يترقب المزارعون الأوكرانيون بشغف بالغ اللقاء الذي سيجمع بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في منتجع سوتشي، الأسبوع المقبل، على أمل أن يقود اللقاء إلى إحياء اتفاق الحبوب الأوكرانية الذي رفضت موسكو تجديده في منتصف يوليو/ تموز الماضي.
وعلى الرغم من المنافع الكبيرة التي تجنيها روسيا على صعيد زيادة مبيعات الحبوب ودخلها من النقد الأجنبي في ظل غياب القمح الأوكراني عن أسواق العالم، ولكن ربما لا ينتبه الكثيرون إلى الوزن السياسي الكبير الذي يوليه بوتين لأردوغان، واحتمال أن يتمكن من إقناعه بالعودة للاتفاق مرة أخرى.
ووفق مراقبين، فإن تأثير أردوغان على بوتين لا يعود فقط إلى العلاقات التجارية بين روسيا وتركيا، أو إلى صادرات الغاز الطبيعي الروسي الضخمة إلى أنقرة التي استمرت في تدفقها رغم العقوبات الغربية القاسية على قطاع الطاقة الروسي، ولكنه يعود إلى حقيقة جيوسياسية عالية الأهمية لموسكو، وهي أن روسيا "دولة حبيسة" ليس لها منافذ بحرية وتعتمد في وصول أساطيلها إلى المياه الدافئة على البحر الأسود وممر البوسفور التركي، كما أن لدى أنقرة روابط عرقية قوية مع دول آسيا الوسطى التي تقع تحت نفوذ موسكو وتستغل مواردها الطبيعية الضخمة.
ورغم أن خروج موسكو من الاتفاق لم يكن له تأثير كبير على أسواق الحبوب العالمية، إلا أنه أدى إلى خسائر كبيرة بالنسبة للمزارع الأوكراني، وكذلك بالنسبة لدخل الحكومة الأوكرانية من الحبوب. إذ أدى خروج روسيا من اتفاقية التصدير إلى ضرب ربحية الزراعة في أوكرانيا، حيث تراجع دخل المزارعين وارتفعت تكاليف الزراعة في البلاد، إلى درجة أن بعض المزارعين بدأوا جدياً بالتفكير في التخلي عن زراعة محصول مثل القمح واستبداله بمحصول آخر.
وفي الوقت الحالي، تخرج صادرات أوكرانيا عبر حدودها البرية الغربية أو عبر ميناءين صغيرين على نهر الدانوب. ولكن تبقى كميات كبيرة من المحاصيل متراكمة بالمخازن في أوديسا وموانئ أخرى على البحر الأسود وتتعرض لهجمات من فينة لأخرى بواسطة الطائرات المسيرة الروسية.
في شأن المزارع الأوكراني، قال كبير محللي السلع في مصرف "رابوبنك" الهولندي، مايكل ماغدوفيتز، إن انهيار مبادرة الحبوب "شكل صدمة كبيرة للمزارعين الأوكرانيين"، وأضاف قائلاً إن "صفقة الحبوب منحت المزارعين الأوكرانيين الثقة لزراعة كميات كبيرة من الحبوب في العام الماضي، ولكن الآن مع انتهاء المبادرة باتت لديهم خيارات محدودة لبيع المنتجات".
وأشار ماغدوفيتز إلى أنه "في العام المقبل ربما سيزرع المزارعون الأوكرانيون كميات أقل بكثير، نظراً لاحتمالات الخسائر". وعادة ما يكون شهر أغسطس/ آب من الشهور غير المهمة للمزارع الأوكراني، ولكن الاختبار الحقيقي لمبيعات الحبوب الأوكرانية ستكون في شهري سبتمبر/ أيلول وأكتوبر/ تشرين الأول، حينما يتم حصاد المحاصيل الجديدة بالبلاد.
في هذا الصدد، يقول محللون إن المزارعين الأوكرانيين يتكبدون خسائر ضخمة من توقف التصدير عبر الموانئ على البحر الأسود في مبيعاتهم من القمح، حيث يتقاضون حالياً ما يصل إلى 160 دولاراً للطن المتري مقابل القمح الذي يسلمونه إلى الموانئ على نهر الدانوب، وهو أقل مما كان عليه قبل انهيار الاتفاق. وعلى الجانب الآخر من النهر نفسه، يمكن للمزارعين الرومانيين الحصول على حوالي 215 دولارًا مقابل الطن المتري من القمح. وهذا يمثل خسارة كبيرة للمزارع الأوكراني.
