قال رئيس مجلس المنافسة التونسي رضا بن محمود إن قوانين بلاده تشجع التحالفات المهيمنة على الاقتصاد، بما يضر الأسواق، فيما توجد شبهات مخلة بالمنافسة تطاول شركات الاتصالات الثلاث... وهنا نص المقابلة:
*كيف يتدخل مجلس المنافسة التونسي للحد من الممارسات الاحتكارية خلال انتشار كورونا؟
وضع المجلس كل إمكاناته أمام الحكومة، عبر المساهمة بآرائه الاستشارية في مشاريع المراسيم المتخذة لتطويق الجائحة اقتصادياً واجتماعياً، وذلك في إطار جهود التصدي للاحتكارات والمضاربات.
أما على المستوى القضائي، فقد بدأ المجلس تحقيقاً يطاول مشغلي الاتصالات الثلاثة، إثر إقدامهم في نفس التوقيت والفترة على الزيادة في أسعار خدمات الإنترنت ذي التدفق العالي. وانطلق التحقيق من وجود شبهة اتفاق بين المشغلين لزيادة الأسعار بسبب ارتفاع الطلب على هذه الخدمة خلال فترة الحجر الصحي.
*ما هي أكثر القطاعات التي تقوم بممارسات احتكارية؟
تزايدت الممارسات المخلة بالمنافسة في قطاع الاتصالات وعمليات البيع عن طريق المنصات الإلكترونية التي تزدهر خلال هذه الفترة. أما فيما يتعلق بقطاعات توزيع المواد الغذائية المدعمة، ومنها الدقيق، قامت وزارة التجارة بمراقبة مسالك التوزيع وتحرير مخالفات تتعلق بإخفاء البضاعة والمضاربة فيها وعدم اعتماد التّسعيرة القانونية، ويعدّ ذلك من الممارسات التقييدية التي لا ترقى إلى الممارسات المخلة بالمنافسة، إذ تُحال للقضاء العدلي.
وكذلك موضوع توزيع الكمامات والمطهّر المعقّم بالسوق، إذ ظهرت في بداية الجائحة صعوبات في توفرها نظراً للطلب الكبير على هذه المواد.
*ما هو تعليقك على اتهام رئيس الحكومة السابق إلياس الفخفاخ مجلس المنافسة بتشجيع الاقتصاد الريعي؟
في الواقع، يوجد خطأ في التعبير لأنه من غير المعقول والمقبول أن يقوم مجلس المنافسة بتشجيع اقتصاد الريع، لأن الدور الذي وجد من أجله هو ترسيخ المنافسة في السوق والتصدي للممارسات المخلة بالمنافسة. لذا لا يمكنه تشجيع الاقتصاد الريعي الذي يقوم على خلق الامتيازات وحمايتها واستغلالها، أو دعم الاستثمار من دون تفعيل للمنافسة والأخذ بالاعتبار مردودية المشاريع ونجاعتها الاقتصادية، هذا في الحقيقة يتم تكريسه عبر السياسات العامة القائمة على منح التراخيص لممارسة بعض الأنشطة أو تراخيص الاستيراد أو الحماية التجارية لمنتجات معينة دون غيرها.
والاقتصاد الريعي يستند في غالب الأحيان إلى قوانين تصدرها الدولة، ما يعطيه مشروعية وينزع عنه صفة الفساد، بما يضمن تواصل التحالفات المهيمنة على الاقتصاد ومنع دخول مؤسسات جديدة إلى السوق.
*كذلك انتقد الفخفاخ انحياز مجلس المنافسة إلى الشركات الكبرى، ما ردك على ذلك؟
أصدر المجلس منذ استحداثه 110 قرارات إدانة مع غرامات مالية تساوي 25.460 مليون دينار (9 ملايين دولار)، فيما لا يزال 14 قراراً قيد التنفيذ إلى جانب 34 قضية إدانة تم استئنافها أمام القضاء الإداري.
أما على مستوى تطبيق قرارات مجلس المنافسة فإن القانون المتعلق بإعادة تنظيم المنافسة والأسعار واضح في هذه المسألة، إذ ينص على أن يتولّى الوزير المكلّف بالتجارة وبالتّعاون مع الجهات المختصة، اتخاذ الإجراءات الضرورية لمتابعة تنفيذ القرارات الصادرة عن مجلس المنافسة ضد المخالفين.
*هل تعتبر أن هناك قصوراً في قانون المنافسة يشجع على الاحتكار؟
بالتأكيد، خاصة من خلال محدودية الدور الاستشاري للمجلس وعدم تمكينه من سلطة القرار في مجالي التركّز الاقتصادي والإعفاءات. ومن المسلّم به أنّ تفرض التحوّلات الاقتصادية والتجارية التي تعرفها تونس تطوير التشريع بما يتلاءم مع متطلّبات الوضع الحالي من خلال اعتماد سلطة موحّدة للمنافسة وتدعيم دورها وصلاحياتها في مجال مراقبة السوق، والعمل على مراجعة نظام العقوبات لمحاربة الممارسات المخلة بالمنافسة وجعله أكثر نجاعة.
*قال سفير الاتحاد الأوروبي في تونس، باتريس برغاميني، إن "لوبيات عائلية" تعرقل المنافسة الحرة في تونس، هل توافقه الرأي؟
التشريع المتعلق بممارسة بعض الأنشطة الاقتصادية يكرس نظام الترخيص المسبق أو يضع حواجز قانونية لممارسة النشاط، وهو ما قد يشكّل حاجزاً أمام دخول مؤسسات جديدة إلى السوق ويعطي نوعاً من الحماية لبعض الأطراف النافذة من خلال محافظتها على موقعها في العديد من الأسواق، وبالتالي تكوين "لوبيات" تتحكم في بعض القطاعات.
أما بخصوص بعض التراخيص التي يمكن أن تكون أساساً لجعل بعض المؤسسات في وضع مهيمن فإن مجلس المنافسة يتدخل في هذا المستوى من خلال رأيه الاستشاري غير الملزم الذي يسبق إسناد الترخيص أو رفضه من قبل الوزير المكلف بالتجارة.