رفع الفائدة لا يكبح التضخم في تركيا: تراجع الليرة وزيادة الأعباء المعيشية

05 أكتوبر 2024
تباطأ التضخم في تركيا إلى 49.38 % في سبتمبر/ إسطنبول 28 فبراير 2024 (Getty)
+ الخط -

تتزايد الأعباء المعيشية للأتراك، بواقع تراجع القيمة الشرائية لليرة واستمرار ارتفاع الأسعار، رغم الوعود الحكومية بلجمها وتراجع التضخم في تركيا وتحقيق "الرفاهية" كما هدف البرنامج الحكومي، حتى بعد تعديله الشهر الماضي. ولم تتراجع نسبة التضخم، كما رسمت الحكومة ووعدت الأتراك، إذ لم تصل نسبة التراجع إلى 2.5% خلال شهر سبتمبر/ أيلول الفائت، بحسب معهد الإحصاء التركي الذي أشار الخميس إلى تباطؤ التضخم في تركيا إلى 49.38% في سبتمبر على أساس سنوي، متراجعاً من 51.97% في شهر آب/ أغسطس.

وعقّب وزير الخزانة والمالية التركي محمد شيمشك على نسبة التضخم أمس بقوله: "إن الحكومة التركية تعمل بجد لتهيئة الظروف اللازمة لتحقيق انخفاض دائم لمعدل التضخم في تركيا"، مشيراً إلى أن هذه الجهود تهدف إلى إعادة الاستقرار المالي والاقتصادي في البلاد. وأضاف شيمشك، خلال تصريحات، أن خطط الحكومة تتوقع انخفاض معدل التضخم في تركيا إلى خانة الآحاد بحلول عام 2026، وهو ما يعتبر هدفاً استراتيجياً طويل الأمد .

وأشار الوزير إلى أن الحكومة تدرك تبعات التحديات الاقتصادية العالمية، إلى جانب تأثير التضخم على الأوضاع المعيشية للمواطنين، وهو ما يتطلّب اتخاذ إجراءات حاسمة ومستدامة. كذلك شدّد على أهمية التعاون مع المؤسسات الدولية والخبراء الاقتصاديين لتحقيق هذه الأهداف، مع التركيز على تحسين مناخ الأعمال وجذب الاستثمارات الأجنبية لتعزيز النمو الاقتصادي على المدى الطويل. 

تصاعد الصراع في المنطقة يضغط على اقتصاد تركيا

في المقابل، سجّلت الليرة التركية، اليوم السبت، أدنى سعر على الإطلاق، بعد أن تراجعت إلى 34.3 ليرة مقابل الدولار ونحو 37.7 لليورو الواحد، وسط توقعات باستمرار تراجع سعر صرف العملة التركية، بواقع سخونة الأحداث بالمنطقة وتراجع قيمة الصادرات وأعداد السياح، كما يقول الاقتصادي التركي مسلم أويصال. وأشار أويصال لـ"العربي الجديد" إلى أن السياحة هذا العام، ورغم ما يقال رسمياً، في تراجع، ولن تصل الأعداد إلى ما هو مخطط له، أي 60 مليون سائح بعائد 60 مليار دولار، ما يعني تراجع النقد الأجنبي بالسوق. كما أن الصادرات، ورغم ما يقال أيضاً، الأرجح أن لا تصل إلى قيمة صادرات العام الماضي، والبالغة 256 مليار دولار، بسبب الأحداث الأمنية وتأثر النقل في دول المنطقة. 

وفي حين يستبعد الاقتصادي التركي وصول شرر الحرب بالمنطقة إلى داخل تركيا، إلا أنه لا يستبعد أن يتأثر اقتصادها بشكل كبير، خاصة وسط توقعات اتساع دائرة الحرب، إذ يعد العراق وإيران شريكين مهمين لاقتصاد تركيا. في المقابل، وبواقع رفض الحكومة التركية زيادة الحد الأدنى للأجور، مرة ثانية خلال العام الجاري وإبقائه عند 17002 ليرة تركية، ارتفعت نسب الجوع والفقر بالبلاد، بحسب تقرير الاتحاد التركي لنقابات العمال "Türk-İş" لشهر أيلول/ سبتمبر. 

