام السوري يفرض تصريف 100 دولار على العائدين ويسمح للمواقع السياحية باستيفاء عمولات بالدولار، في محاولة لتعويض نقص العملات الأجنبية.
- التحديات الاجتماعية والسياسية: ارتفاع الأسعار وعودة المهجرين تكشف ضعف البنية التحتية، والنظام يسعى للحصول على مساعدات دولية، مما يعكس استمرار التضحية بمصالح الشعب للحفاظ على السلطة.
لا شيء البتة في سورية الأسد يعلو على الدولار فهو أولاً ثم تأتي حتى القضايا الوطنية، بعدما غدت حياة السوريين ومصيرهم تفاصيل لا وقت للقيادة الحكيمة الممانعة حتى لطرحها ومناقشتها والبحث في طرائق لحلها، فوصول نسبة الفقر 90%، خبر اعتادت القيادة الرشيدة سماعه، وتعدي نسبة البطالة 80% أمر يحتمل التأويل والتفسير، لتبقى العقوبات الغربية الشماعة التي يعلق عليها نظام الأسد بدمشق، جميع أسباب عرج الميزان التجاري وتراجع الموارد وهجرة الرساميل وتهجير الكفاءات.
والمطلع، ولو جزئياً، على الاقتصاد السوري وموارد خزينته، يعرف أن عريّ حكومة الأسد تكشّفت، مذ قايض بالنفط للمليشيات الكردية شمالي شرق سورية، ليخلط أوراق الثورة وقتذاك ويغيّر بوصلة الثورة، من العدالة والكرامة والحرية، إلى الاحتراب بجني الثروات وإشغال الثوار بالمال وحواضنهم بتدبر سبل العيش.
فنفط سورية ظلّ، وعلى مدى حكم الأسدين، الأب حافظ والابن بشار، يستر عورة سوء التدبير والإدارة وبناء الصناعة وجذب الاستثمارات، فتصدير نحو 150 ألف برميل نفط يومياً، حتى عام 2011، كان حصن الدولار الذي يقي الدولة الهشة، بل ويفيض لتتشكل مافيات، وتزداد ثروات، وتزيد أرصدة أبناء القائد الخالد حافظ الأسد، بالمصارف الغربية.
ولكن، بعد الثورة وبدء مشوار التعرّي، لم يكن من بد أو مصدر، سوى مد اليد على الاحتياطي النقدي، إن لاسترضاء شركاء الحرب على السوريين وثورتهم، بموسكو وطهران، أو للإنفاق بعد تحول الميزان النفطي لخاسر وتراجع الموارد الصناعية والزراعية والسياحية، فتبدد احتياطي سورية من العملات الأجنبية المقدر بنحو 18 مليار دولار وتلاشى احتياطي الذهب الذي كان موضع تفاخر وحماية خلال الأيام السوداء.
قصارى القول: اليوم، وبواقع حال تراجع الصادرات والسياحة وكل ما له علاقة بتحصيل العملات الأجنبية، لم يبق من مصادر دولارية تقليدية، ما يفرض الحاجة للتفكير بالبدائل. وبصرف النظر عن عقابيلها على الأسواق والمستهلكين أو حتى على الوطنية والمواطنية.
فرأينا ولم نزل، تصدير كل ما تطلبه أسواق الجوار، مما فاض عن التخريب وسرقة تجار الحرب، فزيت الزيتون ورغم تشهّي السوريين وحرمانهم، لم يزل السماح بتصديره يمدد كل عام، وكذا الخراف السورية العواس رغم حاجة السوريين وعجزهم المالي.
بيد أن تصدير غذاء السوريين وتركهم جوعى، ما عاد ليرضي القيادة الحكيمة أو يسد الطوارئ التي يمكن أن تتمخض عن ظروف المنطقة المشتعلة. ولكن، لن تفتقر حكومة الأسد للطرق والسبل، لطالما التفكير في التحصيل غاية، ويخصص لمبتكريه، مقاعد وزارية ومنابر استشارية، ليبدعوا عام 2020 طريقة إلزام السوريين العائدين لوطنهم، حتى لو كانوا لاجئين بالأردن أو لبنان، بتصريف مئة دولار بالسعر الرسمي، بمعنى يدفعون مئة دولار ويأخذون عملة، بالكاد صالحة للتداول بالداخل بعد التدهور إلى نحو 15 ألف ليرة للدولار وفقدان الثقة بالحيازة والاكتناز.
