وقّع كبار المسؤولين الأتراك، خلال زيارة مفاجئة للعاصمة الليبية طرابلس ليوم واحد، في وقت سابق من أكتوبر/تشرين الأول، وثائق رئيسية لتعزيز التعاون بين البلدين، ولا سيما في مجال النفط والغاز.
والتزم البلدان تطوير التعاون الثنائي العلمي والفني والتكنولوجي والقانوني والإداري والتجاري في مجال النفط والغاز البري والبحري، في إطار مذكرة التفاهم الموقعة في 3 أكتوبر.
كذلك اتُّخِذَت خطوات لتعزيز التعاون في مجالات الطاقة والدفاع والتجارة والاتصالات خلال زيارة وفد تركي ضم وزراء الخارجية مولود تشاووش أوغلو، والطاقة فاتح دونماز، والدفاع خلوصي أكار، والتجارة محمد موش، بالإضافة إلى رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة فخر الدين ألطون، ومتحدث الرئاسة، السفير إبراهيم قالن.
وجاءت هذه الاتفاقات بعد مذكرة تفاهم سابقة في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، بينت الحدود البحرية بين تركيا وليبيا في البحر الأبيض المتوسط ، بينما مهدت أيضاً الطريق لزيادة التعاون الأمني والعسكري. ودخلت الإجراءات الواردة في هذه المذكرات الآن مرحلة التنفيذ.
استكشاف وتنقيب
وفي حديثه لاحقاً عن بنود مذكرة التفاهم بين البلدين في مجال الغاز، قال تشاووش أوغلو، إن "اتفاقية الهيدروكربونات تهدف إلى إقامة تعاون بين الشركات التركية والليبية في الاستكشاف والتنقيب، وذلك وفق مفهوم الربح المتبادل في البر والبحر، وفي مناطق الصلاحية البحرية".
من جهته، قال رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، إنّ أعمال التنقيب عن النفط ستجري وفقاً للاتفاقية البحرية الموقعة مع أنقرة.
ودخل البلدان بشكل مشترك في مرحلة الاستكشاف والحفر وفق الاتفاقية، سواء في البحر أو على اليابسة، ومن المتوقع أن تبدأ تركيا أنشطة المسح الزلزالي في المنطقة الاقتصادية الليبية قريباً.
وكانت اكتشافات أنقرة في كل من البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود مع أسطول الطاقة القوي المكون من أربع سفن حفر، وسفينتي أبحاث زلزالية، بمثابة نقطة مرجعية مهمة لهذه الصفقة.
ومع أزمة الطاقة الحالية في أنحاء العالم، أصبحت حقول الهيدروكربون في شرق البحر الأبيض المتوسط مرة أخرى في قلب الصراع.
وكان النقل الآمن للموارد الهيدروكربونية المحتملة في البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا أمراً بالغ الأهمية لإسرائيل واليونان والإدارة القبرصية اليونانية لفترة طويلة الآن.
واقتُرِح مشروع خط أنابيب "إيست ميد" لنقل الغاز الطبيعي إلى أوروبا، الذي استبعد تركيا، لهذه الغاية، إلا أن المشروع انهار بعد أن سحبت الولايات المتحدة دعمها.
أزمة نورد ستريم
من ناحية أخرى، أثار تسرب الغاز في خطي أنابيب نورد ستريم لنقل الغاز الروسي إلى ألمانيا عبر بحر البلطيق، قضية سلامة الغاز الطبيعي المنقول من ليبيا إلى أوروبا عبر خط التيار الأخضر الذي يمتد لمسافة 510 كلم.
ووفقاً لتقارير إخبارية إيطالية، ستبدأ البحرية في ذلك البلد بالعمل على حماية خط الغاز هذا بسفن البحث عن الألغام، والفرقاطات، وطائرات الدوريات البحرية.
