تدفع المخاطر المتصاعدة في إسرائيل وارتفاع كلف الخسائر التي تتعرض لها مختلف القطاعات داخل دولة الاحتلال، شركات إعادة التأمين العالمية للانسحاب من السوق، في الوقت الذي تشير فيه بيانات متخصصة إلى أن هذه الشركات منكشفة على السوق الإسرائيلية بنحو 10 مليارات دولار.
ويعكس هذا الانسحاب المخاوف المتزايدة في القطاع المالي بشأن تداعيات استمرار الحرب بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية التي اندلعت في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وتتصاعد مؤشرات اتساعها في المنطقة.
وإعادة التأمين هو ترتيب تتمكن بموجبه شركة التأمين من الدخول بعقد مع معيدي التأمين، بغرض تعويضها عن كامل أو بعض الأخطار التي تكتتبها الشركة بشكل مباشر.
وهذه العملية توفر لشركات التأمين سعة اكتتابية إضافية، من خلال السماح لها بقبول مزيد من الأخطار، واكتتاب قدر أكبر من الأعمال، دونما اللجوء لزيادة رؤوس أموالها، أو فوائضها المالية.
ويتسبب انسحاب شركات إعادة التأمين في زيادة المخاطر المالية بالنسبة لشركات التأمين الإسرائيلية التي باتت ملزمة بتدبير التعويضات للعملاء.
وأدرجت شركات إعادة التأمين العالمية شروطاً للخروج من السوق في بعض العقود المبرمة مع شركات التأمين في إسرائيل، كجزء من إعادة التفاوض على السياسات خلال مطلع العام، حسبما قال أربعة من المشاركين في السوق لصحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، أمس الأحد. وقال اثنان منهم إن مثل هذه البنود جديدة تماماً، ولم تُستخدم من قبل.
وإذا جرى تفعيل هذه البنود، فإن هذا يعني أن شركة التأمين لن يكون لديها تغطية من جانب إعادة تأمين لأي مبان مكتتبة حديثاً، أو أصول أخرى، تتعرض لأضرار بسبب هجوم صاروخي على سبيل المثال. ومن المرجح بعد ذلك أن يجري نقل المخاطر المتزايدة إلى العميل في شكل أقساط أعلى أو تغطية مخفضة.
وقال مسؤول تنفيذي في إحدى شركات إعادة التأمين الكبرى إن "خطر خروج شيء ما عن نطاق السيطرة مرتفع للغاية.. تواجه صناعة التأمين مشكلة في تلك المنطقة في المستقبل المنظور". ويتعرض قطاع التأمين العالمي لإسرائيل لأخطار بنحو 10 مليارات دولار، وفقاً لتقديرات الصناعة.
ووفق أحد وسطاء إعادة التأمين فإن "من الغريب" أن بعض شركات التأمين قبلت شروط الإلغاء هذه، رغم أنهم قالوا إنها ستزيد من عدم اليقين في السوق.
وقالت المصادر إن شركات إعادة التأمين طالبت أيضاً بأسعار أعلى بكثير، ودفعت شركات التأمين الأولية إلى وضع حد أقصى لمبلغ التغطية التي تقدمها للعملاء في إسرائيل والدول المجاورة أيضاً، مثل لبنان والأردن.
وأشارت شركة "أيه أو أن " (Aon)، إحدى أكبر شركات وساطة التأمين في العالم، في تقرير لها هذا الشهر، إلى أن شركات إعادة التأمين كانت تتطلع إلى "زيادة الأسعار، وتقليل التغطية بطريقة مجدية" لإسرائيل والمنطقة على نطاق أوسع.
وقال المشاركون في السوق إن هذا أدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير للمجموعات الدولية والمحلية التي تسعى إلى حماية البنية التحتية والممتلكات. وفي هذه الحالة، اختارت بعض الشركات تجديد وثائق التأمين الخاصة بها، دون تضمين تغطية للأصول الإسرائيلية، واعتمدت بدلاً من ذلك على صندوق تعويضات الدولة، وفقاً لمصدرين في السوق.
وتمتلك شركات إعادة التأمين العالمية فيما بينها نحو 600 مليار دولار من رأس المال، وقد بدأت بالفعل في رفع الأسعار، بعد سنوات من الخسائر الناجمة عن التضخم، وسلسلة من الكوارث الطبيعية والغزو الروسي واسع النطاق لأوكرانيا. وقد ساعد هذا في رفع أسعار التغطية للشركات في كل مكان.
وتأتي التحركات الأخيرة في أعقاب إجراءات مماثلة بعد الحرب في أوكرانيا، حيث استجابت شركات إعادة التأمين بشكل أكثر حدة، من خلال استبعاد البلدان بالكامل من العقود. وقال أحد الأشخاص المطلعين على مفاوضات السوق إن هناك "إحباطاً" بين شركات التأمين بشأن أحكام الإلغاء الأخيرة في العقود.
ورفضت شركات إعادة التأمين العالمية "ميونيخ ري"، و"سويس ري"، و"سكور" التعليق على تلك التطورات، في حين قالت "هانوفر ري" في بيان: "لقد قررنا الحد من تراكماتنا بدلاً من طلب استثناءات كاملة أو جزئية".
كما شهد سوق التأمين البحري ارتفاعاً حاداً في تكلفة السفر عبر البحر الأحمر وقناة السويس، نتيجة لموجة الهجمات التي شنها الحوثيون في اليمن ضد السفن الإسرائيلية وغيرها من الجنسيات الأخرى التي تبحر صوب إسرائيل. وكان على مالكي السفن بالفعل إخطار الضامن قبل التحرك عبر جزء معين من البحر الأحمر، ودفع قسط إضافي.
وقال المشاركون في السوق إن هذه الرسوم الإضافية قفزت بمقدار 10 إلى 15 مرة في الأشهر الأخيرة، مما ساهم في قرارات بعض العملاء لإعادة توجيه سفنهم حول أفريقيا.