في 15 سبتمبر 2008 أفلس بنك ليمان براذرز، أحد أكبر البنوك الاستثمارية وإدارة الأموال في العالم، عقب تكبده خسائر فادحة قدرت بمليارات الدولارات بسبب أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة، وبعدها تبخرت أصوله البالغة قيمتها 691 مليار دولار تحت وطأة ديونه البالغة 631 مليار دولار.
كان انهيار مصرف، في حجم ليمان براذرز، مؤشراً على انطلاق شرارة الأزمة المالية العالمية، خاصة أن إفلاسه كان الأكبر في تاريخ إفلاس البنوك والشركات على الإطلاق.
بعدها مباشرة شهد العالم انهيارات متلاحقة في البورصات وأسواق العالمية، وفي مقدمتها أسهم "وول ستريت" في الولايات المتحدة، وإفلاس بنوك وشركات تأمين ومؤسسات مالية أميركية كبرى.
وانتقلت الأزمة سريعاً إلى أسواق واقتصادات العالم، لتُفلس بعدها بنوك ومؤسسات أوروبية وآسيوية عملاقة.
انهيار ليمان براذرز، كان مؤشراً على انطلاق شرارة الأزمة المالية العالمية، خاصة أن إفلاسه كان الأكبر في تاريخ إفلاس الشركات
وبعد مرور نحو 14 عاماً على أزمة 2008، بات العالم هذه الأيام على موعد مع أسوأ أزمة ركود اقتصادي قد تفوق في حدتها الكساد الكبير الذي اشتعل في عام 1929 واستمر 10 سنوات ونتجت منه إفلاسات واسعة في البورصة الأميركية وغيرها من اقتصادات العالم، وحالة ركود شديدة في الأسواق أدت إلى حدوث زيادات كبيرة في معدلات الفقر والبطالة.
ومع تزايد احتمالات حدوث كساد عالمي على نطاق واسع، فإن السؤال الآن هو: من أين تنطلق شرارة الأزمة الاقتصادية العالمية المقبلة؟
هناك من يرشح أن تكون البداية هذه المرة وكالعادة من داخل الولايات المتحدة، حيث يعاني أكبر اقتصاد في العالم من أزمات كبيرة، منها التضخم والركود والدولار القوي وتراجع معدل النمو الاقتصادي وزيادة البطالة والدين العام الذي تجاوز 31 تريليون دولار.
فيما يرشح آخرون أن تنطلق الأزمة من منطقة اليورو، حيث أزمات مركبة ومعقدة منها الطاقة وغلاء الأسعار وسلاسل الإمدادات والجفاف والاضطرابات الاجتماعية.
ويرشح آخرون الصين، حيث تشهد عدة أزمات، وخاصة في قطاعات حيوية مثل العقارات والصناعة وتراجع في النمو الاقتصادي وخسائر فادحة بسبب الاغلاقات الناتجة عن تطبيق الحكومة سياسة "صفر كورونا".
أما الاقتصادات العربية فهي من الضعف بحيث لا تؤثر مشاكلها وأزماتها في المشهد العالمي من الأصل، فهي من بين مصدر لمنتجات الطاقة مثل النفط والغاز، أو مستورد قمح وأغذية ووقود وقروض .
هناك من يرشح أن تكون بداية الأزمة من داخل الولايات المتحدة، حيث يعاني أكبر اقتصاد من أزمات كبيرة، منها التضخم والركود
قد تكون بداية الأزمة الاقتصادية العالمية المقبلة من منطقة أخرى، هي سويسرا، عاصمة المال والأعمال، حيث يوشك بنك كريدي سويس، أحد أكبر بنوك أوروبا وأشهر الملاذات الضريبية على الانهيار، فقد فقدت أسهم البنك نحو نصف قيمتها هذا العام. وخلال العام الجاري تراجع التصنيف الائتماني للبنك وخسر 4 مليارات دولار.
ولمن لا يعلم، فإن كريدي سويس هو أكبر بنك عالمي تم اتهامه بارتكاب جرائم فساد مالي وغسل أموال قذرة وتضليل المستثمرين حول العالم، كما يتلقى أموال وودائع الفسدة وناهبي المال العام وغاسلي الأموال من أفريقيا والمنطقة العربية والصين وروسيا وغيرها من دول العالم، وأن هذه الجرائم كلفته مليارات الدولارات سددها للمحاكم كغرامات.
وبعضنا يذكر واقعة موافقة كريدي سويس، ثاني أكبر البنوك السويسرية، على سداد غرامة بقيمة 5.3 مليار دولار للمحاكم الأميركية في عام 2016 لتسوية قضية تتعلق بتضليل المستثمرين. وفي سنوات لاحقة تكبد خسائر فادحة بسبب الغرامات.
صحيح أن دولاً خليجية، في مقدمتها السعودية والإمارات، تبحث إنقاذ البنك السويسري المتهم بالتورط في عمليات فساد وغسل أموال على نطاق واسع، وضخّ استثمارات ضخمة به تقدر بمليارات الدولارات عبر صناديقها السيادية.
لكن السؤال: هل تؤجل تلك الخطوة انهيار الاقتصاد العالمي من بوابة البنك السويسري، وهل يفلت كريدي سويس من الانهيار كما أفلت دويتشه بنك الألماني قبل نحو 7 سنوات، وإذا أفلت البنك، فماذا عن الأزمات الأخرى التي تهدد العالم بكساد كبير قد يفوق في حدته كساد الثلاثينيات.