تتعاظم معاناة السوريين المعيشية مع إصدار الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد في مناطق النظام، يوم الاثنين الماضي، قراراً يقضي بالموافقة على رفع أسعار خدمات الاتصالات الثابتة والخلوية بنسب بين 30 و35% على التعرفة الأساسية للخدمات الخلوية و35 و50% للاتصالات الثابتة، على أن يتم تطبيق القرار اعتباراً من أول مايو/ أيار المقبل.
وذكر القرار أنّ سبب الارتفاع ناجم عن الكلف الكبيرة في المكونات الأساسية والمصاريف التشغيلية لشبكات الاتصالات الخلوية والثابتة، ولضمان استمرار الخدمات.
وبحسب لائحة الأسعار الجديدة التي نشرتها شركتا "سيريتل" و"إم تي إن"، أصبح سعر دقيقة الاتصال للخطوط مسبقة الدفع 35 ليرة سورية، وللخطوط لاحقة الدفع 33 ليرة، والميغابايت خارج الباقات 22 ليرة سورية. (الدولار= 7975 ليرة سورية في السوق السوداء)
بدورها أوضحت "السورية للاتصالات"، أنّ أجر الاشتراك الشهري للهاتف الثابت أصبح 1300 ليرة، ودقيقة الاتصال القطري 5 ليرات، و3 ليرات (يوم الجمعة وبين 5 مساء و9 صباحاً).
من جانبهم أعرب المقيمون في مناطق النظام السوري عن سخطهم من هذه القرارات، والتي تزيد العبء على الأهالي المثقلين بالمصاريف الزائدة والتي لا تتناسب مع حجم الدخل اليومي.
يقول المهندس علي الرحيل لـ"العربي الجديد" أنه يصرف بشكل شهري نحو 30 ألف ليرة سورية ثمن فاتورة الجوال وباقات الإنترنت ما يعني أنّ مصروفه الشهري بعد القرار سيتجاوز الأربعين ألفاً، وهو مبلغ كبير جداً مقارنة براتبه الذي لا يتجاوز 112 ألف ليرة.
يضيف الرحيل "كيف سأتدبر باقي احتياجات أسرتي المؤلفة من زوجتي وطفليّ، فما يتبقى من راتبي لن يكفي لأكثر من ثمن الخبز، كنا ننتظر انخفاضاً في الأسعار أو زيادة في رواتب العاملين في الدولة، لكن يبدو أنّ هذا الأمر لن يحصل أبداً".
أما المدرس فارس العمر فيقول لـ"العربي الجديد" إنه يحتاج باقة شهرية بكلفة 20 ألف ليرة لكنه لا يعلم كيف سيدفع بعد الأسعار الجديدة، ويتقاضى راتباً شهرياً يقدر بنحو 120 ألف ليرة بحكم سنوات عمله الطويلة، إلا أنه لا يكفي لمعيشته ما يدفعه للتوجه للعمل بالدروس الخصوصية للحصول على الحد الأدنى من احتياجات عائلته اليومية.
بينما سيبدو أثر الارتفاع أكبر على الجهات التي تعتمد بعملها اليومي على الإنترنت مباشرة، يقول سامر خير الله وهو مبرمج مواقع إلكترونية، إنّ عمله يعتمد بشكل كامل على شبكة الإنترنت والاتصالات، فهو مضطر للعمل على الشبكة لمدة أطول، والحصول على سرعات أكبر تساعده في رفع وتحميل البيانات.
يدفع علي اليوم نحو 150 ألف ليرة سورية فواتير جوال وإنترنت، ويتوقع أن يتجاوز المبلغ الذي سيدفعه لاحقاً 200 ألف ليرة، مؤكداً أنّ الخدمة لن تتغير، وأنّ مرابحه لن تزداد، ما يعني أنه خسر 50 ألف ليرة بشكل شهري.
ارتفاع أسعار الاتصالات قوبل بردود ساخرة وتعليقات تدعو للمقاطعة انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، فقد طالب عضو مجلس الشعب السابق نبيل صالح المواطنين بالانقطاع عن استعمال الجوالات والصيام عن الاتصال ابتداء من 1 مايو/ أيار المقبل، احتجاجاً على قرار مؤسسة الاتصالات القاضي برفع الأسعار، لا سيما أنّ الحكومة لم ترفع الرواتب بما يتناسب مع هذا الغلاء.
