تتزايد الضغوط الشعبية في الدنمارك لسحب المؤسسات المالية استثماراتها من دولة الاحتلال الإسرائيلي، حيث تواصل التظاهر للشهر الرابع على التوالي، احتجاجاً على استمرار العدوان على غزة ومواقف حكومة البلاد من هذه الحرب.
ففي مختلف مدن الدنمارك، بدأ الناس يسألون شركات وصناديق تقاعدية عما إذا كانت مدخراتهم تساعد في تمويل المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة. صحيح أن أسئلة المتقاعدين في الدنمارك ليست جديدة، وإن كانت لم تصل سابقاً إلى مستوى أسئلة وجهت إلى صناديق نرويجية اتخذت خطوات شبيهة منذ سنوات، إلا أنها بدأت تؤثر جدياً في مواقف الصناديق التقاعدية في كوبنهاغن. أحد أهمها، ويسمى "فيلليف" (الحياة الجيدة) ويضم 420 ألف عضو، أعلن سحب استثماراته من 11 بنكاً في دولة الاحتلال الإسرائيلي.
وبرغم أن نفوذ اللوبيات الصهيونية واسع في البلد الإسكندنافي الصغير (5.6 ملايين نسمة) فإن "فيلليف" Velliv يستند في قراره سحب الاستثمارات إلى سياسات وتوجيهات أوروبية وللأمم المتحدة تتعلق بعدم الاستثمار، حيث تثار شكوك عن انتهاكات لحقوق الإنسان.
وذهب المدير الصحافي في الصندوق، ميكيل برو بيترسن، إلى القول إن "العملاء (المتقاعدين المدخرين لأموالهم) على دراية عامة بالصراعات في العالم"، وشدد في تصريحات للصحف المحلية على أنه "منذ اندلاع حرب غزة بدأ عدد منهم يتساءل عن الاستثمارات في إسرائيل".
إذ بعد مراجعته محفظته الاستثمارية توصل "فيلليف" إلى قرار الانسحاب من بنوك الاحتلال، وبناء على ما سماه استخلاصات بشأن معايير عن مسؤولية استثماراته. وبالطبع يستند ذلك إلى طرح الناس الأسئلة على الصندوق، متوصلاً إلى قناعة بأن "المخاطر مع هذه البنوك (في دولة الاحتلال) هي في تموليها إما توسيع المستوطنات، أو البنية التحتية في المستوطنات (في الضفة المحتلة)"، بحسب برو بترسن، الذي شدد على أن "هذه أراضٍ محتلة، ولا تتوافق التصرفات مع المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة، التي نعتمد عليها".
وعليه اختار ممثلو مصالح 420 ألف مستثمر متقاعد في الصندوق الدنماركي سحب أكثر من 7 آلاف سهم من الاستثمارات في بنوك الاحتلال. وعقّب أستاذ إدارة الأعمال في جامعة أُلبورغ (شمال)، بير نيكولاي بوك، على ما يجري من سحب استثمارات بالقول لهيئة البث العام الدنماركي "دي آر"، يوم الأحد، إن ذلك يظهر "اهتماماً بالحرب في غزة، وبأن أعضاء الصندوق التقاعدي أصبحوا مهتمين أكثر بالأحداث، وبأنها خطوة في سياق موجة تتجه فيها الشركات والصناديق التقاعدية نحو استثمار بضمير أكبر ومسؤولية اجتماعية أوسع".
ومنذ سنوات أصدر الاتحاد الأوروبي توجيهات تتعلق بتطبيق سياسات "الاستثمار المستدام"، الذي يفرض على الشركات والصناديق التقاعدية المستثمرة تقديم تقارير عن التزامها ببعض معايير تلك الاستدامة، والتي تربط مباشرة بسياسات المناخ والظروف الحقوقية.
وتلزم مظلة الأعمال والشركات "دانسك اندُستري" (الصناعات الدنماركية)، والمعروفة اختصاراً بـ"دي آي" كل الشركات والمؤسسات بتقديم تقارير سنوية عن التزامها بالمعايير المحلية والأوروبية والصادرة عن الأمم المتحدة، في مجال الامتناع عن الاستثمار، حيث تثار شكوك عن انتهاكات بما في ذلك انتهاك حقوق الإنسان.
وفي هذا الإطار كان "بنشيون دنمارك" وهو أحد أكبر صناديق التقاعد في الدنمارك قد سحب استثماراته من بنوك الاحتلال الإسرائيلي بناء على تلك الشكوك، والتي أثارها أيضاً بعض الأعضاء من بين 800 ألف عضو، وخصوصاً حيال إمكانية وصول استثماراته عبر بنوك الاحتلال إلى أنشطة استيطانية في الضفة الغربية المحتلة.
