عمد الكثير من المزارعين في شمال غربي سورية لتغيير خططهم الزراعية بما يتوافق مع الواقع القائم في تلك المناطق من منع للتصدير وصعوبة الحصول على المستلزمات الزراعية للأصناف التي يزرعونها، فأدخلوا أصنافاً عديدة من المزروعات الجديدة بالنسبة إليهم.
من تلك الأصناف مزروعات تستخدم لأغراض طبية، مثل الزعفران وإكليل الجبل والميرمية بسبب الحاجة الملحة لها وغلاء أسعار استيرادها من دول الجوار، خاصة بعد الارتفاع الكبير الذي طرأ على أسعار المستحضرات الطبية وصعوبة الحصول عليها واعتماد الكثير من السكان على الطب البديل من التداوي بالأدوية الكيميائية، وكون هذا النوع من الزراعات يُسمح بتصديره إلى الخارج عبر تركيا.
في هذا الصدد، قال الأستاذ في كلية العلوم الإدارية في جامعة مدينة إدلب والمزارع أسامة سلات من مدينة بنش، لـ"العربي الجديد": "تم استيراد بصل الزعفران من تركيا وزراعته في مدينة بنش بريف إدلب الشرقي، والتي تُعتبر من الزراعات النادرة جداً، وهي غير موجودة في مناطقنا".
وأضاف: "زرعت دونماً ونصفاً، وهي مساحة صغيرة نسبياً، لكن الهدف تجريب هذه الزراعة وجمع البصيلات للعام القادم الذي أتوقع أن يكون لديّ منها ما بين طنين وطنين ونصف طن تقريباً من البصيلات".
وتتراوح أسعار الكيلوغرام الواحد من بصل الزعفران بين 22 و25 دولاراً، بحسب نوعها. ويُعد الإقبال على زراعتها قليلاً لأن الكلفة مرتفعة، وعدم ظهور النتائج حتى الآن بشكل كبير كونها زراعة حديثة ومجهولة الأرباح.
وأوضح سلات أن "نبتة الزعفران مفيدة جداً فهي تدخل من ضمن مضادات الأكسدة، وتحسين عمل القلب، ومضاد اكتئاب، ولتحسين المزاج، وتُستخدم للأطفال كمضاد للأرق.
وعن أهم الصعوبات والعقبات، بيّن سلات: أنه بالإضافة لكونها زراعة مجهولة النتائج، وكلفتها مرتفعة هناك العديد من الأمراض التي قد تصيب تلك النبتة منها ما يسمى الدودة السلكية، وهي دودة تثقب البصلة عندما تكون صغيرة، وهي قليلة تتم مكافحتها بالمبيدات المتوفرة، كما أنها لا تحتاج لأسمدة ومخصبات كيميائية تعتمد فقط على السماد العضوي سواء من بقايا الدجاج أو من مرابط الغنم والأبقار".
وأضاف أن "الزراعة الواحدة تستمر من 5 إلى 7 سنوات، وتتم تهيئة الأرض للزراعة وإضافة كميات ليست بقليلة من الأسمدة الطبيعية لنجاح زراعة هذه النبتة".
بدوره، قال الطالب في السنة الخامسة للهندسة الزراعية في جامعة إدلب من منطقة تلمنس محمد المحمود، لـ"العربي الجديد"، إن إدخال أصناف جديدة من النباتات الطبية يعني إقامة مشروع إنتاجي زراعي، وبالتالي توفير فرص عمل والحد من الفقر والبطالة، وتحسين الواقع البيئي للمنطقة بزيادة الرقعة الخضراء المزروعة بهذه النباتات الطبية المفيدة، وإيجاد فئة مدربة وقادرة على إنشاء واستدامة هذه المشاريع الزراعية الإنتاجية، وإقامة مشاريع نباتية تؤمن مصدر دخل ثابتاً للعاملين بهذا المجال".
وبالفعل، أدخلت زراعة الروزماري (إكليل الجبل) والزعفران (الكركم) حديثا إلى شمال سورية.
وعن مساهمتها في الاقتصاد قال المحمود "إنها حتى الآن تساهم جزئياًّ لأن زراعة هذه النباتات الطبية تشغل مساحات صغيرة فقط، مع أنها مربحة وذات عائد اقتصادي وفير مقارنة بباقي المحاصيل المزروعة سابقاً في حال تم الاهتمام بها وزراعتها بمساحات أكبر.
وبيّن أن هذه النباتات الطبية تتطلب مناخاً معتدلاً، صيفاً حاراً نسبياً، وشتاءً معتدلاً، وتفضل البيئات الجافة حيث يعد ضوء الشمس الكافي والتربة جيدة الصرف والري المنتظم أمراً ضرورياً للنمو الأمثل لهذه النباتات.
وعن الصعوبات والمعوقات التي تعترض المزارعين لإدخال أصناف جديدة والمغامرة في المواسم قال: "إن صعوبة الحصول على مواد الإكثار وغلاء أسعارها، وعدم وجود الخبرة الكافية في زراعة هذه الأنواع، وقلة الأراضي الزراعية بسبب الازدياد العمراني وكثرة المخيمات، وتعرض هذه الأنواع للأمراض والآفات التي تؤثر على الإنتاج والجودة، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج بسبب ارتفاع أسعار المواد الخام اللازمة لزراعة هذه الأنواع، وشح وقلة المياه الصالحة للري، تجعل هذه المزروعات قليلة".
والزعفران من النباتات الطبية المهمة على مستوى العالم، حيث يستخدم مياسم الأزهار في الأغراض الطبية، وفي مجال البهارات الغذائية، ويستخدم باقي أجزاء الزهرة في تحضير الكريمات الطبية.
وتترواح أسعار الزعفران في بعض الدول مثل بلدان الخليج العربي بين 2500 و10 آلاف دولار للكيلوغرام الواحد، حسب جودتها ونسبة رطوبتها، أما في بلد المنشأ فيتراوح ثمن الكيلوغرام بين 5 و15 دولاراً.
وقد جرى الحصول على الأبصال من بلد الجوار (تركيا) بسعر الكيلوغرام الواحد 28 دولاراً، ويحتاج الدونم الواحد إلى 125 كيلوغراماً أبصال متوسطة الحجم، إذ يبلغ متوسط إنتاج الدونم الواحد من الأبصال بعد السنة الأولى 500 كيلوغرام، ومتوسط إنتاج الأزهار في السنة الثانية 100غرام/دونم، وفي السنة الثالثة 500 غرام/دونم.