في هذا الصدد، قال مزارعون لصحيفة "وول ستريت جورنال" إنه "من المرجح أن يعاني العديد من المزارعين من نقص الدخل، وعدم القدرة على تمويل زراعة الجولة التالية من المحاصيل في الشتاء المقبل. وهذا بدوره يمكن أن يحد من إنتاج الحبوب في أوكرانيا". وقال بعض المزارعين إنهم قرروا زراعة كميات أقل من القمح الشتوي هذا العام على أمل خفض الخسائر التي من الممكن أن يتكبدوها من مبيعات القمح وبعض الحبوب في حال عدم إحياء الاتفاق مع روسيا.
كما بدأ آخرون بالفعل بالتحول إلى محاصيل أكثر ربحية مثل عباد الشمس، تحسباً لمشاكل التصدير عبر البحر الأسود. ورغم أن سفينتين تجارتين تمكنتا من المرور من موانئ البحر الأسود خلال الشهر الجاري، ولكن هذا لا يعني أن السفن ستكون آمنة عبر هذا الممر الجديد من البحر الأسود.
وقبل الحرب التي اشتعلت في نهاية فبراير/ شباط 2022، كان يتم تصدير جميع المنتجات الزراعية الأوكرانية تقريباً عبر موانئ البحر الأسود التي أغلقت عندما غزت روسيا البلاد. ثم أعيد فتح هذا الطريق في يوليو/ تموز 2022 بعدما توسطت الأمم المتحدة وتركيا في اتفاق مع موسكو.
وقد سمحت المبادرة التي توسطت فيها الأمم المتحدة وتركيا في يوليو 2022، بتصدير أكثر من 32 مليون طن متري من الصادرات الزراعية الأوكرانية عبر البحر الأسود. وذهب ما يقرب من 19 مليون طن متري منها إلى البلدان النامية. ومن المقرر أن تصدر أوكرانيا هذا الموسم حوالي 57 مليون طن متري من الحبوب وزيوت الطعام، وفقاً لجمعية الحبوب الأوكرانية.
وقالت جمعية الحبوب إن الحدود البرية لأوكرانيا مع الاتحاد الأوروبي لديها القدرة على تصدير ما بين 15 مليوناً و16 مليون طن فقط سنوياً. وخلال موسم الحصاد الأخير من 2022 إلى 2023، تمكنت أوكرانيا من تصدير نحو 29 مليون طن متري عبر موانئ البحر الأسود، أي ما يعادل نحو نصف صادراتها من الحبوب، وذلك وفقاً لبيانات جمعية الحبوب الأوكرانية التي تعرف اختصاراً بـ"يو جي إيه".
وأظهرت بيانات لوزارة الزراعة الأوكرانية، أول من أمس الاثنين، أن صادرات البلاد من الحبوب في الموسم الممتد من يوليو/ تموز 2023 إلى يونيو/ حزيران 2024 بلغت 4.2 ملايين طن حتى 28 أغسطس/ آب. وصدّرت أوكرانيا 3.96 ملايين طن من الحبوب في الموسم السابق حتى 31 أغسطس 2022. وقالت الوزارة إن صادرات أوكرانيا من الحبوب في الفترة من الأول من أغسطس حتى اليوم بلغت 1.88 مليون طن.
وحتى الآن شمل إجمالي صادرات الحبوب هذا الموسم 1.9 مليون طن من الذرة و1.8 مليون طن من القمح و0.46 مليون طن من الشعير. وبلغت الصادرات لموسم 2022-2023 بالكامل 49 مليون طن تقريبا، متجاوزة الصادرات المسجلة في الموسم السابق له عند 48.4 مليون طن.
وتعد أوكرانيا سابع أكبر منتج للقمح في العالم، ومن المتوقع أن تكون خامس أكبر مصدر للعام التسويقي 2021/ 2022. وفي عام 2021، بلغت قيمة صادرات القمح الأوكراني 5.1 مليارات دولار، وكانت الوجهات الرئيسية هي مصر وإندونيسيا وتركيا وباكستان وبنغلاديش.
ووفقا للأمم المتحدة، فإن الحبوب القادمة من أوكرانيا تغذي أكثر من 400 مليون شخص في العالم وتمثل 10% من جميع المحاصيل المباعة. وتضررت الصادرات الأوكرانية بشدة منذ انتهاء العمل باتفاق توسطت فيه الأمم المتحدة وتركيا في العام الماضي للسماح بتصدير آمن للحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود في 17 يوليو/ تموز.