أما القول إن مصر أحرزت هدفاً في إسرائيل، للإشارة بأنها الرابحة أمامها، فهذا غير صحيح. وإن شئنا الدقة يمكن القول إن مصر هي من أحرزت هدفا في نفسها بكسر التطبيع، وربط أمنها الاقتصادي بأمن الطاقة في إسرائيل.
مصر حققت هدفاً من صفقة استيراد الغاز هو تحولها لمركز إقليمي لإسالة الغاز الطبيعي في المنطقة تمهيداً لتصديره إلى القارة الأوروربية، وإعادة تشغيل محطتي الغاز لديها. لكن في المقابل حققت إسرائيل 6 مكاسب من هذه الصفقة أخطرها على الإطلاق أنها أول صفقة تطبيع مباشرة مع دولة الاحتلال، ويكفي أن نرصد هنا بعض الأهداف الاستراتيجية التي ستحققها تل أبيب في النقاط التالية:
الهدف الأول: كسر سلاح المقاطعة
إسرائيل كسرت بهذه الصفقة سلاح المقاطعة الاقتصادية المفروضة عليها منذ توقيع اتفاقية السلام في عام 1979، خاصة من قبل القطاع الخاص المصري والعربي، والذي جعلها في عزلة لسنوات طويلة، وبالتالي فتحت صفقة الغاز باب التطبيع الاقتصادي على مصراعيه وبرعاية حكومية مباشرة، وهو ما يتيح لإسرائيل التحرك سريعا لإقناع دول وشركات عالمية عديدة تقاطع منتجات وسلع الاحتلال بأن المقاطعة التي يفرضونها عليها لا مبرر لها، لأن العرب "المدافعين أصلاً عن القضية الفلسطينية" قاموا بكسر المقاطعة والتطبيع مع الشركات الإسرائيلية وإبرام صفقات لسنوات طويلة، وليس صفقات عابرة.
الهدف الثاني: تسويق الغاز الإسرائيلي
الصفقة المصرية ستفتح الباب أمام دول عربية عدة، وفي مقدمتها الأردن والسلطة الفلسطينية لاستيراد الغاز الإسرائيلي، كما تساعد في رفع الحرج عن الحكومة الأردنية لتنفيذ الاتفاق المبدئي الذي أبرمته شركات أردنية لاستيراد غاز من إسرائيل بقيمة 10 مليارات دولار، وربما لا نُفاجأ غداً بقيام دول عربية وخليجية بارتكاب جريمة استيراد الغاز الإسرائيلي متحججة في ذلك بقيام القاهرة، أهم عاصمة عربية، بارتكاب هذا الفعل، والنتيجة النهائية كسر سلاح التطبيع.
الهدف الثالث: مزيد من السطو على الحقول
قيمة الصفقة الضخمة والصفقات الأخرى المتوقعة مع الأردن وغيرها من الدول العربية والأوروبية ستدفع إسرائيل نحو ضخ مزيد من الاستثمارات في قطاع التنقيب عن الغاز والنفط في منطقة البحر المتوسط، وبالتالي مساعدة دولة الاحتلال على السطو على مزيد من مواقع النفط والغاز الموجودة في المنطقة، خصوصاً الحقول الواقعة قبالة السواحل اللبنانية والفلسطينية والمصرية.
الهدف الرابع: رهن أمن الطاقة
سيترتب على صفقة استيراد مصر الغاز الإسرائيلي ربط أمن مصر والدول العربية الاقتصادي والطاقي بأمن الطاقة في إسرائيل. وبالتالي، وضع المصانع والشركات المصرية تحت رحمة دولة الاحتلال تمنحها الغاز وقتما تشاء وتمنعها وقتما تشاء.
الهدف الخامس: عملاق طاقة عالمي
إبرام إسرائيل صفقة مع الجانب المصري قيمتها 15 مليار دولار ولمدة 10 سنوات هو مكسب اقتصادي مهم لدولة الاحتلال؛ فهذه فترة طويلة تضمن خلالها دولة الاحتلال وجود طلب طويل الأجل على غازها المستخرج في منطقة الشرق الأوسط. وبالتالي، مساعدتها في تحقيق حلمها بأن تكون مصدراً رئيسياً للطاقة في العالم، كما يساعدها في تحقيق حلم مد أنبوب من سواحلها إلى أوروبا لتصدير الغاز مباشرة لدول مثل فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وغيرها من الدول التي تعتمد على الغاز العربي، وتحديداً غاز الجزائر.
الهدف السادس: مكاسب اقتصادية
صفقة مصر تحقق عدة أهداف اقتصادية أخرى لإسرائيل، منها ضمان تدفق سيولة نقدية على الخزانة العامة توجهها بعد ذلك لتمويل مشروعات صحية وتعليمية وبحثية وطرق وجسور ومحطات كهرباء وبنية تحتية توفر الرفاهية للمواطن الإسرائيلي، كما تساعد الحكومة في زيادة إنفاقها على المجهود الحربي والعمليات العسكرية التي توجه ضد الفلسطينيين. هل فهمت الآن أن إسرائيل هي الرابح الأكبر من صفقة تصدير الغاز لمصر؟