سلم ضريبي جديد يثير الجدل في تونس... أعباء إضافية على الطبقة الوسطى

24 أكتوبر 2024
الشارع التونسي يعاني من تفاقم الأزمات المعيشية (شاذلي بن إبراهيم/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تعتزم الحكومة التونسية تطبيق سلم ضريبي جديد لزيادة الضرائب على دخول الموظفين الذين يتقاضون 50 ألف دينار سنوياً وتخفيفها لمن يتجاوز دخلهم 20 ألف دينار، بهدف تحقيق العدالة الجبائية وتقليص الفوارق الاجتماعية.
- أثار هذا التوجه انتقادات من خبراء الاقتصاد الذين يحذرون من تأثيره السلبي على الطبقة الوسطى، مما قد يؤدي إلى انكماش اقتصادي وهجرة الكفاءات، خاصة مع ارتفاع الضغط الضريبي في تونس.
- دعا الخبراء إلى مراجعة السياسات الضريبية والبحث عن مصادر تمويل جديدة، مثل مكافحة الاقتصاد الموازي وتوسيع قاعدة الدافعين للضرائب، وتحسين الحوافز الاستثمارية.

يثير التطبيق المتوقع لسلم ضريبي جديد في تونس جدلا بسبب اتجاه السلطات نحو زيادة الضرائب على مداخيل شريحة من الموظفين في إطار خطة العدالة الجبائية التي تنوي الحكومة تطبيقها.

وكشف مشروع قانون الموازنة الذي بدأ البرلمان في مناقشته نية الحكومة تطبيق جدول ضريبي جديد سيتم بموجبه رفع الضرائب إلى نسبة تصل إلى 40% على دخول الموظفين المقدرة بـ50 ألف دينار سنويا (16 ألف دولار)، مقابل تخفيف الضرائب على الشرائح التي يتجاوز دخلها السنوي 20 ألف دينار (6.5 آلاف دولار).
وتقترح وزارة المالية وفق مشروع الموازنة تطبيق الضريبة التصاعدية في مادة الضريبة على الدخل بالنسبة للأفراد والضريبة على الشركات، وهو ما يساهم في تقليص الفوارق بين مختلف الطبقات الاجتماعية.
وتنوي سلطات تونس خلال العام القادم تحصيل ما يزيد عن 45 مليار دينار (15 مليار دولار)، من الإيرادات الضريبية من مجموع موازنة مقدرة بـ63 مليار دينار (21 مليار دولار).
وبسبب زيادة الضغط الضريبي على شرائح من الأجراء والشركات انتقد خبراء اقتصاديون بحث الحكومة عن موارد للموازنة في جيوب التونسيين، مطالبين بإعادة نظر شاملة في سياسات تمويل الموازنة عبر تحفيز الاستثمارات الخالقة للثروة.

وقال أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية رضا الشكندالي إن التحوير في جدول الضريبة على الدخل المطروح على مجلس نواب الشعب لن يحقق العدالة الاجتماعية المنشودة بسبب تأثير التضخم وتأكل القدرة الإنفاقية للشرائح المشمولة بزيادة الأعباء الضريبية.
وأكد الشكندالي في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الغاية من تعديل السلم الضريبي هي المساعدة على زيادة مداخيل طبقة الأجراء الذين تراوح دخولهم الشهرية ما بين 650 و830 دينارا، معتبرا أن هذه الفئة التي تمحور حولها هذا الإجراء تشكل الطبقة الفقيرة.
في المقابل، اعتبر أستاذ الاقتصاد أن الطبقة الوسطى التي تشكل الطيف الواسع من التونسيين ستتضرر بموجب النظام الضريبي الجديد، ما قد يؤدي إلى مزيد من الانكماش الاقتصادي.