أما الناشط عمار علوش، فقد علّق، على صفحته على "فيسبوك" على رفع تعرفة الاتصالات والإنترنت بالقول: "بما أنّ القانون والدستور يضمن لنا المطالبة بحقوقنا، ونيابة عن المواطنين الباقين على أرض هذا الوطن، أطالب الحكومة ومن لف لفيفها برفع الرواتب والأجور بنسبة 3000% وذلك لضمان عملنا كمواطنين وموظفين بسبب عدم القدرة على العمل ضمن راتب 100 ألف بسبب ارتفاع تكاليف خدمتنا لهذا الوطن. أو السماح لنا بالهجرة على مبدأ حلّوا عنا".
وعقّب المحلل السياسي خالد عبود على رفع الأسعار بقوله إنّ "قرار رفع أسعار وخدمات الاتصالات الثابتة والخلوية دون ما يوازيه من رفع لأجور ورواتب المواطنين، هو عدوان على حياة غالبيتهم وعلى عفاف صمتهم وحاجتهم وخذلانهم".
من جانب آخر، حاولت وسائل الإعلام المحسوبة على النظام تبرير هذا الارتفاع وتبنت وجهة نظر شركات الاتصال، وعلى رأسها "سيريتل" و"إم تي إن"، واللتان بينتا عجزهما عن تقديم الخدمات بالشكل المطلوب، بسبب ارتفاع تكاليف التشغيل.
وتحدثت وسائل الإعلام الموالية عن تراجع خدمات الخليوي في سورية، أخيراً، خاصة خدمة الإنترنت التي لم تعد تلبي احتياجات المواطنين بالشكل المطلوب، إضافة للصعوبات المرتبطة بتغطية الشبكات للاتصالات الخليوية والتي تركت تأثيراً سلبياً لدى المشتركين، وأثرت حتى على عمل المؤسسات والشركات التي تعتمد جميعها على الإنترنت في تقديم خدماتها.
أما شركتا الخليوي فقد بررتا تراجع خدماتهما بارتفاع تكلفة مصادر الطاقة لا سيما مع الانقطاعات الطويلة للكهرباء، وارتفاع أسعار المولدات الخاصة باستمرار تشغيل الشبكات من بطاريات وطاقة شمسية وأمبيرات وغيرها، إضافة إلى انخفاض حصص الشركتين من الوقود، الأمر الذي أدى إلى خروج أكثر من ربع عدد المحطات عن الخدمة لفترات قد تمتد لمعظم ساعات اليوم.
بدوره يقول الخبير الاقتصادي يحيى سيد عمر، لـ"العربي الجديد"، إنّ قيام حكومة النظام ممثلة بالهيئة العامة للاتصالات والبريد برفع تكلفة الاتصالات بمختلف أشكالها، "هو محاولة لمواكبة التضخم في البلاد، لكن بعد هذا الارتفاع ما زالت تكلفة الاتصال في مناطق سيطرة النظام تعد منخفضة مقارنة بالدول الأخرى، فالعبرة ليست بالتكلفة بحد ذاتها، بل بالمستوى المتدني لدخل الفرد".
وتابع العمر أنّ "دخل الموظف الحكومي في المتوسط يبلغ 15 دولاراً شهرياً، وعند مستوى الدخل هذا أي زيادة على أي خدمة أو منتج تعد مرهقة للفرد، وهنا وعلى ما يبدو فإنّ حكومة النظام لا تنظر للأمر من وجهة نظر المواطن، بل من وجهة نظر كبار المستثمرين المسيطرين على قطاع الاتصالات، فهذا القطاع من القطاعات الحيوية، وتسعى حكومة النظام لاستمرار عمله من خلال الرفع المستمر لتكلفة الاتصال، بغض النظر عن قدرة الفرد عن تحمل هذه الزيادات".
وأردف العمر أنّ "كلفة الخدمة لا تتناسب مع معايير الجودة، لا على مستوى الكم ولا النوع، وانخفاض الجودة يعود بشكل رئيس لانعدام المنافسة، فعلى الرغم من الإعلان منذ عدة سنوات عن دخول مشغل ثالث إلى سوق العمل، إلا أنّ هذا الأمر لم يتحقق حتى الآن، وسبب هذه المماطلة الخشية من خسارة احتكار السوق، فسوق الاتصالات في سورية يصنف على أنه سوق احتكار القلة، ويرقى لأن يكون احتكاراً مطلقاً، وهذا الاحتكار لا يتم بمبادئ اقتصادية بل بقوة سياسية".
وكانت الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد التابعة للنظام السوري، قد أعلنت، في مايو/ أيار الماضي، عن رفع أجور الاتصالات الخليوية والأرضية والإنترنت في سورية بنحو 50% اعتباراً من شهر يونيو/ حزيران، لضمان استمرار عمل شركات الاتصالات وخدماتها بما يتناسب مع الظروف الحالية الناتجة عن تداعيات "قانون قيصر" وارتفاع سعر الصرف.