واستمر تحصيل الدولار من العائدين لوطنهم، ولو زيارة، حتى بدأ الاحتلال الإسرائيلي بقصف جنوبي لبنان وبقاعه أخيراً، وبدأ المهاجرون بالعودة لبلدهم رغم مخاوف الاعتقال، فالحيّ أبقّى من الميت، كما تقول أمثال السوريين. وبدأ تدفق الدولار قبل أن يفتضح نظام الأسد دولياً، وتسلط وسائل الإعلام الضوء على الإتاوة المفروضة على المهاجرين أو العائدين لوطنهم، ما دفع حكومة الأسد لتوقف العمل بإتاوة المئة دولار، توقف وليس إلغاء، ربما لتهدأ حملات التعرية والفضح ليس إلا.
وقلنا توقف وليس إلغاء، لأن حكومة الأسد اليوم، تقرر تمديد قرار إيقاف العمل، وبشكل مؤقت، بقرار فرض تصريف دولار على السوريين العائدين من لبنان فقط، وتبقي جميع المنافذ الحدودية تتقاضى الإتاوة.
ولأن الإبداع والابتكار سمتين ملازمتين لحكومات الأسد المتعاقبة، كان لا بد من إيجاد طريقة أخرى تعود بالدولار، تعوّض فاقد تغريم السوريين ولا تخلق صدى وإساءة، على اللبنانيين الهاربين من الموت إلى سورية، خاصة أن الأعداد بتزايد ونافت 400 ألف عائد، أكثر من 30% منهم لبنانيون.
والأمر سهل بالنسبة لصنّاع طرق الجباية بسورية الأسد، وهي تسديد اللاجئين اللبنانيين أجور سكنهم وغذائهم وتنقلاتهم بالدولار.
ولم يعجز جهابذة حكومة الأسد عن إيجاد التفاف على المرسوم رقم 2 لعام 2020 الذي يجرّم كل من يتعامل بغير الليرة السورية وسيلة للمدفوعات أو لأي نوع من أنواع التداول التجاري أو التسديدات النقدية بالقطع الأجنبي، لأن مرسوم ضبط العملات الأجنبية رقم 5 الخاص بشركات الصيرفة الصادر هذا العام، يمكن شده ومطه قليلاً، ليطاول الإخوة اللبنانيين ومن في حكمهم بالهاربين إلى سورية أو القادمين لزيارتها. ولكن الجني الدولاري يحتاج لقرار صغير وبسيط، ولا يكلف رئيس الوزراء سوى جرّة قلم.
وفعلاً، أصدرت حكومة الأسد قبل يومين، قراراً يسمح لمواقع العمل السياحي باستيفاء عمولات خدماتها المحددة بالقطع الأجنبي، ولأن القرار صدر، وإن خص المنشآت السياحية التي يمكن إضواء كل الخدمات بفيئها، يمكن، أيضاً، مطه وسحبه، على باقي القطاعات.
نهاية القول أمران:
الأول أن عودة عدد قليل من المهجرين السوريين البالغين 11 مليوناً حول العالم، وعدد قليل من الإخوة اللبنانيين، رفع الأسعار وأخل بالأسواق، وكشف عورات الطاقة والنقل، فكيف يمكن لنظام الجباية بدمشق أن يسمح بعودة السوريين، وهذا ربما من الأسباب المهمة في ممانعة النظام الممانع من استقبال اللاجئين من تركيا والأردن ولبنان، رغم تنازل تلك الدول حتى عن مبادئها تجاه السوريين وثورتهم.
والأمر الثاني أن اللهاث وراء الدولار، كان وراء طلب شخصي من رئيس النظام السوري للإمارات ودول أخرى، لتقديم المساعدات والإسراع بعقد مؤتمر مانحين، لأن سورية لا تستطيع أن تكفي شعبها أو تطعم وتؤوي اللاجئين من لبنان، وفعلاً أرسلت أبوظبي، وربما غيرها، الدولارات، وزادت مماسك الإذلال والمساومة على نظام ضحى، ولم يزل، بالسوريين وثرواتهم، ولا ينشغل إلا بكرسي أبيه والدولار.