والسبب وراء قلق إيطاليا وجود مرتزقة شركة فاغنر شبه العسكرية المدعومة من روسيا في ليبيا، واحتمال تخريب الغاز المتدفق إلى إيطاليا من ساحل شمال أفريقيا.
قد تتسبب أنشطة التنقيب والحفر التي تقوم بها تركيا في المنطقة الاقتصادية الخالصة لليبيا في حدوث أزمات بين تركيا وإيطاليا في الفترة المقبلة.
وفقاً للتقارير، لا تسيطر شركة فاغنر على المناطق التي توجد فيها منصات الغاز الطبيعي الليبية المتوسطية، بل إنّ هذا الغاز يُصدَّر إلى إيطاليا بعد استخراجه من مناطق قريبة من أغلب الحقول الليبية البرية.
ومع ذلك، يمكن "فاغنر" إيقاف الإنتاج في الحقول البرية، والتأكد من استخدام الغاز المستخرج من البحر الأبيض المتوسط في السوق المحلية، وهذا يمكن أن يقطع تدفق الطاقة من ليبيا إلى أوروبا.
إلى ذلك، قد تسبب أنشطة التنقيب والحفر التي تقوم بها تركيا في المنطقة الاقتصادية الخالصة لليبيا أزمات بين تركيا وإيطاليا في الفترة المقبلة.
التأثيرات الإقليمية
من خلال توقيع اتفاق 2019 بشأن الحدود البحرية، أظهرت ليبيا أنها لم تتنازل عن حقوقها جنوب جزيرة كريت.
وردت اليونان ومصر على هذه الخطوة من خلال توقيع اتفاق خاص بهما بشأن "تحديد الاختصاص البحري" في عام 2020.
تلقت المعاهدات التركية الأخيرة مع ليبيا انتقادات من كل من اليونان ومصر، حيث زار وزير الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس القاهرة بعد 6 أيام فقط من الاجتماع مع نظيره المصري سامح شكري، وأكد أنهم "مستعدون للرد على أي استفزاز". وتنبع معارضة اليونان للاتفاقيات من ثلاث قضايا رئيسية.
اليونان، التي تثير بالفعل التوترات مع تركيا في بحر إيجة وشرقيّ المتوسط، لا تريد أن تعمل أنقرة في الجنوب عبر اتفاق مع ليبيا. وثمة مصدر إزعاج آخر لأثينا، هو أن ليبيا تحصل على حقوقها من جنوب جزيرة كريت من خلال اتفاقها مع تركيا بالمعنى الدولي.
وتجدر الإشارة إلى أنه من خلال توقيع الاتفاقيتين مع تركيا، أضافت ليبيا 16 ألفاً و700 كيلومتر مربع إلى منطقة سيطرتها البحرية جنوب جزيرة كريت مقارنة بشروط اتفاقها مع اليونان.
وفي إشارة إلى هذا الموضوع، قال الدبيبة: "لن نتنازل عن حقنا في المياه الإقليمية جنوب جزيرة كريت. سيعزز البروتوكول الموقَّع ثروتنا النفطية الكبرى والاستثمارات ذات الصلة في مياهنا الإقليمية".
ويُظهر هذا الموقف أيضاً أن هناك وضعاً يربح فيه الجميع، ويدحض مزاعم مختلف الجهات الفاعلة بأن الإجماع يركز فقط على مصالح تركيا.
ومن الناحية الجيوسياسية، لا تريد اليونان أن تقطع الحدود البحرية التركية الليبية وصولها إلى شرق المتوسط، ولا تريد أن يشكل اتفاق أنقرة مع طرابلس سابقة لدول أخرى.
من ناحية أخرى، سيكون رد فعل اليونان إذا بدأت تركيا التنقيب عن الهيدروكربونات في المجال الاقتصادي الليبي مشكلة رئيسية في الفترة المقبلة.
ومن المتوقع أن تحمي أنقرة سفن الحفر والاستكشاف التي سترسلها إلى المنطقة مع الفرقاطات الموجودة حالياً قبالة سواحل ليبيا.
(الأناضول)