على الرغم من التراجع الحاد الذي شهده سعر صرف الروبل الروسي في نهاية العام الماضي، وسط ارتفاع سعر صرف الدولار حينها إلى أكثر من 70 روبلاً، إلا أن العملة الروسية شهدت استقراراً لافتاً في تعاملات الأسابيع الأولى من العام عند مستوى دون 69 روبلاً للدولار، بالتزامن مع بدء المصرف المركزي الروسي بضخ اليوان الصيني من احتياطاته في السوق الداخلية لتعويض خسائر تراجع عوائد النفط والغاز.
وبذلك، عادت السلطات المالية الروسية إلى تطبيق قاعدة الميزانية القاضية بشراء العملة عند ارتفاع عوائد النفط والغاز وبيعها عند تدنيها، ولكن باليوان هذه المرة بدلاً من العملات الغربية، وسط تشكيك الخبراء الماليين في واقعية تسجيل الروبل تعافياً هاماً على المدى المتوسط والبعيد.
ويرى كبير المحللين في مجموعة "تيلي تريد" للتداول، مارك غويخمان، أن أسباب تعافي الروبل لا يجوز اختصارها في بيع اليوان، متوقعاً عودة سعر صرف الدولار إلى أكثر من 70 روبلاً بعد الارتفاع الموسمي للواردات في الأشهر المقبلة.
ويقول غويخمان في حديث لـ"العربي الجديد": "هناك عدة أسباب لتعافي الروبل، ومنها إقدام المصدّرين على بيع العوائد المتراكمة خلال فترة الأعياد، والتراجع الموسمي للطلب من المستوردين الذين يخفضون إدخال السلع بعد رأس السنة. لكن تطبيق قاعدة الميزانية هو الذي شكل المفاجأة الكبرى للسوق".
ومع ذلك، يقلل من أهمية تأثير ضخ اليوان بالروبل في الأشهر المقبلة، مضيفاً: "بحلول فبراير/ شباط أو مارس/ آذار، ستشعر روسيا بالمفعول الكامل لتراجع تدفق العملة بسبب تفعيل الحظر الغربي على منتجات النفط الروسي في 5 فبراير/ شباط الذي ستقابله زيادة الواردات والطلب على العملة. من المرجح أن يعود الدولار إلى مستويات تفوق 70 روبلاً رغم قاعدة الميزانية".
ورغم أن ميزان المدفوعات في روسيا بلغ في عام 2022 رقماً قياسياً بواقع 227.4 مليار دولار بزيادة قدرها الضعف مقارنة بـ2021، وهو أمر كان متوقعاً بعد انهيار الاستيراد في أثناء ذروة أزمة العقوبات، إلا أن التوجهات تغيرت جذرياً مع اقتراب نهاية العام الماضي، إذ بدأ الاستيراد يتعافى مقابل انكماش التصدير.
وتشير قناة MMI المعنية بشؤون الاقتصاد الكلي على "تلغرام" (إحدى القنوات المشاركة في استطلاعات رأي الاقتصاد الكلي التي يجريها المصرف المركزي) إلى أنه في هذه الظروف، سيزداد الضغط على الروبل، ولا سيما اعتباراً من الربع الثاني، حين يبدأ الاستيراد بازدياد في أغلب الأحيان، بينما قد تلحق العقوبات على منتجات النفط الروسية ضربة إضافية بالتصدير. وأضاف القائمون على القناة: "تفعيل قاعدة الميزانية سيقلل من الضغط على الروبل لحين استنفاد اليوان".
وكانت وزارة المالية الروسية قد أعلنت بعد عطلة رأس السنة وعيد الميلاد المجيد أن عجز عوائد النفط والغاز للميزانية الفدرالية في يناير/ كانون الثاني 2023 سيبلغ 54.5 مليار روبل (800 مليون دولار تقريباً)، وهذا هو المبلغ الذي يجب أن يوفره المصرف المركزي لوزارة المالية على حساب العمليات مع احتياطات اليوان.
وأعلنت السلطات المالية الروسية إجراء عمليات بيع اليوان خلال الفترة من 13 يناير/ كانون الثاني إلى 6 فبراير/ شباط، بقيمة تعادل 3.2 مليارات روبل (أكثر من 46 مليار دولار) يومياً، مرجعة القرار إلى وجود مخاطر تراجع الحجم الفعلي لتصدير الغاز مقارنة بالتوقعات وما يترتب عن ذلك من انخفاض عوائد رسوم تصديره على خزينة الدولة.