باتت جيوب المواطنين المصدر الرئيسي لتمويل مشروعات النظام المصري الضخمة، وعلى رأسها بناء شبكات واسعة للطرق والكباري، والتي انعكست سلباً على معيشة المصريين الذين واجهوا مزيداً من الأعباء المالية، رغم أنّ هذه المشروعات ساهمت في حل الأزمة المرورية بالعديد من المناطق.
وكان حديث الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، واضحاً ومباشراً ومرتباً حول هدف تحصيل الأموال من المواطنين عبر محطات ارتكاز الطرق السريعة وشبكات النقل الإقليمية الجديدة في مصر.
وبينما كان وزير النقل الفريق كامل الوزير، يسعى لنفي عنه هذا الأمر (تحصيل الأموال من جيوب المواطنين)، قال السيسي: "علشان أعمل محطات، ناس كتيرة متصورة إنه علشان تحصيل فلوس، آه علشان تحصيل فلوس" قبل أن يضيف مازحاً: "المليارات مثل الكوتشينة".
حلول لأزمات المرور وإنفاق ضخم
تجدر الإشارة إلى أنّ شبكات الطرق الحديثة في مصر، سواء في قلب القاهرة أو بين المحاور والأقاليم، ساهمت بشكل كبير جدًا في الحد من التكدس المروري الذي عانت منه مصر على مدار عقود، حسب مراقبين. وكان الزحام والتكدس والساعات الطويلة الضائعة حتى في أقصر المسافات، الانطباع الأول لكلّ زائر للقاهرة، على مدار العشرين عاماً الماضية على الأقل.
وطبقًا للمعلومات المتاحة عبر هيئة الاستعلامات المصرية التابعة لمجلس الوزراء، فقد تم التخطيط لتنفيذ مشروعات الطرق والكباري بإجمالي 1769 مشروعاً بإجمالي تكلفة 464 مليار جنيه (الدولار = نحو 15.7 جنيهاً) حتى عام 2024.
تم الانتهاء من تنفيذ 1052 مشروعا بإجمالي تكلفة 254.3 مليار جنيه وجارٍ تنفيذ 642 مشروعا بإجمالي تكلفة 114 مليار جنيه، ومخطط بدء تنفيذ 75 مشروعاً بتكلفة 95.7 مليار جنيه حتى 2024.
ويشمل المشروع القومي للطرق 7000 كم بتكلفة 175 مليار جنيه ومحاور النيل 22 محوراً بتكلفة 34 مليار جنيه، والطرق الرئيسية 9000 كم بتكلفة 107.7 مليارات جنيه والكباري العلوية والأنفاق 1000 كوبري ونفق بتكلفة 140 مليار جنيه، والطرق المحلية داخل المحافظات بتكلفة 7.3 مليارات جنيه.
كلف ورسوم كبيرة
لكن في المقابل، عانى المصريون بشكل كبير من كلفة هذه المشروعات الضخمة، لا سيما في سنوات ما بعد التضخم في 2016، حين فقدت الأموال حوالي ثلث قيمتها، وزادت الضرائب والأسعار بالتوازي مع زيادة معدلات الفقر والبطالة.
نجح مواطنون في بعض الأحوال في التصدي لمحاولات فرض "إتاوات" الطرق ورسوم العبور من وإلى منازلهم، خصوصاً في ظلّ سياسة تخفيف الضغط على القاهرة مقابل تشجيع السكن والعيش والعمل في الامتدادات الصحراوية للمدن الرئيسية.
وانتقلت الأزمة إلى ساحات القضاء، بعدما رفع عدد من المتضررين من بوابة تحصيل الرسوم على طريق السويس، دعوى قضائية بمجلس الدولة لوقف الكارتة (رسوم المرور عبر الطرق)، حملت رقم 39355 لسنة 74 قضائي شق عاجل، ضد كلّ من رئيس مجلس الوزراء ووزير النقل ومحافظ القاهرة ورئيس مجلس إدارة الشركة الوطنية لإنشاء وتنمية وإدارة الطرق.
