طالبان تتحكم بالمعابر التجارية: زيادات في أسعار السلع والحكومة الأفغانية تجمد المشروعات
سيطرت حركة طالبان مساء يوم الجمعة 6 أغسطس/آب الجاري على مدينة زرنج مركز إقليم نيمروز، المجاور لإيران، ما دفع آلاف الأفغان للهروب من تبعات الحرب صوب الحدود الإيرانية الأفغانية، لكن السلطات الإيرانية أغلقت تلك المنافذ في وجه جميع الهاربين، عدا المسؤولين في الحكومة المحلية.
لاحقا وفي اليوم التالي أعلنت السلطات الإيرانية وقف الحركة التجارية بين الدولتين على معبر زرنج الحدودي، كما أمرت بعودة 270 شاحنة وصهريجا تجاريا كانت تنتظر الدخول من إيران إلى أفغانستان، ولم تسمح لها بالدخول.
وأثر ذلك سلباً على الأسواق الأفغانية خاصة من جهة زيادة أسعار السلع الأساسية بما فيها القمح والدقيق، وتراجع الإيرادات الحكومية.
استمرار طالبان في السيطرة على المعابر الرئيسية سيزيد معاناة الحكومة المالية، لا سيما وأنها بأمس حاجة إلى الحفاظ على الميزانية الحالية بسبب الحرب الدائرة مع الحركة
هكذا أصبح معبر نيمروز الحدودي مع إيران ثامن معبر تجاري بين أفغانستان ودول المنطقة تسيطر عليه طالبان، وكانت قد سيطرت قبل ذلك على سبعة معابر رئيسية خلال الأسابيع الماضية وهي معابر: إسلام قلا، وأبو نصر فراهي مع إيران (أولهما في إقليم هرات والثاني في إقليم فراه) وتور غوندي مع تركمانستان، وسبين بولدك ودند بتان مع باكستان (أولهما في إقليم قندهار والثاني في إقليم بكتيا)، ومعبر أي خانم مع أوزبكستان، ومعبر شير خان بندر مع طاجكستان.
وحيال تلك التطورات المتلاحقة أعلنت وزارة المالية الأفغانية أن الحركة التجارية تأثرت كثيرا على كل تلك المعابر التجارية الرئيسية، التي بدأت حركة طالبان تسيطر عليها، ما أدى إلى تقليص عائدات الحكومة المالية بشكل ملحوظ، وهو ما سيلقي بظلاله على الموازنة والإيرادات العامة التي تعاني أصلا من تراجع بسبب أزمة كورونا والأوضاع الاقتصادية والأمنية الصعبة.
وقال الناطق باسم وزارة المالية محمد رفيع تابع، في تصريح صحافي له، إن عائدات الحكومة المالية تقلصت إلى حد كبير بعد سيطرة طالبان على هذه المنافذ والمعابر الحدودية، مؤكدا أنه خلال الشهر الماضي كان حجم العائدات المالية 4.6 مليارات أفغاني (57.54 مليون دولار)، بينما حجم العائدات في الشهر السابق كان 7.3 مليارات أفغاني (91.3 مليون دولار)، ما يعني أن هناك تراجعا بقيمة مليار أفغاني (25.02 مليون دولار) في العائدات المالية، وذلك بعد خروج تلك المعابر الحدودية مع دول المنطقة من يد الحكومة.
كما يؤكد المسؤول أن استمرار طالبان في السيطرة على تلك المعابر الرئيسية سيزيد معاناة الحكومة المالية في الأشهر القادمة، لا سيما وأن الحكومة بأمس حاجة إلى الحفاظ على الميزانية الحالية بسبب الحرب الدائرة مع طالبان، لأن تكلفة الحرب ترتفع بسيطرة الحركة على المدن الكبرى.
سير الأمور في معابر طالبان
حول حركة العملية التجارية في المعابر التي باتت تحت سيطرة طالبان، يقول التجار إن العملية قد تأثرت إلى حد كبير، لا سيما وأن بعض الدول المجاورة قد أغلقت حدودها مع أفغانستان. لكن معبر إسلام قلا الرئيسي مع إيران، ومعبر سبين بولدك مع باكستان، ومعبر تورغوندي مع تركمانستان، تسير الأمور فيها بشكل طبيعي دون وجود أي خلل وفق مسؤولين حكوميين.
يقول نائب رئيس غرفة التجارة والاستثمار بإقليم هرات سعيد عظيميان، في بيان، إنه "في الوقت الحالي لا توجد أي مشكلة في الحركة التجارية من خلال المعابر الثلاث، وأن طالبان تأخذ من كل حافلة محملة بالبضائع المختلفة ما بين 15 ألف أفغاني (187 دولارا) إلى 50 ألف أفغاني (625 دولارا) طبقا للمحتويات التي تحملها"، مؤكدا أن طالبان كانت تأخذ في الوقت السابق وقبل السيطرة على المعابر نفس المبلغ من الحافلات في مقاطع أمنية لها على امتداد الطرق الرئيسية، لكنها الآن تأخذ المبلغ ذاته في المعابر.
وحول أزمة الدقيق والقمح في بعض مناطق أفغانستان، وتحديدا في إقليم هرات، قال المسؤول إن الأزمة كانت موجودة في بداية سيطرة طالبان على المعابر التجارية الحدودية بعد أن أغلقت تركمانستان معبر تورغندي الحدودي بطلب من الحكومة الأفغانية، لكن لاحقا تقرر فتح المعبر، وبالتالي تم حل تلك الأزمة، والآن جميع الأمور تسير بشكل طبيعي.