موقف صندوق "بنشيون دنمارك" برز حتى قبيل الحرب على غزة ببضعة أشهر، إذ أكد الصندوق أنه "لفترة طويلة قبل اندلاع الحرب في غزة ركّزنا على مسألة الاشتباه في بنوك إسرائيلية تقدم قروضاً للمستوطنات غير القانونية في الضفة الغربية المحتلة"، وفق ما أكد أحد مديري الصندوق في تصريحات تلفزيونية محلية. وبالفعل بدأ الصندوق التقاعدي مع بداية العام الحالي بيع الأسهم والسندات المستثمرة في بنوك الاحتلال، والتي وصلت قيمتها إلى 75 مليون كرونه (نحو 10 ملايين يورو).
وفي حالة أخرى شبيهة، بحسب تقارير نشرها الموقع الإخباري المحلي "زيتلاند"، الأسبوع الماضي، فإن صندوق الاستثمار التقاعدي "ب يبلس" (P+)، الذي يضم 110 آلاف عضو، سحب استثماراته من دولة الاحتلال، وخاصة من عدة بنوك وشركة إسمنت وأخرى لإنتاج معدات مراقبة تستخدم في الضفة المحتلة.
وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، كتبت صحيفة "بورسن" الدنماركية أن صندوق "التقاعد الصناعي Industriens Pension" استبعد سبعة بنوك إسرائيلية من استثماراته، وأن "بي كي إيه" التقاعدي رشح أربعة بنوك إسرائيلية إلى ما يسمى بـ"قائمة الاستبعاد".
تزايد مطالب الجامعيين بالمقاطعة
الحراك الذي بدأت تنتهجه صناديق تقاعدية بشأن سحب استثماراتها من إسرائيل، يقابله على المستوى الأكاديمي مطالبات في جامعة كوبنهاغن لفرض مقاطعة أكاديمية. وقدمت جمعية "طلاب ضد الاحتلال" في كوبنهاغن عريضة موقعة من نحو 2100 من الطلاب والموظفين، تطالب بإسقاط استثمارات بملايين الدولارات في الشركات المدرجة على قائمة الأمم المتحدة للجهات الفاعلة التي قد تكون متورطة في انتهاك حقوق الإنسان في الضفة الغربية.
وعدت إدارة جامعة كوبنهاغن بدراسة الطلبات بعد التشاور مع مديري أصولها. يأتي ذلك إلى جانب خطوة اتخذها صندوق "تقاعد الأكاديميين" في 15 يناير/كانون الثاني الماضي باستبعاد وسحب استثمارات في 13 شركة إسرائيلية تنتهك السياسة الخاصة باستثمارات "الأكاديميين".
ويتعلق الأمر بسحب الاستثمارات من ستة بنوك، وأربع شركات إنشاءات، وثلاث شركات اتصالات، وعلل صندوق الأكاديميين قراره بأن جميع هؤلاء "لديهم ارتباط بالمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، وذلك له آثار سلبية منهجية على حقوق الإنسان للفلسطينيين".
وعلى موقعه الرسمي أفاد الصندوق الأكاديمي أنه لا يقصد "الاستبعاد التام لإسرائيل"، بعد تصاعد انتقادات مؤيدي دولة الاحتلال في الدنمارك. ومع ذلك أكد الصندوق أنه منسحب من بنوك "هبوعليم" و"ليئومي" و"القدس" و"فيرست إنترناشونال" و"ميرزاحي" ومجموعة "شلومي" وشركة "بيزيك" و"سيكوم" و"اليكترا"، وغيرها من شركات.
وأشار الصندوق الدنماركي على موقعه إلى أن السياسة الرسمية للأمم المتحدة والولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي والحكومة الدنماركية هي ضرورة إقامة حل الدولتين، وأن المستوطنات الإسرائيلية في هذا الصدد "غير قانونية وتثير إشكالية كبيرة".
ويؤكد محللون أن المجتمع الدنماركي الذي تطور فيه الموقف من العدوان على غزة من سياسة رسمية مؤيدة للاحتلال بصورة كبيرة بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بات أكثر وعياً وضغطاً على نقاباته وأحزابه، لانتهاج سياسة تتوافق مع ما تبنته الدولة رسمياً بشأن تنظيم الاستثمارات، بما يتوافق والقيم والمبادئ التي جرى تبنيها أوروبياً وأممياً.