واستند أصحاب الدعوى إلى أنّ القانون نص على وجود طرق بديلة للطرق المميزة التي يوضع عليها بوابات تحصيل رسوم، وهو غير متوفر بالنسبة لسكان المدن الجديدة المتضررين وأنّهم في نفس المحافظة، مطالبين في دعواهم بإلغاء الكارتة لعدم وجود طريق بديل.
وقال المتضررون في الدعوى إنّ مكان بوابات الرسوم الحالي على طريق السويس، يمثل تمييزاً بين المواطنين لناحية الموقع الجغرافي، لأنّ مدن "بدر والشروق ومدينتي" تقع في نطاق محافظة القاهرة، ولا تتبع محافظة السويس، ولا يجوز فرض رسوم على ذهاب المواطن إلى منزله بكل الضواحي والمدن التابعة للعاصمة، باعتبار أنّ الطرق داخل القاهرة لا تعتبر طريق سفر بموجب القانون، حتى يُفرض عليها رسوم للمرور.
مواطنون ضد "الكارتة"
وأوصت هيئة المفوضين بمجلس الدولة بقبول دعوى ضد كارتة طريق القاهرة السويس، وقرار جهة الإدارة السلبي بالامتناع عن نقل بوابات تحصيل مقابل المرور على طريق القاهرة السويس الصحراوي خارج الحدود الإدارية لمحافظة القاهرة مع إلزام الجهة الإدارية المدعى عليها بالمصروفات.
إذ تنص المادة 9 مكرر من قانون الطرق العامة رقم 84 لسنة 1968 والمضافة بالقانون 164 لسنة 1984 على أنّه "يجوز بالنسبة للطرق السريعة المتميزة التي تحدد بقرار من مجلس الوزراء وتكون لها بدائل تحل محلها فرض رسم استعمال مرور السيارات عليها بالفئات الآتية".
ثم انتهى الحال إلى تخصيص رسوم اشتراك سنوية لسكان المدن الجديدة في الظهير الشرقي للقاهرة، قيمتها حوالي 900 جنيه، بينما ظلت قيمة الكارتة لغير سكان المدن الجديدة 10 جنيهات للرحلة الواحدة.
المخالفات المرورية ورسوم الانتظار
كما يعاني سكان القاهرة الجديدة، وتحديداً في التجمع الخامس، من المخالفات المرورية شبه اليومية التي تسجل على لوحات سياراتهم، بعد نصب كمية كبيرة من الرادارات على الطريقين الرئيسين التسعين الشمالي والجنوبي.
أوصت هيئة المفوضين بمجلس الدولة بقبول دعوى ضد كارتة طريق القاهرة السويس، وقرار جهة الإدارة السلبي بالامتناع عن نقل بوابات تحصيل مقابل المرور على طريق القاهرة السويس الصحراوي
ولا تكف النيابة العامة المصرية ونظم المعلومات والتحول الرقمي، عن إرسال رسائل قصيرة لهواتف المواطنين، تحتوي على صيغة موحدة "عزيزي المواطن، تم تسجيل مخالفة على اللوحة المعدنية رقم ()" مع تحديد مكان المخالفة وقيمتها وإجمالي عدد المخالفات.
كما أقرت السلطات المصرية في أغسطس/آب الماضي، القانون رقم 150 لسنة 2020 بشأن تنظيم انتظار المركبات بالشوارع الخاضعة لولاية المحافظات وأجهزة المدن التابعة لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة المعروف بـ"قانون السايس"، وصدّق عليه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في تموز/يوليو من العام الماضي.
وبدأت بعض المحافظات بتنفيذ قانون السايس، الذي ينظم انتظار السيارات بالشوارع الرئيسية والجانبية وأسفل العقارات، ما أشعل موجة غضب واسعة في الشارع المصري، بسبب فرض الإتاوات على الطرق والمركبات وشبكات النقل في كلّ حيز زماني ومكاني.
وكان من بين المحافظات التي بدأت تطبيق قانون السايس، محافظة الجيزة، التي اعتمدت أسعار رسوم انتظار بقيمة 10 جنيهات في حالة الانتظار المؤقت للسيارة الملاكي، و20 جنيهاً في حالة الانتظار المؤقت للسيارة نصف النقل، و30 جنيهاً في حال الانتظار المؤقت للحافلات الكبيرة و300 جنيه شهرياً للمبيت أسفل العقار.