يعتبر رمضان من الأشهر التي ينتظرها تجار الذهب في قطر، إذ تزداد المبيعات بنسب متفاوتة قد تصل إلى أكثر من 50% في أفضل حالاتها مقارنة بالمواسم الأخرى، وبخلاف أن المعدن الأصفر يعد عملة الملاذ الآمن وقت الأزمات، وأفضل وعاء للاستثمار والادخار، فهو أيضاً مرتبط بالموروث الشعبي، خاصة التصميمات القطرية المتوارثة عبر الأجيال.
وينتظر تجار الذهب في قطر موسم رمضان لعرض ما لديهم من تصميمات جديدة، ويؤكد محمد الصلاحي المدير التنفيذي لمجموعة "الصلاحي القابضة"، أن حركة مبيعات سوق الذهب تشهد حاليا انتعاشاً كبيرا، وتتراوح نسب ارتفاع المبيعات منذ اليوم الأول من رمضان من 40 إلى 50%.
وقال الصلاحي لوكالة الأنباء القطرية "قنا" "إن الذهب ما زال هو أفضل الهدايا التي يتم بها التعامل إلى الآن، وتحرص الأسر القطرية على اقتناء الذهب وأيضاً تبادل الهدايا من الذهب، لما له من قيمة عالية، حيث يظل محتفظاً بقيمته في أغلب الأحوال، حتى لو تعرضت الأسواق لتقلبات شديدة".
وأكثر المشترين في الأسواق حالياً من القطريين، وتأتي في قائمة المبيعات المشغولات الذهبية التراثية التي يفضلها الناس ويقبلون على شرائها وارتدائها في الشهر الفضيل.
وأضاف "مع اقتراب ليلة "القرنقعوه" في منتصف الشهر الفضيل، فإن المبيعات ترتفع عن هذه النسب، نظرا للإقبال الشديد على الذهب والمشغولات التراثية والتصاميم المتعلقة بالتراث والتقاليد، حيث يتبادل الأهل والأقارب الهدايا، ويعد الذهب أفضل الهدايا في مثل هذه المناسبات".
وحول أسعار الذهب ومدى ربطها بعوامل اقتصادية وسياسية، قال الصلاحي "من المعروف أن أسعار الذهب ترتفع مع الأزمات السياسية والتقلبات الاقتصادية، ففي العام الماضي أسهمت الحرب الروسية الأوكرانية بارتفاع الذهب، إذ وصلت الأونصة إلى 2043 دولار، ثم تراجعت قبل نهاية العام ووصلت لمستويات 1634 دولارا للأونصة بفعل بيانات اقتصادية تشير لانتعاش في الاقتصاد الأميركي، وبالتالي ارتفاع مؤشر قوة الدولار وكذلك ارتفاع العائد على سندات الخزينة الاميركية من جهة وعمليات رفع الفائدة من جهة أخرى".
ويعتقد الصلاحي أن أزمة المصارف الأميركية محدودة مقارنة بحجم أكبر اقتصاد في العالم، وأنه من المتوقع أن تعود الأمور إلى طبيعتها خلال الأيام المقبلة، ليبقى العامل الأبرز المؤثر خلال الأشهر القادمة، والمتمثل في التضخم، وهو الذي سيحدد مصير الأسواق العالمية خلال المرحلة المقبلة، ومن بينها أسواق الذهب العالمية، ومن ثم حركة البيع والشراء في أسواقنا المحلية.
وبالنسبة لتوقعات أسعار الذهب الفترة المقبلة، أكد الصلاحي أن سعر الذهب لن يزيد عن 2080 للأونصة ما لم تكن هناك مستجدات أخرى أو إفلاسات جديدة، مشيراً إلى أن توقعات ارتفاع كبير في أسعار الذهب، ماهي إلا دعاية مضللة في أغلبها لرفع الأسعار.
في السياق، تتضاعف سنويا معدلات الإنفاق والاستهلاك في رمضان، فتزدهر على أثرها الأسواق المحلية؛ إذ يحرك شهر الصيام دورتها، ويسرع عمليات نموها، حسب ما أكده خبراء اقتصاديون حول انعكاسات رمضان على الاقتصاد الوطني، فقد فأجمعوا على أن رمضان محفز لعجلته، ويشكل الطلب المتزايد على السلع دافعا لقوى الإنتاج، التي لا تتعطل، ولن تتأثر إطلاقا بطبيعة الصيام ومدته.
وأصبح النمط الاستهلاكي الرمضاني مصدر قوة للاقتصاد المحلي، ومحركا للسوق، وعادة ما تحفز العادات الشرائية المصاحبة للشهر، كالموائد الرمضانية، وملابس وهدايا العيد، أداء 8 قطاعات رئيسة، ترتبط مباشرة بالمناسبة، وفي مقدمتها قطاع المنتجات الغذائية، والثروة الحيوانية، والمنسوجات والملابس، والهدايا، والحلويات والمكسرات، والفنادق، والمطاعم، وصالونات التجميل وغيرها من المنتجات، التي نقبل عليها خلال رمضان والعيد؛ إذ تستفيد هذه القطاعات مجتمعة من الموسم، وتتضاعف مبيعاتها، وفقا للخبير الاقتصادي فواز الهاجري، الذي أكد أن رمضان ينعكس عليها بشكل إيجابي.
ويرى الهاجري أن لرمضان تأثيرا إيجابيا على الاقتصاد المحلي، من خلال تحسن مؤشر المشتريات "المستهلكين"، وارتفاع إنتاج شركات الألبان، والخضراوات والفواكه والتمور، مما يحسن العمليات التشغيلية لقطاع النقل، وأسواق التجزئة كالجمعيات الاستهلاكية، والقطاع الصناعي برمته. والمطلوب هو كيفية إدارة الكم الاستهلاكي على المدى البعيد، خاصة أن حجمه في رمضان قد ينشط المدخلات الاقتصادية طوال العام.
وبهذا الصدد يؤكد الخبير والمحلل المالي وليد الفقهاء على تأثيرات رمضان الإيجابية والمباشرة على الاقتصادات الإسلامية، وأهمها ارتفاع حجم الإنفاق لدى الأفراد، مما يرفع الطلب على المنتجات، ويساعد في تحريك دفة النمو، خصوصا أن أغلب اقتصاداتنا ذات طابع استهلاكي، وهذا بدوره يدعم قطاع الأعمال للشركات الناشئة الصغيرة والمتوسطة، وعلى رأسها المواد الغذائية، والمشروبات، وقطاع الضيافة، والخدمات، ولهذه القطاعات تأثير عام على الاقتصاد، ومساهمة لا يستهان بها في الناتج الإجمالي المحلي.