- تعبير عن القلق بشأن تراجع شهية المستثمرين لسندات الخزانة الأمريكية، مما قد يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض وتقويض الاستقرار المالي العالمي، وهو ما يشاركه صندوق النقد الدولي ومكتب الميزانية التابع للكونغرس.
- الديون الحكومية الأمريكية، التي تقدر بنحو 34.6 تريليون دولار، تشكل تهديدًا ليس فقط للاقتصاد الأمريكي بل وللاقتصاد العالمي أيضًا، مع التأكيد على الحاجة الملحة للتركيز على قضايا العجز المالي وتقليل الاعتماد على الديون.
تزايدت بشكل ملحوظ صيحات التحذير من مخاطر تصاعد ديون الحكومة الأميركية التي بلغت مستويات قياسية في الأونة الأخيرة، في غيبة تامة لأية جهود للتصدي لارتفاعها في المدى المنظور.
وفي الساعات الأربع وعشرين الماضية، أبدى جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لبنك جيه بي مورغان تشيس، وراي داليو، مؤسس أكبر صندوق تحوط في العالم، انزعاجهما من تراكم جبل ديون الحكومة الأميركية.
وفي مقابلة مع شبكة سكاي نيوز مساء الأربعاء، قال ديمون إنه يأمل أن تركز الحكومة الأميركية على خفض عجز ميزانيتها قبل أن تجبرها الأسواق المالية على ذلك. ويمثل عجز الميزانية الفارق بين ما تتوقع الحكومات أن تنفقه وما تتوقع الحصول عليه من ضرائب في كل عام.
وأضاف ديمون: "كلما ركزنا عليها بشكل أسرع، كلما كان ذلك أفضل. ففي مرحلة ما، سوف يسبب العجز مشكلة، وسوف يكون سبب المشكلة هو الأسواق التي يتم التعامل فيها على الديون الحكومية، وبعد ذلك سوف نضطر إلى التعامل معها وربما بطريقة غير مريحة أكثر بكثير مما لو كنت قد تعاملت معها من البداية".
ويضيف عجز الميزانية الأميركية الكبير مليارات الدولارات إلى المستوى الإجمالي لديون الحكومة الأميركية لأنه يضطر وزارة الخزانة لإصدار المزيد من السندات لسد الفجوة. وفي مارس/آذار الماضي، أشار تقرير نشرته شبكة سي أن بي سي الاقتصادية إلى أن ديون الحكومة الأميركية تزداد تريليون دولار كل مائة يوم تقريباً، اي نحو 10 مليارات دولار كل يوم.
وقال داليو إنه كان قلقا بشأن تراجع شهية المستثمرين لتلك السندات الحكومية، المعروفة باسم سندات الخزانة. وقال لصحيفة "فاينانشال تايمز: أنا قلق بشأن تراجع الطلب لمقابلة العرض، خاصة من المشترين الدوليين القلقين بشأن صورة الديون الأميركية والعقوبات المحتملة ضد دول أخرى، بعد تجميد الأصول الروسية ومصادرة بعضها".
وإذا أصبح المستثمرون حذرين، فقد يطالبون بعوائد أعلى لشراء سندات الخزانة، وهو خطر أشار إليه بالفعل صندوق النقد الدولي ومكتب الميزانية التابع للكونغرس، وهو ما سيترتب عليه بالتأكيد ارتفاع تكاليف الاقتراض في جميع أنحاء العالم.
وتعكس تعليقات ديمون وداليو مخاوف واسعة النطاق بشأن المخاطر الأوسع نطاقاً المتمثلة في عبء ديون الحكومة الأميركية الضخمة، والتي تقدرها وزارة الخزانة بنحو 34.6 تريليون دولار، أي أكبر من حجم الاقتصاد الأميركي.
