على الرغم من نزوح الآلاف من الفلسطينيين من مكان سكنهم من شمالي القطاع ومدينة غزة جراء التهديدات الإسرائيلية التي انطلقت كالنار في الهشيم في الأيام الأولى للحرب التي تطلق عليها المقاومة اسم "طوفان الأقصى"، إلا أن معظم السكان متشبثون بأرضهم.
وقدرت الجهات الحكومية إجمالي عدد السكان الذين طالب الاحتلال الإسرائيلي بنزوحهم عن محافظتي الشمال وغزة بقرابة 1.3 مليون نسمة، غير أن إجمالي من استجابوا لهذه الدعوة لم يتجاوزوا نصف مليون نسمة، من بينهم أشخاص نزحوا داخل المحافظات نفسها جراء قصف منازلهم، حسب مصادر لـ"العربي الجديد".
وتعكس هذه الأرقام رفضاً فلسطينيًا لفكرة الهجرة والنزوح بالرغم من أسلوب الترهيب الشديد الذي استخدمه الاحتلال الإسرائيلي للضغط عليهم، وبالرغم من حجم الدمار الكبير الذي أحدثه القصف الجوي والمدفعي الإسرائيلي لمختلف المناطق والمدن الفلسطينية.
وتأتي الأرقام التي ذكرتها المصادر الفلسطينية لـ"العربي الجديد"، عكس ما أعلنته الأمم المتحدة، أول من أمس، ببلوغ عدد الفلسطينيين النازحين في غزة جراء الهجمات الإسرائيلية مليون شخص.
جاء ذلك في تصريحات عبر تقنية الفيديو كونفرانس أدلت بها مديرة الإعلام والتواصل لدى وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، جولييت توما، للصحافيين في مقر الأمم المتحدة.
وتحولت غالبية الأحياء والتجمعات السكنية في القطاع إلى مناطق شبه مدمرة، إذ لا يخلو حي من استهداف إسرائيلي لمنزل أو شقة سكنية، فضلاً عن دمار أحياء بشكلٍ شبه كلي، خلافاً للصور النمطية المعتادة بأن القطاع عبارة عن مجموعة من الجدران الأسمنتية.
وأصرّ آلاف من سكان غزة على البقاء وسط الركام وفيما تبقى من منازل في المناطق المدمرة، وتشبثوا بالحياة عبر القليل من الزاد والمياه ومتطلبات المعيشة في حدها الأدنى، رغم الحرب البشعة التي أطلقها الاحتلال منذ نحو أسبوعين.
وبرزت خلال الأيام الأخيرة سلسلة من الحملات الاجتماعية التكافلية الرامية لتعزيز صمود السكان من خلال توزيع المساعدات الإغاثية على مراكز الإيواء، في ظل تكدس عشرات الآلاف منهم دون غذاء أو تقديم مساعدات من قبل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا".
وإلى جانب ذلك، فقد أقدم بعض موزعي مياه الشرب على توزيعها بشكلٍ مجاني على السكان في المخيمات والتجمعات السكنية التي بقي أصحابها ولم ينزحوا نحو المناطق الجنوبية في القطاع، في ظل النقص الشديد في مياه الشرب وصعوبة الحركة بفعل العدوان.
وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي حملات شبابية لتوزيع بعض المساعدات الإغاثية أو وجبات الطعام على الأسر الفقيرة أو المحتاجة في ظل إغلاق الأسواق والمحال التجارية أبوابها جراء النقص الشديد في السلع المتوفرة في ظل إغلاق المعابر الحدودية.
ورغم أن الجهات الحكومية في القطاع تنفي نفاد السلع الأساسية والتموينية، إلا أنها تؤكد أن الكثير من نقاط التوزيع باتت فارغة من الغذاء جراء عدم عمل التجار واستمرار العدوان لليوم الثاني عشر، فضلاً عن الأوضاع الاقتصادية الصعبة للسكان واعتماد الكثيرين على العمل بأجور يومية.
في الوقت ذاته، تعاظمت الدعوات الفلسطينية الداخلية للضغط على أونروا للقيام بواجبها تجاه اللاجئين الفلسطينيين والنازحين بشكلٍ خاص، فيما عمد بعض الشبان على فتح مخازن المنظمة الأممية في مناطق شمال القطاع والمدينة واللجوء لتوزيع ما هو متوفر من مواد إغاثية على المحتاجين، حسب مصادر لـ"العربي الجديد".
وتشهد المخابز تكدساً يومياً منذ ساعات الصباح الباكر من قبل الرجال والنساء والصغار وكبار السن للحصول على كميات محدودة من الخبز تكفي لسد رمق وجبات اليوم الواحدة في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على القطاع وتواصل حالة الحصار الخانقة.
وشهدت بعض المناطق مثل مدينتي رفح وخان يونس قيام الفلسطينيين أنفسهم بالاعتماد على أفران "الطين" القديمة لتوفير الخبز وتوزيعه داخل الأحياء أو على المدارس التي يوجد فيها النازحون الفلسطينيون من بقية المدارس في محاولة لتعزيز صمود ذويهم.
وتدهورت الأوضاع المعيشية لأكثر من 2.3 مليون نسمة جراء القيود الإسرائيلية المشددة التي اتخذتها الحكومة الائتلافية اليمينية برئاسة بنيامين نتنياهو مع بداية العملية العسكرية في القطاع جراء إغلاق المعابر الحدودية ومنع إدخال القوافل والشاحنات التجارية والغذائية.
ومنذ أكثر من أسبوعين يمنع الاحتلال الإسرائيلي إدخال جميع الاحتياجات الأساسية للقطاع من مواد غذائية أو سلع تموينية بالإضافة إلى الوقود اللازم لتشغيل محطة توليد الكهرباء أو حتى الوقود الخاص بالسيارات والمركبات، فضلاً عن قطع التيار الكهربائي بشكلٍ تام.
وعززت القرارات الإسرائيلية من تفاقم الأوضاع المعيشية والاقتصادية والاجتماعية التي كانت متأزمة من الأساس بفعل الحصار الإسرائيلي المتواصل للعام السابع عشر على التوالي، إذ ارتفعت نسبة العوز والاعتماد على المساعدات الإغاثية لنحو 80%.
ويواجه السكان أزمات مركبة حالياً لعل من أبرزها أزمة شح مياه الشرب، في ظل قطع الاحتلال للمياه عن غزة في إطار العقوبات الجماعية التي اتخذها في أعقاب عملية "طوفان الأقصى" وهو ما دفع منظمات دولية للتحذير من التداعيات الصحية والبيئة.