تشهد الثروة الحيوانية في اليمن انخفاضاً تدريجياً، بسبب ما تمر به البلاد من أوضاع صعبة وتغيرات مناخية واسعة وإهمال شديد يعاني منه القطاع الزراعي، في ظل تقلص مساحة المراعي الطبيعية، وارتفاع تكاليف بعض المستلزمات الضرورية التي تتطلبها عملية الحفاظ على هذه الثروة التي تعتبر أساس اقتصاد الأسر الريفية في البلاد.
وتعتبر الثروة الحيوانية سلة غذاء رئيسية في أغلب المناطق والمحافظات اليمنية، إذ يستوعب القطاع الزراعي النسبة الكبرى من الأيادي العاملة في اليمن، وتشكل الثروة الحيوانية نحو 25% من الدخل القومي للعاملين في الارياف اليمنية.
وتقدر بيانات حديثة صادرة عن إدارة الاحصاء والمعلومات الزراعية في وزارة الزراعة والري حصلت "العربي الجديد" على نسخة منها حجم الثروة الحيوانية في اليمن للعام 2020 بنحو 21 مليوناً و469 ألف رأس منها 9 ملايين و717 ألف رأس من الأغنام وحوالي 9 ملايين و485 ألف رأس ماعز، إضافة إلى مليون و818 ألف رأس من الأبقار و447 رأس جمال.
تراجع واضح في حجم الثروة الحيوانية مقارنة بحجمها قبل الحرب والتي كانت تقدر بأكثر من 35 مليون رأس ما بين أغنام وماعز وأبقار وجمال إلى جانب الدواجن
وتشير هذه البيانات إلى تراجع واضح في حجم الثروة الحيوانية مقارنة بحجمها قبل الحرب والتي كانت تقدر بأكثر من 35 مليون رأس ما بين أغنام وماعز وأبقار وجمال إلى جانب الدواجن، فيما يصل حجم الإنتاج الحيواني إلى 570 ألف طن سنوياً من اللحوم الحمراء والبيضاء والألبان، إضافة إلى منتجات البيض والجلود والصوف والعسل.
وتبلغ مساحة المراعي الطبيعية في اليمن نحو 10 ملايين هكتار موزعة على مناطق بيئية شديدة التباين وتمثل المصدر الرئيسي لغذاء الثروة الحيوانية، إذ تختلف طبيعة النباتات الرعوية المنتشرة وفقاً لطبيعة المناطق الزراعية الرئيسية.
ويشدّد الخبير في مجال اقتصاد الأسر الريفية بوزارة الزراعة والري، كمال القرمي، على أن الجفاف وارتفاع درجات الحرارة في اليمن بشكل قياسي خلال السنوات القليلة الماضية التي تشهد فيها البلاد تغييرات مناخية مؤثرة، تسببا في تهديد اقتصاد كتلة سكانية كبيرة في البلاد تقطن الأرياف من خلال تقليص حجم المراعي الطبيعية وانخفاض التربة، وتدهور الأراضي الزراعية وانحسار الخيارات الغذائية للسكان في معظم المناطق اليمنية.
ويلفت القرمي في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى توسع هذه الكتلة السكانية التي تقطن الأرياف بفعل الحرب والصراع الدائر في البلاد، في مقابل تدهور واضح في سبل معيشة المناطق الريفية التي كانت الثروة الحيوانية مصدر دخلها وغذائها الرئيسي، إذ إن كثيراً من سكان هذه المناطق أصبحوا عاجزين عن زراعة أراضيهم الزراعية وتوفير أعلاف لمواشيهم لعدم كفاية مساحة الرعي المتوفرة.
بدوره، يؤكد تاجر المستلزمات الزراعية، عبد الله الأسود، على ما قاله القرمي في المشكلة التي يعاني منها المزارعون والعاملون في تربية المواشي في اليمن خصوصاً بالمناطق الريفية في ما يواجهونه من صعوبات في تربية مواشيهم والحفاظ عليها.
ارتفاع أسعار الأعلاف بصورة قياسية خلال سنوات الحرب الماضية وبنسبة تتجاوز 500%، ما دفع بعض العاملين في تربية المواشي إلى استخدام الحبوب كعلف لمواشيهم
ويشير الأسود في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى ارتفاع أسعار الأعلاف بصورة قياسية خلال سنوات الحرب الماضية وبنسبة تتجاوز 500%، ما دفع بعض العاملين في تربية المواشي إلى استخدام الحبوب كعلف لمواشيهم، الأمر الذي رفع إنفاقهم بما يفوق قدراتهم، وبالتالي اندفع بعضهم بصورة تدريجية إلى التخلص من مواشيهم لعدم القدرة على إطعامها.
ورغم ما أحدثته الهجرة من الريف إلى المدن خلال الفترات السابقة من إهمال للأراضي الزراعية وتراجع الاهتمام بتربية المواشي، إلا أن ما يتوفر من المساحات المزروعة والثروة الحيوانية يساهم في إنعاش الدخل للكثير من الأسر الريفية المنتجة التي تجتهد في تحسين سبل عيشها من خلال تربية الحيوانات من الأبقار، والأغنام، والماعز، والدواجن، والنحل.
ويدق خبراء اقتصاد ناقوس الخطر في تراكم هذه الأزمات التي تجتاح مناطق يمنية وكتلة سكانية كبيرة وتهديد ذلك في توسع رقعة الجوع بصورة تصعب السيطرة عليها. ويؤكدون على ضرورة دعم برامج ومبادرات لتوفير فرص عمل لائقة ومنتجة في المناطق الريفية وخاصة للنساء والشباب من خلال التركيز على صغار المزارعين ومربي الماشية.
ويقول الباحث الاقتصادي، حسام السعيدي، لـ"العربي الجديد"، إن هناك تجريفاً لنمط الحياة الريفية في اليمن والذي طغى عليه الطابع المدني في الحياة المعيشية، وما شهدته البلاد خلال سنوات ما قبل الحرب من هجرة واسعة من الريف إلى المدينة، الأمر الذي أدى لتدهور الأراضي الزراعية في هذه المناطق وإفراغها من ثرواتها الحيوانية التي كانت مصدر غذاء ودخل رئيسي لسكان هذه المناطق.
نسبة كبيرة من الأسر القاطنة في المناطق الريفية باتت تعتمد على القمح والدقيق المستورد بعدما كانت تزرع الحبوب بمختلف أنواعها
وأصبحت نسبة كبيرة من الأسر القاطنة في المناطق الريفية تعتمد على القمح والدقيق المستورد بعدما كانت تزرع الحبوب بمختلف أنواعها، إلى جانب اعتمادها على منتجات الثروة الحيوانية ومشتقات الألبان والدواجن وغيرها.
وتكشف النتائج التي تم الحصول عليها في دراسة حكومية حول التقييم متعدد القطاعات للمواقع، أن سبل كسب العيش قد تم اعتبارها على أنها حاجة أساسية نادراً ما تتم تلبيتها في اليمن. وأظهرت النتائج أن أقل من نصف إجمالي السكان في المناطق الريفية لديهم القدرة على الوصول إلى سبل كسب العيش المستدامة.