واعترف ديمون بأن الإنفاق الحكومي المدعوم بالديون، بما في ذلك التحفيز الذي قامت به الحكومة الأميركية خلال فترة الوباء، كان أحد الأسباب وراء النمو القوي في أكبر اقتصاد في العالم. وأضاف: "لقد أنفقت أميركا الكثير من المال خلال فترة الوباء وبعده. عجزنا يبلغ الآن 6%، وهذا كبير، لكن من الواضح أنه يدفع النمو، رغم أن فورة الإنفاق أدت إلى زيادة تضخم أسعار المستهلكين".
وقال: "يمكن لأي دولة أن تقترض المال وتدفع بعض النمو، لكن ذلك قد لا يؤدي دائمًا إلى نمو جيد، لذلك أعتقد أن أميركا يجب أن تدرك تمامًا أنه يتعين علينا التركيز على قضايا العجز المالي لدينا أكثر قليلاً وهذا مهم بالنسبة للولايات المتحدة".
وأشارت مؤسسات دولية إلى أن مشكلة الديون الأميركية يمكنها تصدير المتاعب لبقية العالم، حيث قال صندوق النقد الدولي الشهر الماضي إن المستوى المرتفع والمتزايد لديون الحكومة الأميركية يهدد برفع تكاليف الاقتراض في جميع أنحاء العالم وتقويض الاستقرار المالي العالمي.
وجاء هذا التحذير في أعقاب رسالة أكثر وضوحا من رئيس مكتب الميزانية في الكونغرس، الذي يمثل جهة الرقابة المالية المستقلة التابعة للكونغرس الأميركي، قال فيها إن الولايات المتحدة تخاطر بدخول سوق السندات في أزمة من ذلك النوع الذي اجتاح المملكة المتحدة في عهد رئيسة الوزراء السابقة ليز تروس. ووقت الأزمة البريطانية، رفض المستثمرون فعليًا خطة حكومة المملكة المتحدة لدفع تكاليف الإنفاق الإضافي والتخفيضات الضريبية عن طريق اقتراض المزيد من الأموال، مما أدى إلى عمليات بيع واسعة النطاق لسندات الحكومة البريطانية، واضطرت تروس للاستقالة بعد 46 يوماً فقط من ترأسها الحكومة البريطانية.
وخلال الأسابيع الماضية، ظهرت في الأسواق الأميركية بعض الأدلة على أن المستثمرين يطالبون بعوائد أعلى للاحتفاظ بسندات الخزانة الأميركية، وفقا لصندوق النقد الدولي، الذي أرجع ذلك جزئيا إلى مخاوفهم بشأن مسار الديون. ووفقا لوزارة الخزانة الأميركية، أنفقت الحكومة الفيدرالية حتى الآن 855 مليار دولار أكثر مما جمعته في السنة المالية 2024، التي بدأت في الأول من أكتوبر/تشرين الأول.
كما ارتفعت تكاليف خدمة الديون إلى عنان السماء، على خلفية ارتفاع أسعار الفائدة الأساسية، الأمر الذي أدى إلى إتاحة أموال أقل للخدمات العامة. وفي السنة المالية 2023، أنفقت الحكومة الأميركية على خدمة ديونها أكثر مما أنفقته على الإسكان والنقل والتعليم العالي، وفقًا للجنة الميزانية الفيدرالية المسؤولة، وهي منظمة غير ربحية.
والولايات المتحدة ليست وحدها التي تعيش على جبال متصاعدة من الديون بما يهدد بتجاوز إمكانياتها، حيث يتوقع البنك المركزي الأوروبي أن تظل الديون الحكومية في الدول العشرين التي تستخدم اليورو أعلى مما كانت عليه قبل الوباء.
وقال البنك في تقرير له اليوم الخميس إن هذا سيجعل الحكومات الأوروبية "أكثر عرضة للصدمات المعاكسة" مثل التوترات الجيوسياسية المتزايدة إذا اضطرت إلى مزيد من الإنفاق على الدفاع.