أسعار السيارات على وشك أن تصبح أعلى بكثير مما هي عليه الآن، والسبب الارتفاع المتزايد لتكاليف الإنتاج من ناحية وتراجع المبيعات على مستوى العالم. وهذا السيناريو الذي تستعد له الشركات المنتجة كما المشترين الذي سيدفعون مالاً أكثر للحصول على مركباتهم المفضلة.
ذلك أن سعر كل شيء يدخل في تصنيع السيارات آخذ في الارتفاع، وتحديدا المواد الخام، من الفولاذ المستخدم في الهياكل وأجزاء التروس والإطارات إلى البلاستيك الذي ينتهي به المطاف في مصدات وحواف الأبواب، والتي تشكل كلها جزءا كبيرا من تكاليف التصنيع، وفقا لشبكة "بلومبيرغ" الأميركية.
ويُضاف إلى ذلك تكاليف العمالة والخدمات اللوجستية والضغط الحاصل للاستثمار في التقنيات الجديدة إلى جانب التضخم الزاحف، في الوقت الذي تشهد شركات صناعة السيارات مشهدا مختلفا تماما عن السوق الرابحة نسبيا والتي استمتعت بها على مدى الأشهر القليلة الماضية.
وعلى ضوء تداعيات انتشار كورونا، عمد قطاع السيارات إلى تقليص الإنتاج ريثما تنجلي صورة السوق. ورغم كل الشكاوى من النقص في الأجزاء المختلفة، بما في ذلك رقائق أشباه الموصلات، استطاعت الشركات أن تُبقي مساهميها سعداء، بالاستفادة، على نحو غير معهود، من الاختلالات الاقتصادية الأوسع نطاقا.
ورغم إغلاق المصانع، سجلت الشركات في جميع أنحاء العالم نتائج جيدة في الربع الأول، حيث صنعت عدد سيارات أقل ودفعت هوامش أرباحها إلى مستويات أعلى.
لكن عندما تبدأ شركات صناعة السيارات في الحديث باستمرار عن انخفاض الإنتاج، فإن هذه تُعد إشارة مقلقة. ففي أحدث مجموعة من النتائج، قالت الشركات العملاقة، بمن فيها الأكبر في العالم، اليابانية "تويوتا" Toyota Motor Corp والأميركية "فورد" Ford Motor Co، إنها ستنتج عددا أقل بكثير من السيارات هذا العام بسبب نقص الرقائق المتفاقم.
ومن المتوقع أن يؤدي النقص وحده إلى تقليل عدد الوحدات المُنتجة بنحو 4 ملايين وحدة، أو 5% من المبيعات السنوية المقدرة هذا العام.
بالنسبة للشركات، يمكن أن تتحول دينامية "المصاريف المتزايدة وانخفاض الأحجام" إلى مشكلة بسرعة كبيرة، لأن لديها تكاليف ثابتة عالية تنطلق منها. ولذلك فهي تحتاج إلى كمية معينة من أجل تحقيق التوازن. وإذا بدأ الإنتاج ينخفض سريعا، فإن ضغط التكلفة يتراكم بوتيرة أسرع ويؤثر سلبا في هوامش الربح.
مثلا، بالنسبة لشركة تبلغ مبيعاتها 100 مليار دولار، تشير تقديرات "مجموعة بوسطن الاستشارية" إلى أن انخفاض المبيعات 10% من شأنه أن يقلص الأرباح قبل الفوائد والضرائب بنسبة 40%، علما أن هذا سيناريو متفائل.
لا شك في أن شركات صناعة السيارات يمكن أن تهضم ارتفاع تكلفة الإنتاج لفترة أطول قليلا عن طريق تقليل الحوافز والخصومات التي استخدمتها لجذب المشترين، لكن هذا يحدث فعلا في أكبر أسواق السيارات في العالم، أي الولايات المتحدة والصين، ولا يمكن تقليص الإغراءات إلى الأبد.
ولدى الشركات خيارات قليلة لتعويض نفقات التصنيع الزاحفة. ومع ارتفاع الأسعار لن يكون المستهلكون ليبراليين في التعامل مع محافظهم. فحتى الآن، كانوا مستعدين لقبول علاوة سعرية بنسبة 12%، أو بمقدار 5000 دولار عن سعر الملصق، وفقا لموقع "كيلي بلو بوك" Kelley Blue Book وموقع "كوكس أوتوموتيف" Cox Automotive.
لكن مؤشر القدرة على تحمل تكاليف السيارات في الولايات المتحدة بدأ في التراجع، في إشارة إلى أن المستهلكين بدأوا يفكرون مرتين قبل إنفاق أموالهم، علما أن نحو 40% من أولئك الذين كانوا ينوون شراء سيارات اتخذوا قرارا الآن بتأجيل مشترياتهم.
وإذا بدأت المبيعات في التباطؤ مع ارتفاع الأسعار أكثر، فإن شركات صناعة السيارات تخاطر بعدم القدرة على تحقيق هوامش الربح التي جمعتها خلال الأشهر القليلة الماضية. ومع ذلك، فإذا لم تعمد إلى رفع الأسعار رغم استمرار حجم الإنتاج في الانخفاض، سينتهي بها الأمر في المكان نفسه.