كشفت مصادر برلمانية مصرية أن هيئة قناة السويس أنشأت صندوقاً خاصاً بها قبل أكثر من عامين بتوجيهات مباشرة من الرئيس عبد الفتاح السيسي، أي قبل مناقشة مجلس النواب لمشروع القانون المقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام قانون نظام الهيئة رقم 30 لسنة 1975، وموافقته على مجموع مواده في جلسته العامة هذا الأسبوع.
ويقضي مشروع القانون بتأسيس صندوق هيئة قناة السويس للمساهمة بمفرده، أو مع الغير، في تأسيس الشركات، أو في زيادة رؤوس أموالها، والاستثمار في الأوراق المالية، وشراء وبيع وتأجير واستئجار واستغلال أصوله الثابتة والمنقولة والانتفاع بها. في حين قالت المصادر لـ"العربي الجديد"، إن الصندوق منشأ بالفعل منذ يوليو/تموز 2020، وبلغت حصيلة الأموال الموجهة إليه من موارد الهيئة نحو 80 مليار جنيه (3.2 مليارات دولار).
وأضافت المصادر أن الهدف من الصندوق هو احتجاز الجزء الأكبر من موارد هيئة قناة السويس بعيداً عن الموازنة العامة للدولة، وتوجيهها مباشرة لما يعرف بـ"خطط التنمية الرئاسية"، أي أنها ستكون تحت الإشراف المباشر لرئيس الجمهورية يتصرف بها كيفما يشاء، عوضاً عن توجيه هذه الأموال إلى وزارة المالية، وإدراجها بطبيعة الحال ضمن الإيرادات العامة للدولة.
وأوضحت أن صندوق هيئة قناة السويس هو نسخة مشابهة لصندوق "تحيا مصر"، الخاضع مباشرة لإشراف السيسي بعيداً عن أي جهات رقابية، محذرة من إمكانية فرض المزيد من الضرائب والرسوم في بنود الموازنة العامة خلال الفترة المقبلة، من أجل تعويض العجز الحاصل في إيرادات الدولة بسبب إنشاء صندوق الهيئة، وتوجيه أموالها لصالحه بدلاً من الموازنة.
وبحسب المصادر، فإن صندوق هيئة قناة السويس لا يهدف في الأساس إلى بيع أصول الهيئة إلى مستثمرين أجانب أو خليجيين كما يحذر البعض، وإنما تحويل المال العام إلى مال خاص، وهذا توجه لدى الدولة في السنوات الأخيرة، ويظهر بوضوح في تصريحات رئيس الجمهورية التي يطالب فيها كل هيئة في الدولة بالاعتماد على مواردها الذاتية، وتنميتها بأي طريقة ممكنة.
وأفادت المصادر بأن هذا التوجه يمهد إلى اعتماد قطاعات خدمية هامة مثل الصحة والتعليم على مواردها الذاتية، وعدم تمويل مشروعاتها كلياً من اعتمادات الموازنة العامة، وبالتالي خصخصة خدماتها المقدمة إلى المواطنين بصورة تدريجية لزيادة مواردها.
الأمر الذي اتضح مؤخراً في الزيادة الكبيرة لمصاريف المدارس الحكومية، والتوسع في إنشاء الجامعات الخاصة والأهلية، فضلاً عن المضي قدماً في مخطط بيع المستشفيات العامة، والتوجيه الرئاسي بتوسيع الشراكة مع القطاع الخاص في قطاع الصحة.
أوامر مباشرة من السيسي
وفي 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قال السيسي خلال فعاليات المؤتمر الاقتصادي: "هيئة قناة السويس اعتادت أن توجه دخلها إلى الموازنة العامة ووزارة المالية فقط، وعندما سألت رئيس الهيئة عما تملكه من أموال، قال لي: لا توجد أموال. قلت له كيف مؤسسة عملاقة مثل الهيئة لا يكون لها ملاءة مالية بقيمة 300 أو 400 مليار جنيه".
وأضاف السيسي في كلمته: "وجهت رئيس الهيئة بإنشاء صندوق إيرادات لها مع العمل على تنميتها، وعدم إنفاق أي شيء منه إلا بعد العودة لي شخصياً، وعدم تحويل أي أموال من الهيئة مرة أخرى إلى وزارة المالية، لأن هذا المسار لا يحقق النجاح. أنا أترك كل مسؤول يطحن نفسه من أجل تدبير الأموال اللازمة للتمويل، وصندوق الهيئة به الآن 80 مليار جنيه، ومن المتوقع أن يصل إلى 300 أو 400 مليار جنيه خلال 4 سنوات".
وقال رئيس هيئة قناة السويس الفريق أسامة ربيع، أمام مجلس النواب، يوم الإثنين، إن "الهيئة حققت طفرات غير مسبوقة مؤخراً، منها عبور نحو 23 ألف سفينة في عام 2022، بزيادة واضحة عن العام الماضي"، مضيفاً أن "إجمالي الحمولة التي شهدتها القناة في العام الحالي بلغت ملياراً و420 مليون طن، بدخل إجمالي يصل إلى 7 مليارات و932 مليون دولار".
واختص مشروع القانون صندوق الهيئة بأداء جميع الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية، على أن يقدر رأس ماله المرخص به بمائة مليار جنيه مصري (نحو 4 مليارات دولار)، ورأس مال مصدر ومدفوع يبلغ عشرة مليارات جنيه تسدد من هيئة قناة السويس. وتجوز زيادة رأس مال الصندوق نقداً أو عيناً بموافقة الجمعية العمومية له، ووفقاً للضوابط والإجراءات الواردة بالنظام الأساسي للصندوق.
