تجاهل سوق العملات الأجنبية في طهران، استئناف المفاوضات النووية في فيينا، الرامية إلى إحياء الاتفاق النووي وإلغاء العقوبات المفروضة على إيران، ليسير السوق في اتجاه مغاير لتوقعات المتفائلين، بينما كان الريال يسجل تحسناً مع كلّ جولة من جولات التفاوض السابقة.
ووصل سعر صرف الدولار، خلال تعاملات، اليوم الثلاثاء، إلى 291.7 ألف ريال في السوق الحر، مسجلاً تراجعاً طفيفاً عن تعاملات، الاثنين، الذي شهد استئناف المفاوضات غير المباشرة مع واشنطن في فيينا، إذ وصل إلى 295 ألف ريال، وهو أعلى مستوى له منذ أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي.
وقال حميد رضا، الناشط في سوق العملات في بازار طهران، لـ"العربي الجديد" إنّ المضاربين في السوق لديهم شكوك كبيرة في نجاح المفاوضات، مضيفاً أنّ استئنافها لم يترك أجواء إيجابية في سوق العملات، لذلك ظلت الأسعار ترتفع وتجاهلت هذا الحدث.
وأضاف رضا أنّ البعض في السوق يرون أيضاً أنّ ارتفاع الأسعار خلال الآونة الأخيرة سببه توجه البنك المركزي لتدبير سيولة أجنبية لتعويض جزء من عجز الموازنة في الشهور الستة الثانية من العام المالي الإيراني (بدأ في 20 مارس/ آذار).
وتعاني الحكومة الجديدة من عجز غير مسبوق في الموازنة، يقدر بنصفها، وسط اتهامات للحكومة السابقة التي انتهت ولايتها خلال يوليو/ تموز الماضي بصرف موارد الموازنة.
وتحدث البرلماني الإيراني، إبراهيم عزيزي، الأسبوع الماضي، عن أنّ الحكومة تواجه عجزاً بقيمة 400 ألف مليار تومان (سعر الدولار 29.17 ألف تومان)، مشيراً إلى صرف نحو 600 ألف مليار تومان على رواتب الموظفين من قيمة الموازنة البالغة 845 ألف مليار تومان. غير أنّ وكالة "تسنيم" الإيرانية، توقعت أن يصل عجز الموازنة حتى نهاية العام المالي الإيراني في 21 مارس المقبل إلى 647 ألف مليار تومان.
واتسعت الفجوة بين سعر الدولار في محال الصرافة الحكومية والسوق الحر، في الآونة الأخيرة، ليصل الفارق بينهما إلى نحو 30 ألف ريال، وهو ما أدى إلى امتداد الطوابير أمام محال الصرافة خلال الأسابيع الأخيرة للحصول على الدولار أو اليورو بأسعار حكومية.
وكانت هذه المحال تقدم للمواطن الإيراني، سنوياً، ألفي يورو أو 2200 دولار بالسعر الحكومي، وهو ما دفع بعض المواطنين إلى تأجير هوياتهم للمضاربين لقاء الحصول على مبالغ بالنقد الأجنبي.
غير أنّ البنك المركزي، ألغى هذا النظام لإعطاء كلّ مواطن سنوياً هذا المقدار من العملات الصعبة، اعتباراً من السبت الماضي. ويعزو الخبراء اتساع الفجوة بين أسعار الدولار في محال الصرافة الحكومية والسوق الحر إلى تراجع ضخ الدولار واليورو إلى السوق من قبل البنك المركزي الإيراني.
ويرى خبراء أنّ حكومة إبراهيم رئيسي، تدخل هذه المفاوضات وهي تحت ضغوط اقتصادية متزايدة، إذ يرتفع معدل التضخم في إيران إلى أكثر من 60%، وتتراجع العملة مقابل الدولار.
لكنّ المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، قال، اليوم الثلاثاء، إنّ المفاوضات "تركز على رفع العقوبات"، مؤكداً أنّ طهران "لن تقبل بأقل من ذلك وأكثر مما ورد في الاتفاق النووي حول التعهدات النووية".
وقد أدى انخفاض العملة الإيرانية إلى تضخم، هو الأعلى منذ انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979، وفقا لتقرير لوكالة "فارس" الإيرانية في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
كما أشارت وكالة أنباء العمال "إيلنا" مؤخراً إلى أنّ الأسعار ارتفعت خلال الفترة من مارس/ آذار حتى أغسطس / آب 2021 بنسب تتراوح بين 30% و90%.
أما هبوط العملة الوطنية الإيرانية فهو مرتبط بتراجع حاد في إيرادات البلاد بالنقد الأجنبي خلال السنوات الأخيرة. فقد خفضت العقوبات الأميركية موارد الدولة من 100 مليار دولار إلى 5 مليارات دولار، حسب محافظ البنك المركزي الإيراني السابق، عبد الناصر همتي، فضلاً عن قول الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني إنّها أفقدت إيران نحو 200 مليار دولار من عوائدها ومواردها.
وأدى انخفاض موارد الدولة إلى عجز كبير في الموازنة خلال الأعوام الثلاثة الماضية، تحمّل البنك المركزي أعباءه من خلال طباعة النقود وآليات أخرى.
ويظهر تقرير للبنك الدولي صادر في يونيو/حزيران الماضي، تراجع الناتج المحلي الإجمالي الإيراني من 600 مليار دولار في العام 2012، إلى 445 مليار دولار في العام 2017، ثم إلى 191 مليار دولار في العام الماضي.