تضرر الطبقة الوسطى في تونس

وقال "عندما تتضرر الطبقة الوسطى في مجتمع ما، يفقد الاقتصاد محركا مهما من محركاته، وهو الوحيد الذي لا يزال يشتغل بالرغم من محاولة تعطيله من طرف البنك المركزي بنسب فائدة مرتفعة".
ويرى المتحدث أن الزيادة المتوقعة في أجور الطبقة الفقيرة لن تساعد على تحسين أوضاعهم الاجتماعية، مؤكدا أن تحميل الطبقة الوسطى أعباء ضريبية جديدة سيزيد نزيف هجرة الكفاءات بحثا عن ظروف معيشية أفضل في دول المهجر.
ووفق بيانات صادرة عن هيئة الخبراء المحاسبين تصل نسبة الضغط الجبائي العامة في تونس إلى 25.1% خلال العام الحالي، مسجلة ارتفاعا مقارنة بسنة 2023، وهو ما يجعل نسبة الاقتطاعات العمومية الإجبارية تتجاوز 34%، وهي الأعلى أفريقياً.
كذلك كشفت دراسة تحليلية للمعهد التونسي للقدرة التنافسية والدراسات الكمية (حكومي)، عن ارتفاع العبء الضريبي على العمل بأجر في تونس لتبلغ 34.85% في نهاية 2016 بعد أن كانت 30.17% في العام 2006.
كما بينت الدراسة أن الحصة التي يتحملها الأجير ارتفعت في قيمة الضريبة الهامشية من 16.80% في 2006 إلى 25.19% في 2017، أما الحصة التي يتكبدها صاحب العمل فقد ارتفعت من 16.85% في 2006 إلى 17.24%.
وأوصت الدراسة بمراجعة المنح المقدمة للأسر والمكملة للرواتب التي تصبح بمرور الزمن غير مواكبة للتحولات ولا تلبي تطلعات الموظفين، إلى جانب الدعوة إلى مراجعة الإنفاق الضريبي والاجتماعي الممنوحة بعنوان حوافز الاستثمار.

وغداة عرض مشروع قانون الموازنة على البرلمان شدد الرئيس قيس سعيد، في لقاء جمعه برئيس الحكومة كمال المدوري، على تحقيق الخيارات الوطنية للدولة، المتمثلة في العدل والإنصاف، وعلى تحقيق الاندماج بين مختلف شرائح المجتمع.
كما قالت وزارة المالية التونسية في وثيقة شرح أسباب مشروع قانون الموازنة، إن المشروع يتضمن إجراءات عدة ترمي إلى مواصلة الإصلاح الضريبي عبر إرساء نظام عادل يعتمد على مزيد من تكريس الضريبة التصاعدية في مادة الضريبة على الدخل والضريبة على الشركات، وهو ما يساهم في تقليص الفوارق بين مختلف الطبقات الاجتماعية.
وبحسب الخبير المحاسب أنيس الوهابي، لا يعكس التعديل الضريبي رؤية اقتصادية إصلاحية بقدر ما يمثل مشروعا لتحصيل إيرادات لفائدة الموازنة.
وقال الوهابي في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن تونس تطبّق نحو 850 إجراء ضريبياً ساهمت في تطوير الإيرادات الجبائية من 6 مليار دينار عام 2010 إلى 30 مليار دينار سنة 2022.
وأضاف الوهابي أن الحكومة مطالبة بتجنّب أي قرارات ضريبية تحمّل الملتزمين أعباء جديدة، مشيرا إلى أن الضغط الجبائي في تونس مرتفع جدا.
واعتبر الوهابي أن تحقيق العدالة الجبائية يحتاج إلى توسعة قاعدة الدافعين ومكافحة الاقتصاد الموازي والمتهربين من الضرائب، مشيرا إلى أن تحميل الأجراء والمهنيين الملتزمين بالواجب الضريبي أعباء جديدة يسارع في انزلاقهم نحو الفقر.
ويطالب خبراء الاقتصاد بإيجاد مصادر جديدة لتمويل الموازنة لا تلزم الشرائح الملتزمة بالواجبات الجبائية بمزيد من الدفع، معتبرين أن تصعيد الضغط الجبائي على الموظفين والمهن المنظمة سيزيد إرهاقهم مقابل توسع الأنشطة الموازية التي باتت تستأثر بأكثر من 50% من اقتصاد البلاد.

المساهمون