وتتكون موارد الصندوق من رأس ماله، ونسبة من إيرادات هيئة قناة السويس، أو تخصيص جزء من فائض أموال الهيئة لصالح الصندوق بعد الاتفاق مع وزير المالية في بداية كل عام مالي، إضافة إلى عائد وإيرادات استثمار أموال الصندوق، والموارد الأخرى التي تحقق أهدافه، ويقرها مجلس الإدارة، ويصدر بقبولها قرار من رئيس الوزراء.
ويكون للصندوق مجلس إدارة برئاسة رئيس هيئة قناة السويس، وعضوية أربعة من أعضاء مجلس الإدارة أو المديرين بهيئة قناة السويس، يحددهم النظام الأساسي للصندوق، وثلاثة أعضاء من ذوي الخبرة في المجالات الاقتصادية والقانونية والاستثمارية أو غيرها من المجالات ذات الصلة بأغراض الصندوق، يختارهم رئيس مجلس الوزراء. وتكون مدة عضويتهم أربع سنوات قابلة للتجديد لمدة مماثلة.
رفض شعبي
وكما أعلن عدد من أعضاء مجلس النواب رفضهم مشروع القانون، سجلت بعض الشخصيات العامة اعتراضها عليه.
وكتب المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي، على صفحته في فيسبوك قائلاً: "قناة السويس خط أحمر. بأرواح الشعب حفرناها، وبإرادة الشعب أممناها، وبدماء جيش الشعب حررناها. هي ملك الشعب، ولن يسمح لحكومة فاشلة بالتفريط فيها".
بدوره، قال وزير الدولة للإعلام السابق أسامة هيكل: "الأمر خطير للغاية، ويحتاج إلى مراجعة فورية. قناة السويس مرفق استراتيجي لا يجوز التفريط فيه جزئياً أو كلياً، ولا حتى التفكير في الأمر، لأن القناة ليست مجرد أصل من أصول الدولة، ولا يمكن السماح بالبيع أو الشراء فيها لأي سبب من الأسباب".
وأضاف هيكل عبر صفحته في فيسبوك: "هذه المادة (مشروع القانون) تحتاج إلى إعادة نظر فوراً، وأن ينظر إليها من أجهزة الأمن القومي بعين المسؤولية، قبل أن يعرض المشروع على رئيس الجمهورية لتوقيعه. وأتمنى أن يستخدم الرئيس حقه في إعادة المشروع لمجلس النواب مرة أخرى لمزيد من الدراسة. إلا قناة السويس يا سادة!"، على حد تعبيره.
من جهته، قال رئيس مجلس النواب حنفي جبالي، في مستهل جلسة البرلمان يوم الثلاثاء: "تابعت عن كثب الأخبار المتداولة في الوسائط الإعلامية المختلفة، أو على مواقع التواصل الاجتماعي، بشأن مناقشة مشروع قانون هيئة قناة السويس، والذي ينضوي على إنشاء صندوق تابع لها. وهالني ما رأيته وسمعته من بعض المحسوبين على النخبة المثقفة، من أن ما تضمنه المشروع من أحكام تجيز تأسيس شركات لشراء وبيع وتأجير واستغلال أصول الصندوق، والذي يعد -على حد وصفهم- تفريطاً في قناة السويس".
وأضاف جبالي (موال لسلطة السيسي): "إزاء التخوفات المشروعة لبعض المواطنين تجاه القانون، والمقدر من جانبي بشدة، والتي تؤججها ادعاءات ومغالطات صدرت عن أناس لهم مكانتهم العلمية والأدبية والثقافية، بل والقانونية في المجتمع، لذا وجدت لزاماً علي ضرورة توضيح الأمر. مشروع القانون الذي وافق عليه المجلس في مجموعه لم تُستكمل إجراءات الموافقة عليه بصورة نهائية، ولا يتضمن أية أحكام تمس قناة السويس كونها من أموال الدولة العامة، ولا يجوز التصرف فيها أو بيعها".
وأكمل: "يزيد على ذلك أن الدولة ملزمة وفق المادة 43 من الدستور بحماية قناة السويس وتنميتها، والحفاظ عليها بصفتها ممراً مائياً دولياً مملوكاً لها، كما تلتزم بتنمية قطاعِ القناة باعتباره مركزاً اقتصادياً متميزاً. والصندوق المزمع إنشاؤه يهدف إلى بيع أو شراء أو استئجار أو استغلال أصوله الثابتة أو المنقولة، وهو أمر طبيعي يتفق مع طبيعة الصناديق كوسيلة من وسائل التمويل والاستثمار، ولا يمس بشكل مباشر أو غير مباشر قناة السويس".
وتابع جبالي: "لفظ (الأصول) لا يمكن أن ينصرف بأي حال من الأحوال إلى القناة ذاتها، لأنها مال عام لا يمكن التفريط فيه. ومجلس النواب الذي أوليتموه ثقتكم لم ولن ينجرف إلى إصدار قوانين تمس أحكام الدستور الذي يعبر عن ضمير الأمة، بل إنه يبذل قصارى جهده في تمحيص مشاريع القوانين لضمان بلوغها -حال إقرارها- مصلحة الوطن والمواطن"، حسبما قال.