التضخم في تركيا يضغط على الفئات الأقل دخلاً

وبحسب التقرير، فقد جرى تحديد حد الجوع عند 19 ألفاً و830 ليرة تركية، في حين بلغ حد الفقر 64 ألفاً و595 ليرة تركية. أما تكلفة المعيشة الشهرية للموظف الأعزب، فقد وصلت إلى 25 ألفاً و706 ليرة تركية. ويتم احتساب حد الجوع بحسب تكلفة توفير غذاء كافٍ وصحي لأسرة مكونة من 4 أفراد على مدار الشهر، في حين يشمل حد الفقر بالإضافة إلى تكلفة الغذاء جميع الاحتياجات الأساسية الأخرى مثل السكن، المواصلات، التعليم، والصحة لأسرة مكونة من 4 أفراد.

ويعكس التقرير زيادة واضحة في تكاليف المعيشة، مما يضع تحديات إضافية أمام الأسر ذات الدخل المحدود، ويؤكد ضرورة متابعة التغيرات الاقتصادية واتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة التضخم المستمر وارتفاع الأسعار.

ولا ينكر المحلل التركي باكير أتاجان زيادة تكاليف المعيشة وارتفاع الأسعار بتركيا، لكن التضخم برأيه في تراجع مستمر، وخطة الفريق الاقتصادي تنعكس على الواقع، وإن بوتائر أقل من الخطة والمتوقع، معتبراً أن لـ"الظروف الإقليمية والدولية" أثراً مهماً لا يمكن تجاهله، فشريكا تركيا، روسيا وأوكرانيا، من جهة، والحرب التي تشنها إسرائيل بالمنطقة، من جهة ثانية، أثروا وبشكل كبير على تدفق السياح والصادرات وركود قطاعات مهمة، في مقدمتها العقارات.

ويضيف أتاجان لـ"العربي الجديد" أن الحكومة تنظر بطرق غير مباشرة لتحسين واقع المعيشة، سواء عبر مراقبة الأسواق ومعاقبة المستغلين، أو إرجاء فرض عديد من الضرائب المقررة بالبرنامج الحكومي، فضلاً عن دعم قطاعات الإنتاج، والزراعي خاصة، من خلال قروض ميشرة ودعم مستلزمات الإنتاج، ولكن، يكرر، ثمة ظروف طارئة أثرت على النمو والمعيشة والتضخم، في العالم بأسره جراء الحروب والتوترات السياسية، وتركيا منه، وإن بنسب أقل.

وحول ما يقترحه اقتصاديون بضرورة تخفيض سعر الفائدة المصرفية، لتعود الأموال للسوق والمشاريع، بعد أن جذبتها خزائن المصارف بإغراء سعر فائدة 50%، يجيب المحلل التركي أن بلاده لجأت للفائدة المرتفعة خلال فترة محددة، وقد حقق ذلك النهج هدفه، سواء باستعادة ثقة الأموال والمستثمرين الخارجية، أو وكالات التصنيف الائتماني، وربما حان الوقت للبدء بتخفيض سعر الفائدة الذي توقعه منذ الشهر المقبل.

وفي ما يتعلّق بإمكانية زيادة الحد الأدنى للأجور، نفى أتاجان أن يكون ذلك بخطة الحكومة، فقد حسمت أن عام 2024 سيشهد زيادة واحدة، على عكس عامي 2022 و2023 اللذين شهدا زيادتين نظراً لارتفاع الأسعار والتضخم. وطاولت زيادة الحد الأدنى للأجور مطلع العام الجاري ما نسبتهم 38% من 16 مليوناً و687 ألف موظف، أي ما يقرب من ستة ملايين و300 ألف، يتقاضون الحد الأدنى للأجور في تركيا.