قال الناطق باسم وزارة المالية محمد رفيع تابع، إن عائدات الحكومة المالية تقلصت إلى حد كبير بعد سيطرة طالبان على هذه المنافذ والمعابر الحدودية
كذا يقول عبد الباقي بنا نائب رئيس غرفة التجارة والاستثمار بمدينة قندهار إن الحركة التجارية بين باكستان وأفغانستان عبر معبر سبين بولدك تسير بشكل سلس وطبيعي ولا عقبات في وجهها، مؤكدا أن الحالة الأمنية لها تأثيراتها حيث الخوف يسود كافة الشرائح، لا سيما التجار، غير أن الحركة التجارية تسير بشكل سلس، إلا في بعض الأحيان حيث تغلق السلطات الباكستانية الحدود مع أفغانستان لأسباب مختلفة، مثلما تفعل حاليا.
لا خطط حكومية لاستعادة المعابر
قبل سيطرة طالبان على عواصم الأقاليم، تحديدا أقاليم جوزجان ونيمروز وقندوز وسربل، قالت الحكومة الأفغانية إن لديها خططا لاستعادة السيطرة على جميع المعابر الحدودية مع دول الجوار.
وقال الناطق باسم القوات المسلحة الأفغانية أجمل شينواري آنذاك، في بيان، إن أجهزة الأمن الأفغانية بالتنسيق مع وزارة التجارة والاقتصاد تعمل لوضع خطط من أجل استعادة السيطرة على كل المعابر مع دول المنطقة.
لكن يبدو أنه في الوقت الراهن بات ذلك الأمر بعيد المنال، حيث إن طالبان دخلت إلى عواصم الأقاليم وسيطرت على العديد منها، كما أنها كثفت من عملياتها على المدن الأخرى، ما جعل القوات الأفغانية في حالة الدفاع الكامل عن المدن، وهي تلقى هزائم تلو الأخرى، وبالتالي لا يمكن في الوقت الراهن استعادة تلك المعابر، وهو ما يشكل ضربة قوية للحكومة على الصعيد المالي والتجاري.
توقف المشاريع التنموية
في خضم كل ما يحصل على المعابر الأفغانية، أعلنت وزارة المالية أنها طلبت من جميع الوزارات والدوائر الحكومية وقف المشاريع التنموية وإلغاء العقود المالية التي أبرمت مجددا لإنجاز مشاريع مختلفة، كما طلبت الوزارة من جميع الدوائر الحكومية خفض ميزانيتها وعدم تعيين موظفين جدد، خاصة الذين يتقاضون رواتب عالية.
والسبب، كما تقول الوزارة، هو التكلفة المالية العالية في المجال العسكري، إلى جانب حدوث نقص كبير في العائدات المالية للحكومة بسبب التطورات الأخيرة.
وكانت الوزارة قد أكدت في وقت سابق أن الحكومة خسرت أكثر من 33 مليون دولار في شهر واحد بسبب سيطرة طالبان على المعابر. كما يتوقع أن يبحث البرلمان الأفغاني القرارات المالية الأخيرة للحكومة.
وبهذا الشأن قال رئيس اللجنة المالية في البرلمان الأفغاني مير أفغان صافي، إن قرار وزارة المالية وصل إلى اللجنة وتبحثه الآن وتقرر بشأنه لاحقا، مؤكدا أن توقف المشاريع التنموية الكبيرة لا مشكلة فيه لأن الوضع يستدعي ذلك، لكن توقف المشاريع المتوسطة أمر غير لائق لأنه يترتب عليه خسارة التجار وأصحاب المال كثيرا.
تأثيرات السيطرة على الأسواق
مع التطورات الجديدة المتلاحقة، وأهمها ما حصل على المعابر، ارتفعت أسعار السلع والاحتياجات الأولية في الأسواق الأفغانية، لا سيما في المناطق التي تشهد معارك بين طالبان وقوات الأمن الأفغانية كمدينة قندهار وهرات، وغيرهما، خاصة في ظل شكاوي التجار بتحصيل الضريبة منهم من قبل الحكومة وطالبان معا.
سيطرة طالبان على المعابر أثرت سلبا على أسعار السلع الرئيسية في السوق ومنها القمح والدقيق
يقول صاحب المحل التجاري في مدينة قندهار جمال الدين لـ"العربي الجديد" عبر الهاتف إن الأمور تتجه نحو الأسوأ في كل مناحي الحياة وتحديدا داخل الأسواق الأفغانية. يضيف جمال أن الأسعار مرتفعة جدا، وهو ما يؤثر سلبا على المواطن.
لكن الناطق باسم وزارة الصناعة الأفغانية أحمد فواد أحمدي قال، في بيان صدر قبل أيام، "لا شك أن سيطرة طالبان على المعابر أثرت على الأسعار في السوق، لكن هناك أسبابا أخرى أيضا وراء زيادة الأسعار مثل تدهور قيمة العملة الأفغانية مقابل العملة الصعبة ومنها الدولار، والوضع الأمني بشكل عام"، مؤكدا أن تجار أفغانستان وبالتنسيق مع أجهزة الدولة استطاعت أن توفر للسوق احتياجاتها رغم كل تلك التهديدات.